حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة
وحفظ الذاكرة التاريخية

تتوفر رواية‮ "‬زمن النساء‮" ‬للكاتبة الروسية يلينا تشيجوفا علي عدد كبير من العناصر الفنية التي جعلت منها الرواية الأفضل باللغة الروسية في عام‮ ‬2009م وأن تحصل علي جائزة البوكر العالمية للرواية الروسية في العام نفسه‮. ‬
وفي تصوري أن هذه الرواية من أفضل ما كتب بالروسية خلال العقدين الأخيرين وربما أضعها في نفس المصاف مع كلاسيكيات الأدب الروسي مثل مسرحية‮ "‬بستان الكرز‮" ‬لأنطون تشيخوف ورواية‮ "‬آباء وأبناء‮" ‬لإيفان تورجينيف وغيرها‮. ‬ولن تكون مبالغة لو قلنا إن الرواية‮ ‬تعد واحدة من الروايات القليلة التي تأسر قارئها من صفحاتها الأولي‮.‬
يلينا تشيجوفا التي ولدت في عام‮ ‬1957م بمدينة ليننجراد‮ (‬سان بطرسبرج‮) ‬تعد واحدة من أهم الكاتبات الروسيات المعاصرات‮. ‬ففضلا عن روايتها‮ "‬زمن النساء‮" ‬التي حصلت علي لقب أفضل رواية كتبت بالروسية في عام‮ ‬2009م وجائزة البوكر العالمية للرواية الروسية،‮ ‬أدرجت روايتاها‮ "‬المجرمة‮" ‬و"الدير الكبير‮" ‬ضمن القائمة القصيرة للجائزة نفسها في عامي‮ ‬2003‮ ‬و2005‮ ‬علي التوالي‮. ‬ويتميز أسلوبها بالسمات والخصائص التي تمثل ما بعد الحداثة التي تتجلي في أعمال الكثير من الكاتبات الروسيات المعاصرات‮.‬
‮ ‬وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة إبداعات متميزة من الكاتبات والشاعرات الروس حيث تضاعف عددهن مقارنة بالعقود السابقة‮. ‬ويرجع ذلك إلي العديد من الأسباب لعل أهمها النهضة الثقافية التي شهدتها النخبة المثقفة في روسيا والتي تمثل المرأه جزءا أصيلا منها‮.‬
‮ ‬وتجدر الإشارة إلي أن الكاتبات الروسيات ظهرن في روسيا منذ القرون الوسطي وتحديدا في القرن الثالث عشر الميلادي‮. ‬غير أن أعدادهن كانت دائما قليلة مقارنة بالكتاب الرجال‮. ‬وقد شهد القرن التاسع عشر الميلادي صدور مجلات مخصصة للأديبات من النساء وكانت الموضوعات تتركز حول تصوير دور المرأة الروسية في التنوير والأدب وتدعو المرأة إلي احتلال المكانة التي تليق بها في ساحة الأدب‮. ‬
‮ ‬وبنظرة سريعة إلي الأدب الروسي المعاصر نجد العديد من المواهب النسائية تسيطر علي المشهد ومنهم تاتيانا تولستايا ولودميلا أوليتسكايا وفيكتوريا توكاريوفا ولودميلا بيتروشيفسكايا‮ ‬و ف‮. ‬ناربيكوفا و س‮. ‬فاسيلينكا و م‮. ‬بالي وم‮. ‬فيشنيفيتسكايا و ن‮. ‬جورلانوفا‮ ‬و يلينا تشيجوفا‮ ‬و‮ ‬غيرهن‮. ‬ومن أهم القضايا التي تطرح في كتاباتهن ما يرتبط بالحلم والسعادة والحب والطفولة‮. ‬وقد ظهر صنف جديد من الأبطال وواقع جديد وعالم فني فريد‮. ‬وقد فرض الواقع الجديد ظهور مؤلفات تظهر فيها المرأة كبطل رئيسي وعدم الاكتفاء بدور المعبر عن أفكار الكاتبة‮. ‬أما الموضوع الرئيسي فيشمل قضايا الأسرة والتناقض بين حياه الطفولة والكبر وقضية‮ "‬الجنة المفقودة‮" ‬والبحث عن معني الحياة والعلاقة بين الفرد والمجتمع والإنسان البسيط‮. ‬
