تواجه صناعة الكتاب والنشر في مصر مأزقاً قد يهدد استمراريتها أو علي الأقل يؤدي لتدهورها كما لم يحدث من قبل. حيث توقفت العديد من المشاريع بعد الارتفاع الهائل في سعر الدولار الذي ازدادت معه أسعار خامات الطباعة من أوراق وأحبار وماكينات. كثير من الناشرين قلصوا أعداد الكتب المفترض بهم نشرها، وآخرون قد يبحثون عن مجال آخر يعوض خسارتهم الفادحة. يتوقع وائل الملا، مدير دار مصر العربية للنشر والتوزيع؛ نتائج سيئة في معرض الكتاب القادم، حيث يقول: »الزيادة في أسعار الورق بلغت 100٪، فما كان ثمنه 120 جنيها العام الماضي أصبح هذا العام 250 جنيها، ومثله جميع الخامات، ونتيجة لذلك فإن الكتاب الذي كان يتكلف 10 جنيهات لن تقل تكلفته هذا العام عن 18 جنيها، مما سيؤثر بالطبع علي هوامش الربح والتسعير ونسب الخصم وحجم البيع. فالكتاب المصري اشتهر دائما بأن سعره جيد بالنسب للكتب الأخري، أما حاليا وقد اقترب سعره من الكتب في الخارج؛ فالكثير من أصحاب المكتبات يستكثرون الثمن وينصرفون عنه، كما أن ارتفاع جميع السلع جعل المتاح للقارئ قليلا، حيث إن القدرة الشرائية بشكل عام انخفضت، وهذا نذير شؤم كبير للصناعة». تتركز مطبوعات دار مصر العربية علي الأعمال الفكرية، وهي نوعية لا تلقي نفس القدر من إقبال الجمهور الذي تحظي به الروايات والقصص، إلي جانب مشكلة أخري تتمثل في أن الأعمال المترجمة يتم شراء حقوقها بالدولار أو اليورو، ولمحاولة التغلب علي الموقف؛ يوضح الملا: «هناك كتب نعتذر عنها وكتب أخري نحاول تقليل تكلفتها أو كميتها. كما أننا في السابق كنا نتحمل تكلفة أغلب الأعمال كاملة، لكن مؤخرا لم يعد لدينا مانع بأن يساهم المؤلف في ذلك. فالقاعدة العامة الآن أصبحت أن الكتاب الذي لن يحقق بيعا مضمونا لن يطبع، فنحن نبحث علي الأقل عن تغطية تكلفة الكتاب». كذلك يؤكد محمود فاروق، مدير دار كتابي للنشر؛ أن حجم الإصدارات سيقل كثيرا في المعرض هذا العام عن السنوات السابقة، فالعام الماضي شاركت الدار ب12 إصداراً جديداً، بينما هذا العام قد لا يزيد العدد عن 8 فقط، ويضيف: «جميع الخامات تضاعفت أسعارها، فمثلا؛ طن الورق ارتفع من 7800 جنيه في يناير 2016 إلي 17 ألف جنيه الآن، أي بلغت الزيادة 110٪ وهو ما سيؤثر علي السوق عموما، ومجبرون أن نرفع سعر الكتاب الذي كان سعره 20 ليصبح 40، لأننا نعمل في سلعة صعبة بعض الشيء، حيث تحتل الكتب المرتبة 13 أو 14 من حياة أي إنسان». أما سليم عبد الحي، مدير دار الآفاق العربية للنشر؛ فيشارك كل عام تقريبا بما لا يقل عن 60 إصداراً تقريبا، لكنه يتوقع أن يقل هذا العدد بنسبة 50٪. ويستطرد: «الأسعار زادت بما لا يقل عن 80٪، في كل شيء، بالإضافة كذلك إلي الجمارك التي ارتفعت نتيجة زيادة سعر الدولار الرسمي في البنك من 8 إلي 17 جنيها، لذلك يتجه الجميع الآن للتفضيل بين العناوين لأن النشر سيكون في أضيق الحدود إلي أن تستقر الأوضاع». بالنسبة لإسلام فتحي، مدير دار الحلم؛ فالأزمة ليست في عدد الإصدارات وإنما في كيفية تسعيرها بالمعرض، حيث يتحمل السعر فيه تكاليف أكثر من المكتبات تتمثل في سعر الأجنحة والعرض والموظفين، مما سيضطره لرفع سعر الكتاب، ليس للمكسب وإنما لعدم الخسارة والاستمرار، في الوقت الذي لا تمثل فيه الكتب سلعة أساسية للجمهور، ويضيف فتحي: «الأسعار زادت ما بين 130 إلي 150٪، فرزمة الورق كانت عندما تصل ل100 جنيه في المواسم تعتبر زيادة، الآن تصل إلي 190 جنيها وليست موجودة، لأن التجار لا يستوردون إلا القليل، بل إن معظم الناشرين الآن يشترون الورق بأنفسهم. كل ذلك سيجعل الكتاب الذي كان يتكلف 1000 جنيه يتكلف فوق ال2000 جنيه». منذ عام تقريبا توقفت دار أملي عن طبع كتب جديدة، هم فقط يشاهدون ما يحدث وينتظرون استقرار الأوضاع، حيث سبب لهم الوضع القائم خسائر متتالية، وهو ما يوضحه د.