في مصر أحيطت أغلب محاولات اغتيال الملوك والرؤساء المصريين بالكثير من الغموض والتكتم رغم أن مصر لم تشهد ملكاً او رئيسًا لم يتعرض لمحاولة اغتيال أو أكثر. وقد ظلت ملفات تحقيقات قضايا محاولات اغتيال الرؤساء- وماتزال- حبيسة أدراج وزارة العدل يحمل كل منها عبارة تثيرالرهبة وهي.. سري للغاية! وحتي هذه اللحظة لا يستطيع أحد الإدعاء بأنه يعرف حقيقة وعدد محاولات الاغتيال التي تعرض لها الرئيس حسني مبارك سواء داخل مصر او خارجها. والمؤكد أنه كان هناك أكثر من ثماني محاولات لاغتيال حسني مبارك محاولتان منها علي الأقل كانت علانية سواء في أديس ابابا أو في مدينة بورسعيد وإن كانت محاولة"أبو العربي"ابن بورسعيد مايزال الكثير من أسرارها وغموضها وحتي حقيقتها تحوطه الكثير من الشكوك وهناك الآن من يؤكد أنها لم تكن محاولة اغتيال ولا يحزنون! ولكن كل محاولةلاغتيال الرئيس حسني مبارك سواء كانت حقيقية أو مفتعلة أو وهمية قصة مثيرة بكل تفاصيلها و أسرارها. لا توجد معلومات موثقة عن العدد الحقيقي لمحاولات اغتيال الرئيس حسني مبارك بعض هذه المحاولات تم رفع الستار عنهما في وقتها أو فيما بعد لكن المؤكد أنها كانت محاولات لم يتم تنفيذها و اقتصرت المعلومات عنها علي الحكايات و الأخبار و الشائعات. لكن أغلب هذه المحاولات قامت بها جماعات متطرفة بعينها مثل الجهاد أو العائدون من أفغانستان والقصة بدأت في عهد الرئيس أنور السادات الذي تماشي مع رغبة وخطط الولاياتالمتحدةالأمريكية في دعم واستعادة المجاهدين في أفغانستان خلال حكم كابول الشيوعي. ولم يقتصر هذا الدعم علي شحن الأسلحة إلي المجاهدين وإنما سمحت السلطات المصرية بسفر المئات من الشباب المصريين إلي أفغانستان للانضمام إلي المجاهدين هناك حيث كانوا يتلقون هناك تدريبات عسكرية مختلفة ويتعلمون فنون القتال وخاصة ما يسمي بحرب الشوارع! لكن الرئيس أنور السادات بعد سنوات قليلة أدرك أن هولاء الذين يحملون رايات الجهاد هناك سرعان ما سيحولون إلي قوة إرهاب قد يصعب النجاة من شرورها وأخطارها. خاصة وأن الجماعات الإسلامية في مصر بدأت قوتها تتنامي وأصبح واضحاً أن هذه الجماعات سوف تلجأ إلي العنف. وهؤلاء أنفسهم هم الذين عادوا إلي مصر فيما بعد وحاولوا اغتيال حسني مبارك أكثر من مرة فقد خططوا لسرقة أسلحة من معسكرات الجيش المصري كما خططوا لتفجير مقر مباحث أمن الدولة ومحاولة اغتيال الدكتور بطرس غالي بواسطة عربة" آيس كريم" مفخخة. وفي كتابه"العمي المتعمد- مذكرات الجهاد"تحدث اندي مكارثي الذي كان يشغل منصب مساعد النائب العام الأمريكي لولاية نيويورك والذي شارك في التحقيقات المتعلقة بعملية التفجير الأولي لبرج التجارة العالمي في نيويورك عام 1993 وكان المتهم الأول فيها الشيخ عمر عبد الرحمن تحدث مكارثي عن تعاون الوكالات الفيدرالية الأمريكية مع بعض العناصر في أفغانستان والأخطاء التي ارتكبتها هذه الوكالات الأمريكية بإمداد هذه العناصر بالمال والسلاح لمحاربة القوات السوفيتية. كما تحدث مكارثي عن خطأ إطلاق الحرية لشخص مشكوك فيه مثل عمر عبد الرحمن لدخول الولاياتالمتحدةالأمريكية