الدواء حق كالماء والهواء... هو حق من حقوق المواطنة الأساسية، التي ينبغي أن ترعاها الدولة، وتحرص عليها، وتبذل الكثير في سبيلها... والناس في مصر دخولهم منخفضة، منذ قررَّت ثورة يوليو 1952م تأميم رءوس الأموال، وجعل الشعب كله، أو غالبيته العظمي موظفين لديها، تلتزم برواتبهم ومعاشاتهم... ولأنه ما من دولة في العالم يمكنها أن تكفل مالياً شعباً بأكمله، فقد ترنَّح اقتصاد مصر بسبب هذه الفكرة اللا معقولة... ولأنه من السياسات الديكتاتورية عدم التراجع عن أي قرار، مهما كان مدمراً، حتي لا تهتز صورة النظام الحاكم، فقد تم إصلاح الخطأ بخطأ أكبر منه، مازلنا ندفع ثمنه حتي هذه اللحظة... الدعم... ولقد شمل الدعم كل شئ، من الطعام والشراب، وحتي سعر الدواء.. جاء قرار مجلس الوزرا، والمنشور علي الموقع الرسمي لمجلس الوزراء، في 16 مايو 2016م، برفع سعر الأدوية، التي يقل ثمنها عن ثلاثين جنيها، وبحد أدني جنيهان، لكي يزيد الطين بلة... ولكي يضفي علي القرار صبغة وطنية، تخفي دوافعه الحقيقية، قيل إن هذا لدعم صناعة الدواء المصرية... فلو أن القرار يستهدف بالفعل حماية الصناعة الوطنية، لاقتصر علي رفع سعر الأدوية المصنعة محلياً فحسب، ولكنه لم يفعل، وإنما زاد سعر كل الأدوية في السوق المصري، وباعتبار أن السعر هو وحدة التسعير، وليس سعر العبوة، وبهذا انطلقت فوضي الدواء كإعصار يعصف بالمرضي، وبالذات أصحاب الأمراض المزمنة، الذين يمثل لهم الدواء الفارق بين الحياة والموت، فعلبة الدواء التي تحوي ست أمبولات مثلاً، تكون وحدة التسعير فيها هي الأمبول الواحد، فلو كان سعر الأمبول الواحد خمسة وعشرين جنيها أو أقل فسيرتفع سعرها، من مائة وخمسين جنيها، إلي مائة وثمانين أو مائتي جنيه، حسب مفهوم الصيدلي للزيادة، أو وفقاً لضميره المهني !!... حالياً صدر قرار مكمل، بألا يزيد سعر عبوة الدواء عن ستة جنيهات، ولكن دون إعلان قائمة تسعير جبرية ملزمة، مما ضاعف من فوضي التسعير ... ثم أن القرار جاء قابلاً للتنفيذ فوراً، بحيث زادت الأدوية في مخازن الصيدليات الكبري بنسبة عشرين في المائة، في ليلة وضحاها، مما يحقق لها ملايين الجنيهات من الأرباح، بجرة قلم... وزارة الصحة أصدرت القرار، دون وضع قوائم بالأسعار الجديدة، مما صنع فوضي عارمة في سوق الدواء، أفادت سلاسل الصيدليات الكبري وأصحابها، دون أن تفيد المريض، أو صناعة الدواء المصرية بأقل فائدة، فما الفائدة التي تعود علي الصناعة الدوائية المصرية، من رفع سعر الدواء المستورد ؟!... القرار يحوي شبهة فساد كبيرة، لصالح أفراد بعينهم، وليس لصالح صناعة الدواء المصرية، وهذا يضعنا امام مجموعة من التساؤلات: لماذا لم يصدر القرار برفع سعر الأدوية المنتجة محلياً والأقل من تكلفة إنتاجها فقط ؟!... ولماذا لم يستثن القرار الأدوية الأساسية للأمراض المزمنة ؟!... لماذا حاولت نقابة الصيادلة التنصل من المسئولية، بعد اشتداد الهجوم علي القرار، علي الرغم من الاجتماع الذي تم يوم الثلاثاء 25 أبريل، أي قبل صدور القرار بعشرين يوماً، بين نقيب الصيادلة د. محيي الدين عبيد، ووزير الصحة ورئيس الوزراء، والذي طالب فيه نقيب الصيادلة بصدور قرار برفع سعر الأدوية الأقل من ثلاثين جنيها، بحد أدني 2 جنيه، وهو ما صدر به القرار بالفعل ؟!.. ما الذي جعل الرجل، صاحب أحد أهم سلاسل توزيع الدواء، يصرح بتوجهه للقاء وزير الصحة؛ وأنه سيكون هناك قرار برفع سعر الدواء، وبعدها بساعات يصدر القرار يوم 16/5، ويفوز برياسة غرفة صناعة الدواء في 17/5، أي بعدها بيوم واحد ؟!... البعض يتصوَّر أن القرار قد جاء علي نحو غير مدروس، ولكن الواقع أنه جاء علي نحو مدروس، ولكن ليس لصالح المريض، أو شركات صناعة الدواء، وإنما لحساب زيادة بالملايين، لصالح موزعي الدواء، وأصحاب سلاسل الصيدليات الكبري... ووزارة الصحة، التي أصدرت القرار بسرعة الصاروخ، تحاول وضع قوائم تسعير ببطء السلحفاء، تاركة الفوضي تعصف بالمرضي، وتملأ خزائن المستفيدين !!. ولأن الصيادلة كانوا أول من أدرك خدعة القرار، فقد طالبوا باقتسام الكعكة، أو بقطعة منها علي الأقل، ولهذا فقد طالبوا بزيادة نسبة أرباحهم من الدواء، من 20% إلي 25%... كان يمكن أن يكون هذا مقبولاً، لو أنه يحوي شيئاً من المنطق، ولكن الصيدلي يحصل علي نسبة من ارتفاع ثمن الدواء، وليس علي مبلغ ثابت، أي أن أرباحه من نفس النسبة ستزيد، بزيادة سعر الدواء نفسه، مما لا يوجد مبررَّاً لطلبه زيادة نسبة أرباحه من الدواء، إلا لو كان يدرك بحكم مهنته أنها لعبة مال كبيرة، أو كعكة مهداة من وزير الصحة ورياسة الوزراء لمافيا الدواء، فأصر علي الحصول علي قطعة ولو صغيرة منها، دون الاهتمام بشركات صناعة الأدوية الوطنية، التي يود انتزاع جزء من محاولتها لتغطية تكاليفها، أو الاهتمام - أدني اهتمام- بالضحية الأولي للقرار... المواطن المصري... المطحون.