أزمة بدون داع، تم اختلاقها بشكل غير طبيعي في ظل غياب رقابة فعالة من أجهزة الدولة الرسمية، مع بدء موسم توريد الأرز للدولة، أصبح من المؤكد أن الكميات التي سيتم توريدها أقل بكثير من التي أعلنت عنها الحكومة وذلك بسبب امتناع أعداد كبيرة من الفلاحين عن التوريد وتفضيلهم بيع المحصول للتجار. وكان مجلس الوزراء قد حدد سعر استلام الأرز الشعير اختياراً من المزارعين بسعر 2300 جنيه لطن الأرز الحبة الرفيعة، و2400 جنيه لطن الأرز الحبة العريضة، إلا أن ما يحدث الآن هو أن التجار في كثير من المحافظات قاموا بشراء طن الأرز من الفلاحين ب 3200 إلي 3400 جنيه، كما أن الأمر لم يقتصر علي ذلك فحسب، بل إن هؤلاء التجار قاموا بتخزين الأرز في المضارب الخاصة بهم انتظارا لتصديره للخارج، رغم وجود قرار بمنع التصدير. وتأتي أزمة الأرز بعد انتهاء موسم شاق بالنسبة للفلاحين فيما يخص محصول القمح والذي شهد هو الآخر حالة من الشد والجذب بين الحكومة والفلاحين في عمليات التوريد، وما صاحب ذلك الإعلان عن أرقام غير حقيقية للكميات الموردة، فضلا عما شهده القمح من سوء تخزين تسبب في تعرض كميات كبيرة منه للتلف. وتشير المؤشرات الأولية وفقا لنقابات الفلاحين والمنتجين الزراعيين إلي أن محصول الأرز في العام الحالي سيصل إنتاجه إلي 7 ملايين طن من مساحات منزرعة تبلغ 2.3 مليون فدان منها 1.2مليون غير مقنن، في الوقت التي أكدت في الحكومة استلام 2 مليون طن بينما تبقي 5 ملايين طن في قبضة مافيا التجار. ومؤخرا أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن د.عصام فايد، وزير الزراعة بحث مع وفد من وزارة الزراعة الأمريكية، برئاسة جونثان كوردون وكيل الوزارة، إمكانية استيراد الأرز من واشنطن لتلبية احتياجات السوق المحلية خاصة في ظل خطة الدولة لتقليص المساحات المنزرعة بالمحصول الأعوام المقبلة لترشيد استهلاك مياه الري والاستفادة منها في زراعة المحاصيل الصيفية الأخري خاصة زراعة الذرة الصفراء. وزارة الزراعة من جانبها تؤكد دوما أنها تسعي لتقليل المساحات المزروعة بالأرز وهو ما سيحدث خلال العام المقبل رغبة منها في تقليل زراعة المحاصيل الشرهة للمياه، وهو ما دفعها إلي اتخاذ قرار بزراعة الأرز في عدد من محافظات الوجه البحري مثل البحيرة والغربية وكفر الشيخ دمياط وبورسعيد والدقهلية والإسكندرية، وحظره في باقي المحافظات الأخري التي تقع في خارج وسط الدلتا وجنوبها. وأوضح د. عصام فايد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أن تقليص المساحات جاء بعد دراسات وافية للتأكد من عدم تأثر الكميات المنتجة والمطروحة بالأسواق، كما أن الأسعار مازالت كما هي في منافذ الوزارة دون أي زيادة، وهو ما لم يحدث حيث ارتفع سعر الأرز، فضلا عن قلة الكميات الموردة للدولة وهو ما ينذر بأزمة في القريب العاجل. آلية التوريد بينما أكد فريد واصل، نقيب المنتجين الزراعيين، أن مجلس الوزراء لم يحدد آلية توريد الأرز الشعير هذا العام من المزارعين إلي وزارة