فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    بعد اتهامه بدهس سيدتين.. إخلاء سبيل عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    قناة عبرية تتحدث عن مكان وجود السنوار وامتلاك حماس لصواريخ بعيدة المدى    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    مفاجأة.. شركات النقل الذكي «أوبر وكريم وديدي وإن درايفر» تعمل بدون ترخيص    الصحة: منظومة التأمين الصحي الحالية متعاقدة مع 700 مستشفى قطاع خاص    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يصبح الفن حرية

حين يصبح‮ ‬الفن حرية موضوع‮ ‬معرض محترم جدً‮ ‬وتوثيقي لمرحلة بالغة الأهمية في الفن المصري والعربي،‮ ‬فهو من ناحية معرض يضم أعمالا معروفة للمهتمين بالفن في مصر خصوصاً‮ ‬تم انتاجها منذ اربعينيات القرن الماضي لفنانين مصريين ومتمصرين،‮ ‬سرياليين وغير سرياليين ولكنهم تضامنوا بحرارة مع مؤسسي السريالية المصرية الشاعر الفرانكفوني فؤاد حنين والفنانين‮ ‬رمسيس يونان‮ (‬1913‮ - ‬1966‮) ‬وفؤاد كامل‮ ( ‬1919‮ ‬‮ ‬1973‮ ) ‬وكامل التلمساني‮ (‬1915‮ - ‬1972‮) ‬ومعهم إبراهيم مسعودة وعدد من الأجانب المقيمين في مصر هربا من أهوال الحربين الاولي والثانية‮.‬
كانت حركة السريالية في مصر وليدة عوامل جوهرية من بينها الروح الكوزموبوليتانية التي حققها تجمعات لفنانين وأدباء وشعراء ومفكرين وسياسيين اوربيين لجأوا إلي مصر واستوطنوها خاصة في القاهرة والاسكندرية،‮ ‬وكان من بينهم من يتمتعون بالموهبة والتوهج والعمق أو المكانة الدولية،‮ ‬فتعامل معهم المصريون المتحدثون بالفرنسية والإنجليزية،‮ ‬وأصبحوا وسطاء بين أولئك الأجانب وزملائهم الأقل كفاءة في تلك اللغات‮.‬
وكان العامل الثاني هو انتشار النزعة‮ "‬التروتسكية‮" ‬التي تمثل الجناح الثقافي والإنساني للشيوعية في مقابلة مع الستالينية،‮ ‬الجناح العسكري والديكتاتوري لها‮.‬
وكانت التروتسكية ذات جاذبية في الدوائر الفنية والثقافية في أوروبا وأمريكا اللاتينية ومصر‮. ‬وقد تربت عليها نزعة أممية تصور الإنسان الكوني‮ (‬الأممي‮) ‬وليس ابن وطن ما‮. ‬وتنحي ملامح البيئة والتراث الإقليمي لصالح إستخدام رموز عالمية‮. ‬ولكن تلك الأممية ليست أممية حقاً،‮ ‬وليست موضوعية فصورة الإنسان في تلك اللوحات لاتحتوي أية ملامح للعنصر الأسود أو الأصفر من الأجناس،‮ ‬وإنما يعتمد بصورة كلية علي العنصر الأبيض،‮ ‬ومن ثم فهي من هذه الزاوية أقرب إلي العولمة المعاصرة التي لاتنتمي للعالم‮ (‬كعولمة‮) ‬ولكنها تتبني بقدر كبير من العنصرية وإزاحة العديد من العوالم،‮ ‬والتكريس للعالم الغربي‮- ‬الأمريكي خاصة‮ - ‬في جهود حثيثة لفرض هذا النموذج علي كل العالم‮.‬
