منذ الأيام الأولي للبرلمان الموقر الحالي وهو حريص علي تلطيش الدستور، وهو الدستور نفسه "أبو القوانين " الذي ينبغي أن تقوم كل المؤسسات بموجبه وبمقتضاه، ويتذكر الجميع الجدل الذي دار حول اختصاصات الرئيس، عندما تجاهل البرلمان ما أوجبه الدستور بالنص . ليس هذا فقط، بل إن ما يجري بشأن قانون الصحافة الموحد، والغزل المتبادل بين الحكومة والبرلمان لتقديم قانون يلتف علي الدستور، وتمرير قانون الجمعيات الأهلية علي مابه من عوار دستوري بسرعة البرق.. وغيرها من الوقائع تؤكد أين يقف البرلمان الموقر. وآخر المعارك، وليست المعركة الأخيرة، بين الدستور والبرلمان الموقر جرت في الأسبوع الماضي وانتصر فيها النائب الموقر علي الدستور الذي ينص علي عدم جواز الحبس في كل قضايا النشر، وأن تقتصر العقوبة علي الغرامة بلا حدود .وعلي الرغم من وجود هذه المادة في الدستور، فإن كثيرا من الكتاب والمفكرين قدموا للمحاكمة ونالوا أحكاما قاسية بالسجن ودخلوا السجون بالفعل. والمثير للغضب أن الكتاب والمفكرين المشار إليهم حوكموا بمادة تخالف الدستور، وعندما يتقدم نائبان بمشروع قانون لإلغاء المادة المخالفة للدستور والتي تجيز الحبس في قضايا النشر، يعارضها البرلمان ويرفض إلغاء الحبس في قضايا خدش الحياء، والأشد والأنكي فعلا هو النائب الموقر الذي عارض مشروع القانون قائلا إن روايات نجيب محفوظ تخدش الحياء وأضاف لوكان نجيب محفوظ حيا لوجبت معاقبته. هذا ما قاله النائب بالحرف، وهو مايستحق أن ترفع الحصانة عنه ويحاكم لأسباب متعددة، الرجل يهين الدستور ويدعو لمحاكمة قامة كبيرة شكلّت وجدان هذا الوطن وأضافت للإنسانية، ويفتح الباب علي مصراعيه لسجن المبدعين والمزيد من الإجراءات التي أدت إلي الحجر علي الآراء المخالفة. والنائبان اللذان تفضلا بتقديم مشروع قانون إلغاء الحبس قالا أثناء المناقشة في اللجنة التشريعية إن معني خدش الحياء فضفاض وغير محكم ويمكن استخدامه ضد الكثيرين. أشعر بالملل والضجر بل والقرف من مجرد فتح الموضوع للنقاش.ماذا نفعل في أعمال فنان مثل محمود سعيد والعشرات من النحاتين والرسامين ؟ ماذا نفعل في أعمال يوسف إدريس وفتحي غانم وإدوار الخراط وكثير من روائيي جيل الستينيات ؟ وماذا نفعل في تراثنا الشعري وألف ليلة وليلة وكتب الجاحظ والإمام السيوطي ؟ أشعر أن كل مايمكن قوله سبق قوله، ولا أستطيع أن أستمر في تكرار ماسبق أن قلته، وقال أكثر منه أساتذتي وزملائي، ممن يرون أن مجال الحكم علي الأعمال الأدبية ليس في أروقة المحاكم، وهناك يا حضرات علم واسع اسمه النقد الأدبي .. الحقيقة أن مايجري جهل فاضح ومثير للاشمئزاز والغضب.