"أصوات من إفريقيا وعنها" عنوان المحور الرئيسي لفعاليات المؤتمر الدولي الثالث، الذي نظره قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، والذي انتهت أعماله مساء الخميس الماضي، وقد استمرت لمدة ثلاثة أيام، تنوعت محاوره الفرعية ما بين الآداب الإفريقية: إفريقيا في الأدب، الثراء اللغوي في إفريقيا، والإرث الحضاري والثقافي والطقوس والأساطير الإفريقية، ودعوة لإعادة النظر في دراسة التاريخ الإفريقي. دارت جلسات المؤتمر برئاسة الدكتورة علاء حافظ رئيس القسم، وفي اليوم الأول تحدث الكاتب حلمي الشعراوي (باحث في الشئون الإفريقية، والمدير السابق لمركز الدراسات الإفريقية عن حضور الفكر الإفريقي في صراعات العولمة)، فأوضح أن حركة الأنثروبولوجيا الكولونيالية أثرت في ثوريث الفكر الإفريقي الحديث بعدة دلالات عن الذات والآخر، ولم يتح ذلك للتفاعل الثقافي الكافي علي مستوي القارة (مع عرب الشمال مثلاً)، أو حتي مع الدياسبورا خارجها، بل ظهرت مساهمات فكرية من داخل إفريقيا نفسها لدعم تلك المدارس الإنثروبولوجية أو الاثنولوجية (الزنوجة- دراسات التراث إلي آخره). ولفت شعراوي إلي أنه الآن يوجه الفكر السياسي معارك من نوع مختلف طالما بقي في أطره التنموية والديمقراطية والليبرالية مع عجز القوي السياسية الحاكمة عن إدارة معارك الدولة الوطنية السابقة في مواجهة هذه السياسات أو الاستسلام لحدود العمل الأهلي. ومن الأصوات الإفريقية المميزة المشاركة في المؤتمر كان حجاج أدول الكاتب الروائي وومثل النوبة في لجنة وضع الدستور المصري عام 2013، وكانت مشاركته عن الجسر النوبي الإفريقي.. وفيها قال: إن إفريقيا القارة المظلومة، إفريقيا التي شاركت بثقل في بناء سلم الحضارة البشرية من بداياته، ثم تكالبت عليها عصور غزو وقهر ونهب لثرواتها وناسها أنفسهم،. واستطرد أدول في محاضرته: أذكر هنا سطوراً من كتاب (حرب النهر) لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، عندما وضع خريطة أمامه وحوله عدد من رفقائه، وقال إن نهر النيل نخلة جذورها في الجنوب وجريدها في دلتا مصر، تلك النخلة النيلية، تربط جنوب وشمال إفريقيا، ولنفصل هذا الرابط يكون الفصل من هنا، وأشار إلي المنطقة النوبية، أدرك تشرشل كما أدرك غيره عن طريق ثوابت الجغرافية أن النوبة جسر تواصل أفريقي، وتوصل لهذا المفهوم نفسه من قراءة التاريخ، النوبة بتاريخها الحضاري التليد، وتداخلها الثقافي والعرقي في محيطها الإفريقي، صارت فخراً للإفريقيين في داخل إفريقيا، وفخراً لذوي الأصول الإفريقية لذا فهي محور اتصال فاعل. وطالب أدول في نهاية حديثه بتأسيس مركز ثقافي نوبي- مصري، ينطلق خاصة من الجنوب لأهمية النوبة النيلية (منطقة معبد أبوسمبل)، ثم يقام مركز ثقافي ثان في مكان آخر بإفريقيا، ثم ثالث وهكذا لتكون لهذه المراكز مهام ثقافية لبث التنوير والمحبة بين الشعوب. وعن علاقات الشمال والجنوب غير المتكافئة، نموذج العلاقات الأوروبية الإفريقية تحدثت د. شادية قناوي (أستاذ علم الاجتماع) حيث ركزت في ورقتها علي مشكلة الهجرة غير الشرعية في دول الجنوب الإفريقية، إلي دول الشمال الأوروبية، وأساليب وآليات مواجهة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي لهذه المشكلة، والتي تأتي في معظمها- كما تقول- غير ملائمة من وجهة نظري للحد من تلك المشكلة الاقتصادية والاجتماعية، وأشارت إلي أن اليونسكو يولي جل اهتمامه بالقارة الإفريقية وتجلي ذلك في سعيه الدائم علي القضاء علي الفقر والجهل والمرض في القارة الإفريقية وهي إحدي أولوياتها، ومنها أيضاً تمكين المرأة. وقدمت د. عبير محمد رأفت، بحثاً عن (أصوات مقاومة الإثيوبيين) في رواية (تحت نظرة الأسد الثاقبة: في قبضة الإمبراطور) للكاتبة الأمريكية (أثيوبية الأصل) مازا منجيست، والصادرة عام 2011، فأشارت د. عبير إلي أن أثيوبيا لم تخضع لأي احتلال أجنبي، إلا أنها خضعت فريسة لطغاتها، وعن هذا الواقع التاريخي عبرت (مازامنجست) في روايتها التي تدور حول أحداث ثورة 1974، والتي قامت بتخليص البلاد من حكم