غير أن السرياليين المصريين كانوا وطنيين بامتياز،‮ ‬وتبنوا حقوق البسطاء وهاجموا بضراوة الاقطاع والاحتلال‮. ‬وفي سيرة بعضهم علامات مضيئة علي ذلك،‮ ‬فقد احتج سرياليو مصر علي مبادرة السريالية الأوروبية جمع تبرعات لصالح إسرائيل،‮ ‬وانسحبوا من تكتلهم تعبيرا عن هذا الاعتراض‮.‬
وتعرض رمسيس يونان الذي سجن في مصر في نهاية الخمسينيات لميوله الشيوعية وكتاباته النقدية،‮ ‬ثم سافر بعد خروجه مع زوجته وبناته إلي فرنسا حيث عمل في إذاعتها بباريس وعندما قامت حرب‮ ‬1956‮- ‬العدوان الثلاثي‮- ‬كلف يونان بقراءة بيان مهين يهاجم مصر،‮ ‬فرفض قراءته وكان جزاؤه الفصل من الإذاعة والطرد من فرنسا‮.‬
ولكن المفارقة كانت تكمن في أن السرياليين ذوي الثقافة الأوروبية والمصرية الرفيعة كانوا يدافعون عن سواد الشعب ضد أصحاب النفوذ والثروة من المصريين الاقطاعيين،‮ ‬والمحتل البريطاني بينما كانت كتاباتهم الملتهبة بالفرنسية التي لايقرأها من يدافعون عنهم وكانت رسومهم‮ ‬غربية الطابع‮ ‬غرائبية العناصر والتكوينات ولاتمت لثقافة وبيئة هؤلاء الذين يتبنون الدفاع عنهم‮.‬
غير أن للسريالية أدوارا بالغة الأهمية في الثقافة والفن في مصر فقد كانوا أول من يجهر برفض وازدراء الأكاديمية الجامدة ومقولاتها الجوفاء‮. ‬وفتحوا آفاقاً‮ ‬حقة للحداثة التي تبنت السريالية كطراز ومنهج تفكير‮. ‬ولكنهم بذلك قد بشروا بتجليات الحداثة من التكعيبية الي التجريدية والرمزية والتجريدية التعبيرية‮. ‬لأول مرة في مصر‮. ‬كما نشط السرياليون في تبني شباب الفنانين وأشركوهم فعالياتهم ومعارضهم مما ساهم في تقديم طليعة الفن وقياداته،‮ ‬المستقبلية‮. ‬في الوقت الذي جذبوا فيه فنانين كبارا وشبابا من أمثال محمود سعيد وسعد الخادم وحمدي خميس وأبوخليل لطفي وحامد ندا وسمير رافع وإنجي أفلاطون،‮ ‬إلي التضامن معهم وعرض أعمالهم في معارضهم‮.‬
كانت سنوات الحرب الثانية‮ ‬1939‮ - ‬1945،‮ ‬عاصفة ليس في أوروبا التي عانت ويلاتها فحسب‮. ‬بل عمت العالم‮ ‬بأسره،‮ ‬بارتباطاته المتشابكة ومصالحه المتداخلة،‮ ‬وأطماع المستعمرين ومآربهم،‮ ‬ومن الطبيعي أن الإبداع والتعبير الفني الطليعي يواجه مواقف متأزمة من الفاشية والنازية،‮ ‬فحاصرت ومنعت وطردت وحبست كل من أتبع طريقاً‮ ‬مخالفاً‮ ‬للتيار الإيديولوجي المهيمن،‮ ‬اضطر طلائع الفنانين إلي الفرار من مواطنهم في قلب أوروبا،‮ ‬متنقلين بين الأقطار المحايدة وبعيداً‮ ‬عن المدن والمراكز الحضارية،‮ ‬بينما هاجر العديد من أفضلهم إلي أمريكا‮.‬
أسسها الشاعر جورج حنين مع فريق من الفنانين الطليعيين المصريين والأجانب المقيمين في مصر،‮ ‬لإعلان موقفهم من الفاشية والنازية ضد الفن والفنانين،‮ ‬حين حطموا أعمالهم وطاردوهم عبر أوروبا وأطلقوا علي فنهم صفة‮ (‬الفن المنحط‮) ‬تضامناً‮ ‬مع الشاعر‮ (‬أندريه بريتون‮) ‬وبيانه الذي وقع عليه الفنان المكسيكي‮ (‬ديجوريفيرا‮) ‬بعنوان‮ (‬من أجل فن مستقل‮).‬