التموين، مشيرا إلي أن السعر الذي حددته الحكومة ب2300 جنيه للطن الأرز من الحبة الرفيعة، و2400 جنيه للطن من الحبة العريضة مرضٍ ومناسب للقطاع الأكبر من الفلاحين لكن المشكلة تكمن في أن التجار لا يلتزمون به، فهو سعر استرشادي وليس إجباريًا. وأضاف أنه في حالة استمرار تحكم التجار في الأسواق، فإنهم لن يشتروا بالسعر الذي حددته الدولة، مطالبًا وزارة التموين باستلام 2 مليون طن من المزارعين بالسعر الذي حددته الحكومة، خاصة أن لديها جمعيات ومطاحن خاصة بها، مؤكدا أن انتاج الموسم الحالي من الأرز سوف يزيد علي 7 ملايين و500 ألف طن وهو يزيد عن استهلاك المصريين بنسبة أكثر من 50%، حيث إن المساحات الرسمية المعلنة تصل إلي مليون و100 ألف فدان، أما المساحات المزروعة بالمخالفة تصل إلي مليون و300 ألف فدان بما يعني أن المساحات المزروعة تصل إلي 2 مليون و400 ألف فدان تنتج 7.5 مليون طن واستهلاك المصريين 3.2 مليون طن أي أن ضعف الكمية سيكون فائضا، محذرا من تهريبها إلي عبر الحدود إلي الدول المجاورة. توريد إجباري بينما قال أسامة الجحش، نقيب الفلاحين، إن الفلاح سوف يبيع للجهة التي تشتري محصوله بسعر أعلي، فهو لن يرضي بالخسارة بعد موسم شاق من الزراعة، وبالتالي لا توجد مسئولية عليه مادام التوريد للدولة اختياري وليس إجباريا، وبالتالي يجب أن تكون هناك صيغة تلزم الفلاحين بتوريد محصول الأرز للدولة لكن بشرط أن يكون ذلك بسعر عادل ودون أن يخسر الفلاحون. وأشار إلي أن تعامل الحكومة مع محصول الأرز أدي في النهاية إلي اللجوء إلي باب آخر هو الاستيراد من الخارج، بما يرهق ميزانية الدولة بشكل كبير، رغم أن مصر من أكبر الدول المنتِجة للأرز وتمتلك سمعة طيبة في هذا المحصول، مشيدا بقرار حظر التصدير للخارج والذي تم اتخاذه مؤخرا حيث سيساعد ذلك علي توفير كميات كبيرة من المحصول في السوق الداخلية. تعطيش السوق فيما قال السيد أحمد أبوالليل، عضو الجمعية المركزية للزراعة بالشرقية، إن مافيا تجار الأرز تعبث الآن بشكل كبير في هذا السوق في ظل غياب الرقابة من قبل الدولة، حيث إنهم يقومون، خاصة في محافظات الدلتا، بجمع المحصول من الفلاحين بسعر أعلي من سعر الحكومة ب 900 إلي 1000 جنيه ثم يقومون بتخزينه انتظارا لتهريبه عبر الحدود أو انتظار، لفتح باب التصدير مرة أخري، مشيرا إلي أن هناك من 20 إلي 30 تاجرا في محافظاتالدقهليةودمياط والشرقية يقومون بهذا الأمر، حيث إنهم يصدرونه للخارج بما يقرب من 1000 دولار للطن وهو ما يحقق لهم مكاسب خرافية. وناشد الدولة سرعة التدخل والسيطرة علي مخازن المافيا التي تتحكم في قوت الغلابة وإعادة ضخه في السوق بالسعر الذي حددته الدولة منعا لحدوث أزمة وارتفاع أسعاره، ومنعا للاستيراد من الخارج خلال المرحلة المقبلة ومنعا ل»تعطيش» السوق وهو ما يسعي إليه هؤلاء التجار. وطالب بتحرك عاجل لوقف عمليات التخزين الهيسترية التي يقوم بها التجار انتظارا لاقتناص فرصة التصدير ليربحوا الملايين ولايهمهم الغلابة. مصطفي علي