عاطف عدلي، مدير الدار: «التأثير علينا كان كبيراً جداً لأن الورق كله مستورد، فزاد سعر الورق علي الأقل 50٪ بالإضافة إلي الأحبار وبقية الخامات، وما كان يطبع بستة آلاف أصبح يتكلف 9 آلاف». ويستطرد: «المؤلف نفسه عندما يجد التكلفة عالية جداً يحجم عن النشر، لأن القوة الشرائية انخفضت والاهتمام بالكتاب تراجع، لذا لا يبيع سوي تلك الكتب ذات الثمن الرخيص التي تصدر عن الجهات الحكومية أو الكتب المشهورة. وأتوقع ألا تقل الزيادة في التسعير بالمعرض عن 30٪». برؤية مختلفة؛ يتعامل شريف بكر، مدير دار العربي للنشر والتوزيع، مع الأمر، حيث ينظر إلي نصف الكوب الممتلئ، ويقول: «الأزمة موجودة؛ فسعر الورق ارتفع وهو يمثل نسبة 65٪ من تكلفة الكتاب، وكذلك الحبر، لكننا لن نستفيد من الصراخ، فلابد من التعامل مع الأمر. فأنا أعتبر أن هذه فرصة جيدة لنا، لأن الكتاب العربي سيزداد سعره مما سيمنح فرصة أكبر للكتاب المصري، فالكتاب الذي كنا نستورده ب10 دولارات بما يعادل 88 جنيها أصبح الآن رسميا 170 جنيها، مما سيسبب مشكلة للقارئ ولن يشتريها، وأحد السيناريوهات التي قد تحدث إما أنه سيحصل عليها مزورة أو سيشتري أخري بديلة، ولو تمكنّا من محاربة التزوير قليلا ستظل كتبنا أفضل سعرا. والحل الثاني أن نبيع خارج مصر للحصول علي العملة». يستطرد بكر: «أنا محظوظ لأنني طبعت 70٪ من خطتي، سأتأثر في ال30٪ المتبقية، فنحن لن نتوقف ولابد أن نعمل، لكن الإنتاج سيقل بالطبع، فإذا كانت ميزانيتي مثلا 100 ألف جنيه أطبع بها 10 كتب، لن أطبع بها الآن سوي 7 فقط». تتمثل المشكلة الكبري بالنسبة للمكتبات في الكتب المستوردة من الخارج؛ يقول أمير الناجي، مدير المشتريات بمكتبة ديوان: «الكتاب الذي اشتريناه من بيروت العام الماضي بعشرة دولارات أي 90 جنيها أصبح هذا العام ب 180 جنيها، حتي الكتب المصرية أسعارها تتغير، ومن ناحية أخري؛ سعر العملة يزيد وتوفيرها صعب فنضطر لتحميل هذا علي تسعير الكتاب. ونتيجة لذلك فإن القارئ بعدما كان يفكر في الاختيار بين الكتب التي يفضلها، يفكر الآن في أسعارها، وبعدما كان يشتري بألف جنيه اكرتونتينب كتبا، الآن لا يكفي المبلغ سوي لشراء 3 أو 4 فقط». من جهته يحلل عماد العادلي، المستشار الثقافي لمكتبات ألف؛ الوضع قائلا: «الصناعة تأثرت سلبا لسببين؛ أولا لأن نصف الكتب الموجودة في المكتبات يتم استيرادها، فهي إما كتب أجنبية أو مترجمة يأتي معظمها من بيروت ودول المغرب، وبالتالي أسعار الشحن زادت جدا، وبناء عليه فإن الكتاب البالغ ثمنه 90 جنيهاً أصبح ب 170 جنيها. أما الشق الثاني فيتمثل في الكتب التي تطبع في مصر وتعتمد بشكل كامل علي الخامات المستوردة كالورق والأحبار وماكينات الطباعة، في الوقت الذي ارتفع الدولار ثلاثة أضعاف، من 6 إلي 12 ثم 18 جنيها، مما أثر بشكل كبير علي الصناعة وجعل الكثير من دور النشر غير قادرة علي التواجد في المعرض القادم، بل إن بعض العارضين العرب والأجانب لن يأتوا كذلك لأن التكلفة ستكون مرهقة جدا بالنسبة لهم ولن يحققوا أي أرباح». وعن الزيادة في الأسعار؛ يقول العادلي: «الكتب العربية لم ترتفع كثيرا، لكنها بالمقارنة مع الكتب المزورة ارتفعت بشكل كبير، لأن الفارق زاد بينهما. بينما جاءت الزيادة الهائلة في الكتب الأجنبية؛ فرواية دون كيشوت اسرفانتسب كان ثمنها 120 جنيها أصبحت 180، وهاري بوتر أصبح ثمنه 400 جنيه بعدما كان 240 قبل الارتفاع الفاحش في الدولار، بينما الكتب المصرية ارتفعت أسعارها ما بين 5 إلي 15 جنيها».