ففي رواية‮ "‬ميديا وأطفالها‮" ‬تتناول لودميلا أوليتسكايا موضوع الكون النسائي عبر العصور التاريخية المتتابعة‮. ‬وقد اختارت الكاتبة امرأة بطلة للرواية بل وجعلت من اسمها عنوانا للكتاب‮. ‬ويعكس عنوان الرواية مضمون الأحداث‮.‬
‮ ‬فيما تهتم الكاتبة لودميلا بيتروشيفسكايا بتتبع التحول الذي يطرأ علي الشخصية الروسية بفعل البيئة المحيطة وتحاول أن تكشف عن العالم الداخلي للإنسان المعاصر وتكشفه للقارئ في ظروف ومواقف حياتية مختلفة حيث تتباين تصرفاته بين العادي والغريب‮. ‬هذه السمة لأدب بيتروشيفسكايا تبدو واضحة في قصتها‮ "‬جروزنايا الصغيرة‮".‬
أما تاتيانا تولستايا فتتسم أعمالها الأدبية بتناول قضايا الكون وموضوع الخير والشر والحياة والموت واختيار الطريق والعلاقات مع المحيطين والبحث عن الذات وفهم النفس والهدف في الحياة‮. ‬وهناك دائما في أعمالها حنين إلي القيم الإنسانية المفقودة في الفن‮. ‬
ونجحت الكاتبة فيكتوريا توكاريوفا في تقديم وصف دقيق لنفسية المرأة وعالمها الداخلي وتواتر أفكارها ومنطقها في الحكم‮. ‬وتولي الكاتبة اهتمامها بمفاهيم الأسرة والمنزل والإخلاص والزوج والزوجة والحبيبة والخيانة والتضحية من أجل الحب‮. ‬حتي أنه عندما تتناول الدولة وتصفها فإنها لا تصفها من وجهة النظر السياسية والعلاقة مع العالم الخارجي بل من حيث الحياة في المدرسة وفي الشارع والتاكسي الخ‮. ‬
‮ ‬وتعد يلينا تشيجوفا،‮ ‬مؤلفة كتابنا هذا،‮ ‬من أهم الكاتبات الروسيات المعاصرات‮. ‬وهي ناثرة ومترجمة وكاتبة مقالات وحاصلة علي الدكتوراه في الاقتصاد‮. ‬كما عملت رئيسا لتحرير مجلة‮ "‬الكلمة العالمية‮."‬
وتعود أولي كتاباتها الاحترافية إلي عشر سنين مضت أما بداياتها فكانت في فترة انهيار الاتحاد السوفيتي‮. ‬ومن أقوالها عن نفسها‮: "‬لقد درست بالجامعة وعملت في التجارة أما سنواتي الأخيرة فأكرسها للكتابة‮"‬
ويسيطر موضوع الحياة في بطرسبرج علي كتاباتها حيث تحدد سمات شخصيات أبطالها و عالمهم النفسي‮. ‬ومعظم أبطال تشيجوفا من النساء حيث تتناول مصائرهن و طباعهن ودورهن في المجتمع و عالمهن الداخلي‮. ‬
وتدور أحداث رواية‮ "‬زمن النساء‮" ‬حول الفتاة أنطونينا التي لم تستطع التأقلم علي العيش في مدينة كبيرة وهي التي نشأت في قرية‮. ‬استطاع أحد الرجال بسهولة أن يغرر بها فأنجبت منه طفلة عاشت سنوات لا تقوي علي النطق‮. ‬ولكن أنطونينا سرعان ما تمرض وكان عليها أثناء مرضها واحتضارها أن تترك ابنتها الصغيرة إلي جاراتها العجائز الثلاث جليكيريا وأريادنا ويفدوكيا،‮ ‬وترجوهن أن يتعهدنها برعايتهن‮. ‬واستطعن بالفعل أن يقمن بالمهمة وشبت الفتاة رسامة موهوبة ومشهورة‮. ‬حتي أن الجزء الأخير من الرواية عبارة عن حديث البطلة الصغيرة عن نفسها‮.‬