والخروج منها كما يشاء وكيف تحولت هذه العناصر في أفغانستان إلي أدوات إرهابية ضد الولاياتالمتحدة نفسها و بدأت التخطيط لتنفيذ عمليات ضد المصالح الأمريكية سواء داخل الولاياتالمتحدة أو خارجها مثل عملية تفجير سفارتي الولاياتالمتحدةالأمريكية في نيروبي بكينيا ودار السلام بتنزانيا عام 1991 ثم العملية الأكبر في العصر الحديث وهي تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك في أحداث 11 سبتمبر 2001. لكن أحد فصول كتاب مكارثي يتحدث عن محاولة غير شهيرة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في مارس 1993 أثناء زيارته إلي نيويورك لحضوراجتماع للأمم المتحدة. ويكشف كتاب مكارثي كيف تم القبض علي أحد أتباع الشيخ عمر عبد الرحمن ووجه له تهمة التآمر لتنفيذ محاولة انتحارية لاغتيال حسني مبارك كما ذكرت صحيفة"لوس أنجلوس تايمز"في عددها الصادر يوم 18 يوليو 1993. وكانت معلومات حول هذه المحاولة قد وصلت إلي المدعي الأمريكي وأنه تم رصد ومراقبة فندق منهاتن الذي كان من المفترض أن ينزل به حسني مبارك وأن عناصر هذه المؤامرة قاموا بشراء زي العاملين بالفندق لتسهيل الاقتراب من الفندق وجرت ترتيبات للحصول علي أسلحة ومتفجرات. وقال ممثل الإدعاء الأمريكي أن المتآمرين أجلوا خطتهم لاغتيال مبارك عندما ألغي مبارك فجأة محطة زيارته إلي نيويورك وكان من المفروض أن يعود مرة أخري إلي الولاياتالمتحدة الإمريكية في سبتمبر من نفس العام. وإعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي"محمد عبده محمد حجاج"34 سنة ويعمل مبرمجاً للكمبيوتر وعمل مساعداً ومترجماً في بعض الأحيان للشيخ عمر عبد الرحمن. وبعد جلسة تحقيق أمام قاضي المحكمة الاتحادية في مانهاتن قرر القاضي حبس حجاج علي ذمة القضية.وتم توجيه الاتهام لآخرين بالتآمر مع حجاج ومنهم صديق إبراهيم صديق علي وكليمنت رودني وهامبتون إيل الذي اتهم مع 9 آخرين بالتخطيط لتفجير مبني الأممالمتحدة ونفق نهر هدسون ومبني الاتحادية الذي يحوي مقرات مكتب التحقيقات الفيدرالي F.B.I وكشفت أوراق هذه القضية عن الاستعانة بعماد سالم وهو ضابط سابق في الجيش المصري كشاهد في القضية إلي جانب شهود آخرين لم يتم الكشف عن شخصياتهم كما أكد ذلك "ديفيد فاير" المحامي الذي عينته المحكمة للدفاع عن حجاج. وقال ممثلوا الإدعاء في القضية أنه كانت لدي المتآمرين في محاولة اغتيال مبارك خطة أخري لتفجير سيارة ملغومة في مبني الأممالمتحدة في حال إذا ما فشلت خطتهم في تفجير الفندق الذي كان مبارك سينزل فيه. وحسب أقوال الشهود السريين فإن صديق علي كان يناقش تفاصيل المؤامرة مع آخرين لتنفيذ عملية اغتيال حسني مبارك خلال زيارته للولايات المتحدةالأمريكية في الفترة ما بين مارس وإبريل1993 واتهم ممثلوا الإدعاء المتآمرين ليس فقط بالحصول علي الزي الرسمي للعاملين في الفندق ولكن أيضاً بتتبع معلومات سرية عن خط سير حسني مبارك خلال الزيارة وقد تردد ان المخابرات السودانية في ذلك الوقت لعبت دوراً في توصيل برنامج الزيارة إلي المتآمرين. وكشفت أدوات القضية أن محاولة الاغتيال كان مخططاً لها أن تتطورإلي