وقع الفنانون فؤاد كامل ورمسيس يونان وكامل التلمساني مع مجموعة من الفنانين والمثقفين المصريين والأجانب المقيمين في مصر علي بيان أعده الشاعر جورج حنين بعنوان‮ (‬يحيا الفن المنحط‮) ‬ونشره في مجلة الفن الحر في‮ ‬22‮ ‬ديسمبر‮ ‬1938‮ .‬
كان لانتشار فنانين وأدباء وشعراء ونقاد أجانب في مصر في تلك الآونة دور كبير في بعث جو من التحرر وانتشار الفكر الاشتراكي،‮ ‬وكان جورج حنين بثقافته الفرنسية الرفيعة همزة الوصل بين أولئك الأجانب المتمصرين وبين الفنانين المصريين‮.‬
وفي‮ ‬6‮ ‬يناير‮ ‬1939‮ ‬كونت هذه المجموعة جماعة الفن والحرية في مصر بشارع المدابغ‮- (‬شريف حالياً‮)- ‬للدفاع عن حرية الفن والثقافة والنشر،‮ ‬وأصدروا مجلة الخبز وكتاب‮ (‬الدفاع عن الثقافة‮).‬
1940‮ ‬أقاموا المعرض الأول للجماعة شارع فيه معهم محمود سعيد‮ -‬صادق محمد‮- ‬ماريا هاسيا‮- ‬عايدة شحاتة‮ -‬أيمي نمر ايزاك ليفي‮- ‬انجلو دي رينر‮- ‬بابا جورج‮- ‬موسكا تيلي‮- ‬جوسلزنجر‮ - ‬سيسيل بالدوك‮- ‬لويس جوليان‮- ‬ناجلو فسكا‮- ‬ماجي اكزيزا وعرض معهم فيما بعد حمدي خميس وأبوخليل لطفي وسعد الخادم وحامد ندا في معارضهم السنوية حتي عام1945م‮.‬
اتصلت هذه الجماعة بالحركة السريالية‮ ‬العالمية وزعيمها الشاعر أندريه بريتون في فرنسا،‮ ‬وما لبثت أن كونت‮ (‬جماعة الفن والحرية‮)‬،‮ ‬ثم‮ (‬جماعة جانح الرمال‮)‬،‮ ‬حيث واجهت مقاومة واضطهاداً‮ ‬من أصحاب الرأي الفاعل والنفوذ القوي في الحركة الثقافية،‮ ‬ومن ذوي الميول المحافظة،‮ ‬ولكنهم أثروا الاعتصام بالعناد والجسارة التي وصلت إلي ما نظر إليه آنذاك بالمواجهة الوقحة،‮ ‬ثاروا علي الأوضاع الفنية والاجتماعية والسياسية،‮ ‬ونادوا بالتمرد علي الأعراف الشائعة،‮ ‬وبالفردانية في مواجهة منهج الطاعة والإتباع والتأدب المبتذل‮.‬
وقد أصبح لهذه الجماعة الفضل في التمرد علي الركود الأكاديمي الذي خيم علي الحركة الفنية لسنوات طويلة،‮ ‬فنجحوا بفضل ثقافتهم الرفيعة وإيمانهم العميق وتضحياتهم البطولية،‮ ‬في جذب العديد من الفنانين الموهوبين،‮ ‬فازدهرت السريالية في معرض القاهرة‮ ‬في سنوات‮ ‬الحرب،‮ ‬وتراجعت المعايير الأكاديمية للفن أمامها،‮ ‬بل وتخطتها إلي الإتجاهات الحديثة الأخري كالتكعيبية والتعبيرية والتجريدية والتبقيعية وغيرها‮ ‬من الاتجاهات الفنية‮.‬
بيد أن النزعة السريالية لجماعة الفن والحرية والطليعية إرتبطت بقدر من التناقضات التي اشرنا إليها سلفا‮ ‬في هذه الدراسة،‮ ‬مثل كونهم فرانكفونيين وينشرون أساسا بالفرنسية في مجال تبني قضايا المهمشين من‮ ‬أبناء الشعب،‮ ‬وأن فنهم السريالي‮ ‬غرائبي بعيداً‮ ‬عن فن البيئة والتراث وملامح المجتمع المصري‮.‬