تتناول الرواية أيضا حياة ومصير العجائز الثلاثة‮. ‬ومن خلال حياة البطلات تلقي الكاتبة الضوء علي الواقع الروسي في القرن الماضي‮. ‬ومن الملفت براعة تشيجوفا في تصوير حياتهن في الشقة المشتركة و أيضا في التعبير عن عوالمهن الداخلية و معاناتهن‮.‬
‮ ‬والمثير للأهمية هو أن تكون العجائز بطلات للرواية‮. ‬نري كيف يعشن بمفردهن و يعانين من فقدان الأولاد أو الأزواج‮ ‬،‮ ‬كيف عشن سنوات صعبة أثناء حصار مدينة ليننجراد خلال الحرب العالمية الثانية و كابدن فقدان كل الأحبة و لذا فقد أولوا كل عنايتهن إلي الصغيرة صوفيوشكا‮. ‬
ويأتي السرد علي شكل قصص و حكايات تحكي علي ألسنة كل بطلات الرواية الخمسة صوفيوشكا أو سوزانوتشكا الطفلة وأمها البطلة الرئيسية أنطونينا والجدات يفدوكيا وجليكيريا وأريادنا‮. ‬بالإضافة إلي ذلك نجد بعضهن يلخص جزءا من الأحداث من وجهه نظره الخاصة‮. ‬و تمثل الديالوجات والمونولوجات مساحة كبيرة في الرواية‮. ‬وربما كان ذلك من الأسباب الرئيسية لنجاح تناول الرواية في عروض مسرحية مختلفة‮. ‬ورغم أن معظم الحوارات تبدو حول الحياة العادية في ليننجراد داخل الشقق الحكومية المشتركة في الخمسينيات والستينيات،‮ ‬إلا أنها في الوقت نفسه تعبر عن الكثير من الأفكار و القضايا خلف السطور‮. ‬جمعت هذه الشقة المشتركة بين جدرانها مجموعة من النسوة،‮ ‬لكل شخصيتها وتجربتها ومستواها الثقافي والاجتماعي‮. ‬ثلاث نسوة عجائز‮. ‬كل منهن مختلفة وساحرة‮. ‬كل منهن لديها ماضيها الخاص وطابعها الخاص،‮ ‬لكنهن يتشابهن فيما بينهن في هشاشتهن وعند الضرورة‮ ... ‬في جلدهن و صبرهن‮. ‬
وقد جعلت الكاتبة من أنطونينا القاص الرئيسي في الرواية حيث تجسد حلقة الوصل بين الماضي و المستقبل كما أنها في نظر الكاتبة تمثل الأم‮ ‬مركز العالم‮. ‬
تطرح أنطونينا في الرواية أفكارا و قضايا مختلفة و تعكس كلماتها و عباراتها المشاكل الحياتية و الاجتماعية و السياسية المعاصرة‮. ‬وخلافا لها يدور حديث العجائز الثلاثة في أغلبه عن الماضي،‮ ‬حتي المفردات التي يستخدمنها هي مفردات من الماضي‮. ‬كل ما يربطهن بالحاضر هو تربية الطفلة الصغيرة لاغير‮. ‬لكل منهن رؤيتها الخاصة في تنشئة الصغيرة و كل منهن تحاول أن تنقل إليها خبرتها الحياتية وتحكي لها أخبارا عن العالم وتعلمها كيف تعيش‮. ‬كل ما تعرفه الصغيرة عن العالم استقته مما سمعته من حوارات جداتها و حكاياتهن‮. ‬
سوزانا أو صوفيوشكا بكماء منذ مولدها و لذا فإن شخصيتها تتكشف لنا فقط كم خلال حوارها الداخلي مع نفسها وما وراءه من معان وأفكار‮. ‬تري سوزانا أن العالم الأكثر واقعية منها وقربا هو عالم الموتي ولذا فهي تنقل إليه نماذج وأشخاصا من عالمها المحيط والذي يبدو بالنسبة لها خياليا وغير واقعي‮. ‬و لذا نجدها دائما مشغولة بالعالم الآخر‮.‬