عملية انتحارية إذا تطلب الأمر إلي التضحية بعدد من منفذي العملية في سبيل نجاح الهدف وهو رأس حسني مبارك! وخلال التحقيقات قرر صديق أن الخطة فشلت بعد ما وصلت تسريبات إلي مبارك حول العملية مما دفعه إلي تغيير برنامج الزيارة ويبدو أن السلطات الأمريكية كانت وراء المعلومات التي وصلت إلي حسني مبارك وأن صديق. لذلك اقترح تنفيذ خطة اغتيال مبارك في سبتمبر 1993. وكشف ممثلو الإدعاء أن حجاج وصديق وغيرهما ناقشوا مرة أخري فكرة قتل مبارك مع الشاهد السري في منتصف يونيومن نفس العام في جيرسي سيتي وفي أثناء ذلك دار حديث بين صديق وحجاج واتهم حجاج صديق بأنه مخبر للحكومة الأمريكية وأنه المسئول عن فشل مهمة اغتيال حسني مبارك وكان صديق قد أخبر الشاهد السري أنه وحجاج وآخرين تلقوا تدريباً علي "مهمة سرية". وكانت "رأس حسني مبارك" هدفاً لمحاولات الاغتيال في السنوات الأولي في التسعينات وبعض هذه المحاولات تم كشفها عن طريق الصدفة مثل محاولة استئجار شقة في منطقة العروبة حيث يسكن الرئيس حسني مبارك وإعداد متفجرات تطلق من مواسير علي موكب مبارك أثناء ذهابه اليومي إلي مكتبه لكن الخطة فشلت عندما قام صاحب العمارة الذي استأجر المتطرفون فيها الشقة بطردهم بعد خلاف وقع بينهم وبين ابن صاحب العمارة! ولكن هؤلاء أنفسهم كانوا قد وضعوا خطة بديلة لحفر نفق جديد في طريق العروبة وتفجيره عن بعد أثناء مرور موكب مبارك. وقد كشفت عن هذه الخطة تحقيقات محاولة اغتيال نجيب محفوظ. وكانت هناك أيضاً محاولة لاغتيال حسني مبارك بواسطة صاروخ "آر.بي.جي" لكن هذه المحاولة رصدها بائع متجول شك في التصرفات المريبة لأفراد هذه المحاولة التي لم تنجح ولم تتم بالفعل! لكن "فاروق الشاذلي" المحرر العسكري الراحل لجريدة "الأخبار" أكد أن أجهزة الأمن أحبطت 6 محاولات لاغتيال الرئيس حسني مبارك قبل حادث أديس أبابا وتم الكشف عن آخر هذه المحاولات أثناء تحقيقات قضية"الجهاديون الجدد" وقال أن عبد الحميد عبد الله المتهم الذي أعدم في قضية طلائع الجهاد قال في اعترافاته أعددنا سيارة مفخخة تنتظر عودة موكب الرئيس حسني مبارك بعد حضور احتفال ليلة القدر وجلس أحد أفراد التنظيم علي بعد من السيارة ومعه ريموت لتفجير السيارة وراديو ترانزستور ليتابع توقيت مغادرة الرئيس مبارك الاحتفال ولكن بسبب لا يعلمه إلا الله لم تعلن الإذاعة عن مغادرة الرئيس واستمرت في نقل بقية وقائع الاحتفال وفوجئ عضو التنظيم بأصوات سيارات الأمن والحراسة التي تتقدم موكب الرئيس وبأن الموكب قد عبر بسرعة! وفيما بعد كشفت التحقيقات في محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا أن هذه المحاولة تأخرت حوالي عامين بعد أن كشفت مصادر أنه كان من المقرر أن تجري محاولة الاغتيال في مؤتمر القمة الأفريقي الذي عقد في تونس علي أيدي عدد من قادة الجماعة الإسلامية لكن الإجراءات الأمنية التونسية المشددة وقفت ضد تنفيذ المحاولة ودفع ذلك هذه القيادات إلي الانتظار عامين حتي تعقد قمة أديس أبابا وقرروا إرسال بعض عناصرهم إلي أديس أبابا في وقت مبكر ودراسة أفضل المواقف لتنفيذ محاولة اغتيال مبارك