وقد كان ذلك دافعاً‮ ‬لتكوين جماعة الفن المصري المعاصر التي جاءت في أعقاب التفاعلات النشطة لجماعة الفن والحرية،‮ ‬لتحدث توازناً‮ ‬بين الأهداف التي لم تحقق لجماعة الفنانين الشرقيين الجدد،‮ ‬ومباديء الحرية والتمرد التي أرستها جماعة الفن والحرية معاً،‮ ‬فتبنت السعي لإرساء فن مصري معاصر يتفاعل مع التيارات الفنية الحديثة بما فيها التعبيرية والسريالية ويعبر عن واقع الإنسان المصري وتراثه الشعبي والأسطوري بصفة خاصة وبذلك خرجت من النزعة الأممية للسرياليين واهتموا بالموضوع المحلي والوطني المصري‮.‬
وفي عام‮ ‬1946‮ ‬أسس المربي حسين يوسف أمين‮ (‬جماعة الفن المصري المعاصر‮) ‬من بين تلاميذه في المدارس الثانوية وأهمهم عبدالهادي الجزار وحامد ندا وسمير رافع وأحمد ماهر رائف‮. ‬وأقاموا خمسة معارض هامة بالقاهرة والإسكندرية،‮ ‬وباريس ضمن معرض مصر فرنسا الذي أقيم بمتحف اللوفر،‮ ‬وأقامت الجماعة معرضها الأخير في متحف الفن الحديث بالقاهرة بإشراف الباحث الفني إيميه ازار‮.‬
واصل أعضاء الجماعة إصدار بيانات نظرية‮ "‬مانيفستو‮" ‬توضح إتصال تجربتهم وأهدافهم بتلك التي أرساها السرياليون جورج حنين ورمسيس ويونان وكامل التلمساني،‮ ‬تتضمن الكثير مما يدور حول وعي الفنان وتمرده،‮ ‬وعن منابع القلق الجديدة التي تستند إلي مصدرين،‮ ‬الحياة اليومية،‮ ‬والنزعة الخيالية للأساطير،‮ ‬حيث يبدأ التفتح للحياة والتوازن العقلي الحساس بين‮ ‬عوالم تغرب وأخري تشرق‮ ‬من الأساطير،‮ ‬حيث يقتحم الفنان المصري عالم الأسرار والشعر والحياة‮.‬
كان الحال في حاجة إلي وعي وخبرة تأخذ الرسالة عي عاتقها وتجسد ذلك في شخصية المربي والفنان حسين يوسف أمين الذي حرر فناني الجماعة تدريجياً‮ ‬من التقاليد الأكاديمية بحثاً‮ ‬عن شخصية مصرية في الفن من خلال الموروثات التراثية،‮ ‬وكان حسين أمين ثورياً‮ ‬سافر إلي البرازيل والمكسيك بعد ان انهي دراسته في روما،‮ ‬وتشبع هناك‮ ‬بالأفكار الشيوعية التروتسكية وعاد إلي مصر ليعمل معلما للرسم في المدارس المصرية بالقاهرة حيث كون جماعة الموهوبين واكتشف فريق متميزا من الشباب كون منهم فيما بعد جماعة الفن المصري المعاصر،‮ ‬وكرس اهتمامه علي عالم الأساطير والخرافات الشعبية المصرية ورموزها السحرية ذات الدلالات التراثية،‮ ‬فجاءت أعمال تلاميذه بمثابة كشف عن تلك الطبقة المطحونة بوقعها المزري،‮ ‬بخشونته وجفائه وضياعه في‮ ‬غياب الخرافة والشعوذة‮.‬