استطاعت يلينا تشيجوفا في روايتها تصوير ثلاثة أجيال من النساء تجسد من خلالهن ماضي وحاضر ومستقبل روسيا وهي بذلك تسير علي درب كبار أدباء روسيا،‮ ‬ولعلنا هنا نتذكر مسرحية الكاتب الروسي الكبير أنطون تشيخوف‮ "‬بستان الكرز‮". ‬استطاعت تشيجوفا ببراعة أن تفصل نفسها زمنيا عن بطلاتها ومن خلال خلقها لصدامات و خلافات بين وجهات النظر والرؤي المختلفة،‮ ‬طرحت بشكل رائع ذاك التباين الواضح و الخلاف الدائم بين الأجيال‮. ‬ولعل مشهد اختيار اسم الفتاة خير تعبير عن ذلك‮. ‬
‮" ‬أعتقد أيضا أن الاسم له دور كبير في الأمر‮. ‬فمثلا لو اخترت لها اسم تونكا نعم تونكا‮. ‬كنت قد قررت أن اسمي ابني علي اسم جده‮. ‬فالرجال يحبون ذلك‮. ‬أما لو كانت بنتا فسأمنحها اسما جميلا ربما تنعم بحياة أفضل من حياتي‮.‬
القانون يسمح لي أن اختار أي اسم أب للفتاة‮. ‬وقد نصحتني زويا إيفانوفنا أن أمنح البنت لقب جدها لأمها‮. ‬لكني لا أعرف‮. ‬لا أعتقد أن ذلك أمر جيد‮. ‬أشعر أنه‮ ‬غير إنساني‮. ‬فليبق كل شيء علي طبيعته‮. ‬هذا ما فعلته‮.‬
تجلس العجائز الثلاث ويناقشن الأمر من وجهة نظرهن وعلي طريقتهن‮. "‬من شب علي شيء شاب عليه‮. ‬ويخلق فاسدا من ظهر العالم‮."‬
سألتهن‮: "‬إذن لا معني لأي جهد تبذلينه في تنشئة طفلك ما دام العرق دساس والطبع‮ ‬غلاب‮". ‬أومأن برؤوسهن موافقات‮. "‬نعم لا فائدة‮." ‬
لكل من بطلات الرواية حقيقتها الخاصة التي تعبر عنها بلغة و مفردات خاصة بها‮. ‬فحديث أنطونينا بسيط كحديث كل امرأه‮ ‬غير متعلمة و لذا نجدها تستخدم الكثير من المفردات الشعبية و أحيانا حتي تخطئ في الهجاء‮.‬
و لا يختلف حديث الجدات جليكيريا و يفدوكيا كثيرا عنها وذلك بسبب افتقادهما للثقافة و المعرفة و العلم،‮ ‬أما الجدة أريادنا فحديثها أكثر دقة و ثراء و ذلك لأنها تعود بأصولها إلي عائلة أرستقراطية و تلقت تعليما جيدا‮.‬
وفيما يتعلق بزمن ومكان الرواية فأحداثها تدور في الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي في مدينة ليننجراد‮ (‬سان بطرسبرج حاليا‮). ‬و رغم ذلك فإن القضايا التي تطرح في الرواية علي لسان بطلاتها تتسم بكونها قضايا أبدية لا ترتبط بزمن معين بل تتكرر في كل زمان و عصر‮.‬
تبني تشيجوفا حكايتها من وجهة نظرها الخاصة‮. ‬لا يوجد قاص في الرواية بل هناك حكاؤون لكل منهم رؤيته ووجهة نظره الخاصة علي الأحداث ولكل منهم أيضا سماته النفسية و الكلامية الخاصة‮. ‬
وتحاول تشيجوفا الاستفادة من وفرة وجهات النظر و الرؤي تلك في سبيلها لخلق لوحه فريدة للعالم تكون في مركزه المرأة حامية التقاليد و الذاكرة التاريخية و ربة البيت و أولا و أخيرا الأم‮. ‬
تشيجوفا في روايتها‮ "‬زمن النساء‮" ‬لا تصف الزمن بل تحاول جاهدة أن تكتشف وتستخرج ما في باطنه و معناه‮. ‬فكل معاني الحاضر تأتي من الماضي‮. ‬هذا الأخير لا ينفك يؤثر علي كل ما يعقبه من أزمنه و أجيال‮.‬