أثناء وصوله إلي أديس أبابا وأكثر من ذلك قاموا باستئجار منازل و الحصول علي أسلحة و اقتناء سيارات لتنفيذ محاولة الاغتيال. وأصبح هناك مايبدو أنه "كثأر بايت" بين الجماعة الإسلامية وجماعات أخري مثل "العائدون من أفغانستان" وغيرهما وبين حسني مبارك. وكان فشل وإحباط كل محاولات الاغتيال التي حاولها هؤلاء يزيدهم إصرار علي الهدف و هو قتل حسني مبارك بأي ثمن وفي أي مكان! وكان مصطفي حمزة وهو مهندس والعقل المدبر لمحاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا وحمزة له ملفات أمنية في بلدان كثيرة أولها مصر. وفي حديث مع مراسل "الحياة"في أفغانستان تحدث مصطفي حمزة عن نفسه ذات اليوم أنه من الجماعة الإسلامية في مصر ومن مواليد مركز ببا في محافظة بني سويف في الصعيد وأنه بعد حصوله علي بكالوريوس العلوم الزراعية من جامعة القاهرة عام 1979 قضي في السجن سبع سنوات في قضية تنظيم الجهاد والذي تحمل مسئولية اغتيال الرئيس أنور السادات وقضي سنة بعد سجنه في مصر التي غادرها إلي السودان ليغادرها بعد شهر إلي أفغانستان وينضم إلي المجاهدين هناك ويشارك في عملياتهم أكثر من ثلاث سنوات ونصف. واعترف مصطفي حمزة "للحياة"بقوله: أن أبناء الجماعة الإسلامية في مصر هم الذين فكروا وخططوا ونفذوا محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا من الألف إلي الياء علي حد قوله وأنهم ليسوا علي علاقة بأي دولة أو أي تنظيم فيما يخص تلك المحاولة. ولكن حمزة لم يقل "للحياة" أنه كان واحدا من أخطر تيارات الجماعة الإسلامية وأنه كان مطلوباً في مصر لتورطه في عده قضايا وصدرت ضده أحكاما بالإعدام في قضايا"العائدون من أفغانستان"ومحاولة اغتيال صفوت الشريف وقت أن كان وزيراً للإعلام. وكان كما قال قد تمكن من السفر من مصر إلي السودان حيث استقر في العاصمة الخرطوم وبالتحديد في بيت في منطقة السوق العربي وهو سوق كان يقام في الماضي وذلك في منطقة"أركويت" علي بعد أميال قليلة من شمال شرقي مطار الخرطوم. في هذا البيت الارضي الذي يتكون من حجرتين نوم استقر مصطفي حمزه الذي أصبح العقل المفكر والرئيسي للنشاط الإرهابي للجماعة الإسلامية وكان يقال أنه يحمل جهازا لاسلكيا خاصا يبعده عن اللجوء إلي الاتصالات التليفونية التقليدية التي قد تكون مراقبة ليجري الاتصالات مع أعوانه من أعضاء الجماعة في مصر ويكلفهم ببعض المهام الإرهابية ويتابع نشاطهم. وفي هذا البيت ذو البوابة الحديدية السوداء قضي مصطفي حمزه ليال طويلة يفكر في خطة لاغتيال حسني مبارك في قمة أديس أبابا وقضي عامين كاملين في الإعداد لخطة الاغتيال لكي يحدد تفاصيل الخطة والدور الذي سيقوم به كل شخص من أفراد مجموعة الاغتيال كان لابد لمصطفي أن يسافر بنفسه إلي أثيوبيا ويحدد بنفسه وعلي الطبيعة في أديس ابابا سيناريو محاولة اغتيال مبارك. وهو ما فعله بالضبط.. وقضي مصطفي حمزة أياماً في أديس أبابا وشاهد بعينيه أفضل الأماكن التي يمكن أن تتم محاولة الاغتيال فيها. وقد وقعت محاولة الاغتيال ليس كما خطط لها حمزه بالتفصيل وتدخل القدر ليضع سيناريو آخر لعملية الاغتيال تلك في أديس أبابا.