استهدفت الجماعة استعادة حقائق الفن الأولي لمعايشة تجارب الشعب وأسطورته التي هي أسطورة الإنسان،‮ ‬دون التقيد بأسلوب مذهبي فالأساليب فيما يرونه‮- ‬مولودات ميتة لاتلزم أحدا‮ - ‬ويلخص إيميه آزار،‮ ‬هدفهم في‮ ‬،‮ ‬البحث عن الجمال‮ ‬المستقيم‮ ‬،‮ ‬ويلح حسن يوسف أمين‮- ‬مؤسسة الجماعة‮- ‬علي أهمية الحرص علي مواكبة الفكر الحديث،‮ ‬بوصفه أداة للغزو المعرفي والارتباط بالحياة وابتكر مصطلح‮ "‬العواطف المثقفة‮" ‬وهي المعارف اللازمة لفهم الفن الحديث‮ ‬غير أنه بمراجعة أعمال أولئك الفنانين المكونين للجماعة وزملاءهم من أمثال إبراهيم مسعود وكمال يوسف وسالم الحبشي ومحمود خليل‮ - ‬الذي مات مبكراً‮ ‬وهو في الخامسة والعشرين من عمره‮ - ‬والذي كان يقول‮.. ‬الفن هو تعاستي،‮ ‬نجد أنه باستثناء الفنانين الجزار وندا ورائف ورافع الذين أبحروا في عالمهم السريالي الميتافيزيقي بالنزعة الأممية التي ميزت كل من جورج حنين وكامل التلمساني‮ -‬فالتعبير عندهم‮ ‬من مآسي الإنسان وطقوسه بمعزل عن بينته وتراثه وثقافته الوطنية‮ . ‬خلفيات تصور مشاهد الرياح والضباب والجبال والهضاب وحقول الشوك،‮ ‬وشخوص النموذج الإنساني العالمي‮ ‬،‮ ‬ومن ثم فإن أولئك الفنانين هم امتداد لتجربة السريالية المصرية،‮ ‬ولكنهم نشطوا تحت رأية جديدة وبيانات تعميمية جديدة‮.‬
إن السريالية المصرية كحركة فكرية ثورية راديكالية تنويرية تواصلت مع مجريات الفن في العالم الغربي بصورة متزامنة فأصبحت تتحدث لغة زمانها العالمي وليس فقط الإقليمي والتي فتحت آفاق التجديد والحداثة فيما وراء مذهبها السريالي حتي أن روادها مثل رمسيس يونان وفؤاد كامل قد تحولا الي التجريدية التعبيرية والفن الحركي الفوري،‮ ‬وتحول كامل التلمساني إلي السينما كوسيط أكثر فعالية في نشر أفكاره الاشتراكية والتحليقية‮.‬
ولذلك جاء الاحتفاء في هذه الجماعة وأفكارها وكتاباتها ومعارضها وفنها بدءا مما صاحب المعرض القومي السنوي العام الماضي بجهد متميز من الفنان محمد طلعت‮ ‬وقومسير المعرض،‮ ‬ثم هذا المعرض المتميز بقصر الفنون بالجزيرة بما يعكسه من جهد وعناية من قطاع الفنون في مصر ودائرة الثقافة بإمارة الشارقة‮ -‬الإمارات العربية،‮ ‬برعاية الشيخة حور القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون‮.‬
ويتم في ذات الوقت الإعداد الكبير لعمل معرض وفعاليات مهمة جدا حول هذا الموضوع في قاعات‮ "‬بومبيدو سنتر‮" ‬مركز بومبيدو بالعاصمة الفرنسية يتم الاعداد له منذ سنوات طويلة من ثقاة ومحركين عرب ودوليين‮.‬
وهو الأمر الذي تستحقه تلك الجماعة وذلك التوجه التحويلي الهام في بنية الثقافة والفكر والفن المصري والعربي منذ ثلاثينيات القرن الماضي‮.. ‬والتي ساندها مفكرون وشعراء وصحفيون،‮ ‬وقد قدم الناقد الفني سمير‮ ‬غريب عددا مهما من المؤلفات البحثية العميقة عن السريالية العالمية والمصرية وعدد من فنانيها المصريين من بينها كتاب راية الخيال‮ ‬1992،‮ ‬دار الشروق‮ ‬1992‮ ‬القاهرة،‮ ‬وصفحات من تاريخ السريالية في مصر في فنون عربية‮ -‬العدد الخامس المجلد الثاني،‮ ‬دار واسطة للنشر،‮ ‬المملكة المتحدة‮ ‬1982،‮ ‬وكتاب الهجرة المستحيلة‮ -‬سمير رافع من‮ ‬درب اللبانة إلي باريس،‮ ‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‮ ‬1999‮ .‬
