مجرد وفاة من نحبهم يشعرنا بتفاهة هذه الدنيا.. هذا الإحساس يسيطر علي مشاعري كلما واجهت فراق شخص عزيز علي قلبي سواء كان قريباً أو صديقاً أو زميل عمل أو شخصية عامة أثرت في تكويني الفكري وتركت انطباعات جيدة عندي. فقد تكرر للعام الثاني علي التوالي اضطراري لقطع اجازتي بالساحل الشمالي خلال شهر أغسطس، ارتدي ملابس الحداد السوداء ويكسو الحزن ملامح وجهي لأعود للقاهرة من أجل تقديم العزاء لأهل فقيد غال. لقد مر عام علي رحيل استاذي الكاتب الصحفي سمير عبدالقادر. كما توفي في نفس الشهر العالم المصري د. أحمد زويل الذي كان تربطني به صداقة قديمة فهجرت المصيف لتقديم العزاء لأسرته في القاهرة. لقد علمني أستاذي الراحل سمير عبدالقادر فن الصحافة والأسلوب الهادئ في طرح القضايا الاجتماعية والتعامل المهذب مع الزملاء. كان صاحب نظرة شاملة للحياة، يتعامل بنضج مع الأحداث والمحيطين ودائرة أصدقائه العريضة. كان يقول لي دائما الرئيس الناجح يكبر ويرسخ أقداما عندما يساعد كل من يعمل معه ليصبحوا هم أيضا كبارا. وكان يشعر بالزهو عندما يبلي أحد تلاميذه بلاء حسنا، وكان يروي لنا حكايات كثيرة عن عملاقي الصحافة علي ومصطفي أمين وكيف كان مصطفي بك يشجعه وهو متدوب صغير في أخبار اليوم بالقيام بطلب منه أن يراجع عمود »فكرة» ويأخذ برأيه فكبر الصحفي ليصبح الكاتب الكبير سمير عبدالقادر وأصبح له تلاميذ أصبحوا هم أيضا كتابا وصحفيين. فهذه هي مدرسة أخبار اليوم، وكما خلف علي ومصطفي أمين جوائز للتفوق الصحفي تم تخصيص جائزة خاصة ضمن جوائز التفوق الصحفي في المجال الاقتصادي بنقابة الصحفيين باسم سمير عبدالقادر. في ذكراه، افتقد الأستاذ وافتقد كلماته المضيئة في العمود المتميز »نحو النور» الذي كتبه امتداداً لوالده محمد زكي عبدالقادر وبوفاة استاذي اختفت المقالات والكتب واليوميات التي كنت انتظرها والتي تناول فيها المشكلات والعلاقات الأسرية وحوار »هو وهي» الذي كان يكشف الجانب الإنساني للمرأة والذي كان يتناوله أحيانا بأسلوب ساخر ممتع. أعلم أن حياتنا مجرد مرحلة في هذه الدنيا وإن لم نمت اليوم نموت غدا.. اللهم ارحم من اشتاقت لهم أنفسنا وهم تحت التراب وأدخلهم فسيح جناتك.