الإمبراطور هيلاسيلاس لتبدأ الحكم العسكري بقيادة "دُرج" وصورت الكاتبة ما تعيشه أثيوبيا- من خلال حياة أسرة أثيوبية- مشاهد متنوعة من الفقر والفساد والظلم والعنف والتعذيب. وكانت مشاركة علمية متميزة للدكتورة آمال مظهر حول تحرير المسرح الإفريقي من التراث الغربي: مسرحية ووسوينكا "الموت وفارس الملك"، ومسرحية شادلي فرح "الجنوبي"، فأوضحت أنه من المسلم به أن الدراما الفردية نشأت من الطقوس والشفافية، إلا أن هذا البحث يسعي لتناول استخدام الطقوس والشفاهية في مسرحيتين: (الموت وفارس الملك) للكاتب النيجيري وول سوينكا، ومسرحية (الجنوبي) لشادلي فرح، وقد وصفت مسرحيات سوينكا بأنها تنتمي إلي مسرح الرؤية الطقسية، فهو في هذه المسرحية يوظف سوينكا الطقوس الإفريقية للتأكيد علي الهوية الثقافية النيجيرية في حقبة ما بعد الاستعمار. ومن الشتات والمنفي في رواية السيرة الذاتية لهشام مطر في بلد الرجال وتشريح التلاشي، قدمت د. أميرة فوزي دراسة بينت فيها أن تجاهل العديد من النقاد الذين لا يعتبرون ليبيا أو شمال إفريقيا جزءاً من إفريقيا الحقيقية أو إفريقيا السمراء، وهذا ما دفعها إلي تقديم دراسة عن تجربة الشتات والمنفي في روايات السيرة الذاتية للروائي هشام مطر، وأمثاله من كتّاب إفريقيا السمراء الذين تعرضوا للنفي والتهجير والشتات في محاولة للهروب من أنظمتهم القمعية، وقد صور "مطر" في روايتيه اللتين يغلب عليهما طابع السيرة الذاتية (في بلد الرجال) 2006، و(تشريح التلاشي) عام 2011، تجربته الأليمة في الشتات والتهجير والمنفي. ومن جانبه شارك د. أشرف طه قوطه ببحث عن (القوة والجسد في جنوب إفريقيا في فترة ما بعد الفصل العنصري) ولتوضيح ذلك قدم قراءة لرواية العار للكاتب جون ماكسويل كويتزي في ضوء نظرية ما بعد الاستعمار، وهو الكاتب الحائز علي جائزة نوبل في الآداب، والذي خصص جزء كبير من الإطار السردي للرواية لتمثيل الجسد، فنري إن رواية (العار) لكويتزي.. ساحة سردية لتمثيل هذه المواجهة التي تتم من خلال أجساد النساء البيض والسود علي حد سواء، حيث إن أجساد النساء السود تمثل الأفارقة السود، الذين وقعوا تحت وطأة الاستعمار، وصرن ضحايا بسبب هيمنة المستعمر الأبيض. كما ألقت د. أسماء عمر بكر، الضوء علي التفكك الثقافي لدي المهاجرين الأفارقة في مسرحية (ذهب بعيداً جداً) للكاتبة المسرحية بولا أجبادج، وبناء علي الخلفية الثقافية للكاتبة (بولا اجباثي) وهي نيجيرية الأصل وتنشئتها الأوروبية جاء مسرحيتها (ذهب بعيداً جداً) لتسلط الضوء علي قضايا الهوية وصدام الثقافات، وتدور أحداث المسرحية حول يوم واحد فقط في حياة عدد من الشباب الأفارقة السود المقيمين في لندن، وتوضح التوتر المتزايد بين الكيانات الثقافية المتعددة (البريطانية، النيجيرية، الهندية، الآسيوية)، وتقدم المسرحية صورة لصدام الثقافات في العالم. وتناولت د. علا حافظ في مشاركتها التفرقة العنصرية في رواية (رابطة الدم) لأثول فوجارد، وتعني بها تحليل الخطاب السياسي النقدي للعنصرية، موضحة أن المسرحية تدور حول رابطة الدم، عن شقيقين يعيشان في جنوب إفريقيا العنصرية في ستينيات القرن الماضي، حيث يشرع زكريا الأسود في علاقة بامرأة يتضح فيما بعد أنها بيضاء مما يؤدي إلي الخوف من النتائج الاجتماعية الحتمية، ويحاول الأخ غير الشقيق موريس (وهو الأقل سواداً بحيث يمكن اعتباره أبيض) أن يساعده في كتابة الخطابات لأخيه الأمي، وفيما بعد يتطوع للقاء المرأة بدلاً من أخيه الأسود، وبمجرد أن يرتدي موريس ثياب البيض استعداداً للقائها فإن سلوكه أيضاً يتحول فيعامل أخيه الأسود بالعنصرية والاستعلاء السائدين في جنوب إفريقيا في تلك الفترة. وتشمل فعاليات المؤتمر أعمال فنية، حيث تقدم مجموعة أنا الحكاية أمسية حكي بعنوان "روح الجسد" تدعو من خلالها للتفكير النقدي المتأمل في الصور النمطية للنساء والرجال في مجال الخطاب العام، ويقدم عرض "روح وجسد" حكايات من نتاج خمس ورش للكتابة حول موضوع كتابة الجسد، ويعتمد العرض علي فن الحكي في إطار سردي وبصري مع توظيف الموسيقي والأغاني.