كما أن كتابات سعد الخادم ورمسيس يونان وفؤاد وابراهيم كامل ومحمد راتب صديق في كتابي تجربتي في الفن والحياة الجزء الأول‮ ‬1989‮ ‬والجزء الثاني‮ ‬1994‮ ‬نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة‮. ‬وكتاب محمد صدقي الجباخنجي،‮ ‬تاريخ الحركة الفنية في مصر عام‮ ‬1945‮ ‬نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب مصر‮.‬
وكتابي عبدالرازق عكاشة ومصطفي الرزاز عن حياة وفن سمير رافع‮- ‬وكتاب احمد فؤاد سليم‮- ‬سبع مقالات في الفن‮ - ‬آفاق الفن التشكيلي،‮ ‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‮ - ‬1998‮ .‬
تحية لمنظمي هذا المعرض المحترم ودعوة لزيارته ودراسته بكل عمق وتأمل فهو درس عميق ونادر في مجاله للمهتم حقا‮.‬
وقد أسعدني في كثيراً‮ ‬أن قدم المعرض أسماء لم نحتسبها سريالية من أمثال يوسف العفيفي ومنير كنعان وصلاح طاهر ضمن آخرين كما كان متميزاً‮ ‬وجود بعض المعروضات‮ ‬غير المألوفة في الوسط الفني مثل الرسوم الرائعة لانجي افلاطون بالحبر الشيني ذات المساحات الصغيرة،‮ ‬والعميق والتمكن‮. ‬ومجموعة المطبوعات باللينوليوم والتي لونت بعضها يدويا تمثل حنكة وعمق الفنان منير كنعان‮. ‬وهي ملمح لم نعرفه عنه قبل ذلك‮.‬
وتقديم أعمال عديدة من التصوير والرسم لإبراهيم مسعودة وعرض لوحات لبعض المتمصرين من الأجانب بالرغم من أن بعضها لايمت بصلة للسريالية مثل أعمال باياجورج،‮ ‬ومدام نمر،‮ ‬ومدام باروخ،‮ ‬بينما لم تعرض‮ ‬أعمال لمدام بهمان وهي سريالية قديرة‮.‬
‮ ‬لم أدرك مغزي منع التصوير في هذا المعرض الذي تعتمد قيمته علي الجانب التعليمي والتنويري للخبراء والدارسين والذواقة؟
‮ ‬وقد لاحظت عدم تواجد أعمال فنانين سرياليين بصورة كاملة أو مرحلية‮.. ‬أو جزئية ونشير من بينهم إلي حسين يوسف أمين،‮ ‬مصطفي الأرنقوطي‮ ‬1920‮-‬1976‮ ‬،‮ ‬أبوخليل لطفي‮ ‬1920‮- ‬1993‮ ‬،‮ ‬حامد عبدالله‮ ‬1917‮- ‬1977،‮ ‬سعيد العدوي‮ ‬1938‮-‬1973،‮ ‬عصمت داوستاشي‮ ‬1943‮ ‬،‮ ‬أحمد نوار‮ ‬1943‮- ‬1945،‮ ‬مصطفي أحمد‮ ‬1930‮-‬1999،‮ ‬أحمد كمال حجاب‮ ‬1942،‮ ‬صبري منصور‮ ‬1943،‮ ‬إيفيلين عشم الله‮ ‬1948‮ ‬،‮ ‬حمدي عبدالله‮ ‬1944،‮ ‬السيد القماشي‮ ‬1951‮ ‬،‮ ‬عوض الله الشيمي‮ ‬1949‮ ‬وغيرهم كثيرون‮.‬
والجدير بالإشارة أن الغالبية العظمي من مصوري مصر‮ ‬خصوصاً‮ ‬قدمهم التعبير السريالي كل في مراحل معينة أو يعاود ذلك من وقت لآخر‮.‬
ولكن الأسماء التي تمت الإشارة إليها كانت ذات بصمة أكثر وضوحاً‮ ‬في مسار السريالية في مصر‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.