ربما لا يحتل المضمون الظاهري للعمل الأهمية الأولي بل أن أكثر ما يأسر القارئ هو هذه الهالة الروحانية التي تحيط بالبطلات و هي الهالة التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات وتشعر بها في كل سطر و كل‮ ‬صفحة من صفحات الرواية‮. ‬نستشعرها في الخيوط وحبال الذكريات الخاصة عند البطلات و في معاناتهن الخاصة وقضائهن أيامهن يوما بعد يوم‮. ‬كل هذا يدفعنا إلي النظر إلي الماضي و التمعن فيه والشوق إليه عند قراءتنا للرواية‮. ‬
ربما هذا في نظري السبب الرئيسي في فوز هذه الرواية بجائزة البوكر‮. ‬
تقول الكاتبة في إحدي لقاءاتها الصحفية أن من بين الأفكار التي دفعتها لكتابة الرواية سعيها إلي معرفة السبب في‮ ‬غياب الذاكرة التاريخية عند الروس‮. ‬ففي اعتقادها يتوجب علي كل جيل أن ينقل تجربته إلي الجيل التالي‮. ‬ولكن هذا لا يحدث للأسف‮. ‬فكل جيل يبحث عن لعبته الخاصة أو نظريته الخاصة الجديدة وغالبا ما تكون مقتبسة من الغرب وينكر ما سبقها ويعتبره هراء لا معني له‮. ‬وقد كانت هذه الظاهرة ماثلة بقوة في القرن العشرين‮. ‬تعمقت هذه الظاهرة في القرن الماضي وكان من أسباب ذلك مصرع أعداد ضخمة من الرجال أثناء الحروب أو في معسكرات الاعتقال‮. ‬وأدي ذلك إلي أن أصبحت المرأة هي التي تحمل عبء الحفاظ علي الذاكرة التاريخية لأنه حتي من بقي علي قيد الحياة من الرجال كان يسعي إلي إثبات ذاته بمعني أنه كان مضطرا إلي أن يكون جزءا من العقل الاجتماعي الراهن‮.‬
وقد جلبت الرواية للكاتبة شهرة واسعة واعترافا بموهبتها من قبل النقاد والقراء‮. ‬كاتبة في روايتها نماذج مختلفة للمرأة الروسية‮. ‬
‮ ‬ورغم أن أحداث الرواية تقع في منتصف القرن الماضي إلا أنها تنطبق علي عالمنا اليوم فمن خلال تصوير حياة هذه النسوة تحاول الكاتبة أن تؤكد فكرة ضرورة أن يعيش الإنسان حياته بشرف واستحقاق‮. ‬
بعد انتهائي من ترجمة الرواية تفهمت الاختلاف الذي حدث بين النقاد الروس في بيان أهميتها‮. ‬فمن ناحية يمكن ان تصيب قراءتها القارئ بالإجهاد و المعاناة النفسية من جراء تعاطفه مع بطلاتها و من ناحية أخري تجعلك الرواية تشعر بسعادة‮ ‬غامرة و أنت تبحر في عالم من النثر المرئي الغني بالاستعارات والصور البلاغية و اللغة‮ ‬غير العادية‮. ‬في عام‮ ‬2011م شهدت الرواية انتشارا أوسع بعد أن تم تحويلها إلي عرض مسرحي وجابت المسرحية التي تحمل الاسم نفسه ربوع روسيا‮. ‬
وأخيرا بضع كلمات عن تجربة الترجمة‮. ‬استغرقت الترجمة ثلاثة أشهر بين الترجمة و التحرير و التدقيق‮. ‬و كانت تجربة مثمرة شرفت خلالها بالتعاون مع الهيئة العامة للكتاب وسلسلة الجوائز برئاسة المترجمة دينا مندور‮. ‬ومن بواعث سروري أن تكون تلك هي الترجمة الأولي من الروسية التي تصدر في هذه السلسلة‮. ‬كانت ترجمة الرواية تجربة مضنية وممتعة في آن واحد وكل أملي أن تنال رضا القارئ العزيز‮.‬
أستاذ الأدب الروسي بجامعة عين شمس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.