أصبح تزايد معدلات الجريمة الأسرية ظاهرة تدعو للاندهاش والتفكير في الأسباب التي أدت إلي هذا التزايد الملحوظ؟! أصبح من النادر أن تخلو جريدة من خبر عن جريمة أسرية وقعت بين أب وابنه أو زوج وزوجته أو حتي بين أبناء العمومة والأقارب بمختلف درجاتهم. الواقع أن هذه الظاهرة جديدة علي مجتمعنا - وقد كانت موضوعا للنقاش بيني وبين بعض الأصدقاء في محاولة للتعرف علي أسبابها حيث قال أحدهم ان النبي »صلي الله عليه وسلم« قال »إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار »قيل يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول«؟؟ قال »صلي الله عليه وسلم« إنه كان حريصا علي قتل صاحبه »وقال أيضا سيأتي علي أمتي زمان لايدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل«. وتدخل صديق آخر وقال لابد أن نتذكر أول حوار وقع علي الأرض كان بين قابيل وهابيل ابني آدم عليه السلام، وأول دم يسفك علي الأرض هو دم هابيل وأول فساد فيها هو جريمة قتل - نجح إبليس في تنفيذ خطته ضد آدم وحواء في حياتهما إذا وسوس لقابيل أن يقتل أخاه هابيل دون جريمة، ودون سبب يدعو إلي القتل. أول خطيئة كانت الحسد، ومع الحسد كان الكبر ومع الكبر كان الطرد والسقوط واللعنة.. حسد إبليس آدم علي ما وهبه الله من كرامات، وتكبر عليه وظل يوسوس له حتي أكل هو وزوجته من الشجرة المحرمة في الجنة. وقد ارتبط حسد إبليس بمعصية الله.. إذ رفض السجود لآدم بأمره تعالي، وأول معصية علي الأرض كان الدافع إليها الحسد، وكان مع الحسد الظلم والقتل - حسد قابيل هابيل فارتبط الحسد أيضا بمعصية الله - إذ قرب الأخوان قربانا لله تعالي بنية أن يهديهما الله عز وجل أيهما ينكح الأخت المختلف عليها.. وهي أخت قابيل وتوأمته إذا كان من المحرمات أن ينكح الرجل توأمته، لكن قابيل لم يرض بهذا الحكم وأصر علي أن يستأثر بها لنفسه. وانتهي به الحال إلي تهديد هابيل بالقتل فأجابه هابيل بأن الله إنما يتقبل قرابين الاتقياء، وأن عليه أن يقبل هدي الله وحكمه في هذه المسألة، فلم يرضخ قابيل بل استكبر عليه أن يقال ان قربان هابيل قبله الله تعالي وقربانه لم يقبله الله عز وجل. واقدم قابيل علي قتل أخيه وطاوعته نفسه أن يكون أول قاتل وأول من أتي بالشر في الأرض.. امتلأ قلب قابيل غيظا وعداوة لهابيل فقال »لأقتلنك« ذهب قابيل إلي التهديد بالقتل مرة واحدة ولم يتدرج فيقول علي سبيل المثال أضربك، أصيبك بعجز... الخ لكنه هدده بالقتل وصمم عليه، فذكره أخوه بأن التقوي أولي من الفجور، وطاعة الله أولي من عصيانه فمهما تكن مغريات الحياة الدنيا »إنما يقتبل الله من المتقين«. ورد عليه هابيل بهدوء نفس وطمأنينه قلب وفي تحنن وتودد »لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لاقتلك إني أخاف الله رب العالمين« (المائدة (83). حوار هاديء ودفع للشر بالتي هي أحسن لكن قابيل لم يجب داعي الخير ولم يرجع عن عزمه بل مضي في عناده وهكذا ذهبت محاولاته في تهدئة أخيه سدي، قال هابيل لأخيه الثائر أنني لن أمد يدي إليك بالشر، وإن مددت يدك أنت لتقتلني فإني أخاف الله رب العالمين، ولن أعصي أمره. فأقتل وأبعث قاتلا وأقتل من؟. أقتل أخي. أبن أمي وأبي الذي نمتلك أنا وهو وبعض الأخوات والابوين، الدنيا كلها بأسرها ليس لنا فيها منازع أو شريك. وهكذا فإن الخوف من الله يحجز عن معاصيه ويبلغ مرضاته - هذه هي قصة أول أخوين علي الأرض يدب بينهما الخلاف بسبب الحسد وما يتولد من طمع وأنانية عمياء فكانت النتيجة أن قتل أحد الأخوين بغيا وعدوانا - وفحوي القصة أن الخلاف والعداوة والبغي قد دب بين أفراد الأسرة الواحدة - وقد أجري الله لنا هذا الحوار علي لسان قابيل وهابيل لنحذر من عاقبة الطمع والبغي ومن سيطرة الهوي والشهوة. وأن نؤمن حياتنا الأسرية ونراقب أولادنا قبل أن يتحول العنف بينهم إلي جريمة الهدم كيان الأسرة وتهدد المجتمع كله، ولكن لي في النهاية سؤال لماذا يتم تسمية الاولاد باسم قابيل بالرغم من انه القاتل ولم يتم التسمية باسم هابيل - هل المجتمع يرغب في وجود قابيل دائما؟