بعد 50 عاما من رفض موضوع رسالة الدكتوراه التي تقدم بها الكاتب كورت فونجوت لجامعة شيكاغو، مقترحا من خلالها إمكانية تحليل الأعمال الأدبية بالحاسب الآلي؛ راجع الأكاديميون أنفسهم وأقروا بصحة نظريته. يعود أصل الحكاية إلي عام 1965، حيث تقدم فونجوت برسالته مرفقا بها مخطط تفصيلي يشرح من خلاله أن "الكيفية التي تتم بها صياغة الأعمال الكلاسيكية وغيرها تشترك في شكل أساسي واحد"، وقد تم رفضها، فشعر وقتها الكاتب بالغضب لأن أسباب الرفض كانت غير منطقية، حيث جاء فيها إن موضوع البحث "غاية في البساطة ويبدو مرحا علي غير المعتاد"، ولم يكن يتخيل أن موضوع رسالته سوف يصبح محور محاضرة طُلب منه إلقاؤها بعد مرور كل تلك السنوات، متوسعا في نظريته بعرض رسوم بيانية توضح الأشكال المختلفة من القصة، بداية من تيمة "شخص وقع في ورطة وأفلت منها" إلي "شاب يلتقي بفتاة"، معلقا علي ذلك بقوله: "ليس مبررا عدم إدراج الأشكال البسيطة للقص الروائي في الكمبيوتر لأنها جميلة أو بارعة". إلا أن الدراسات الأكاديمية الحديثة فعلت ذلك، ومنحتنا بعد التدقيق سببا آخر ليشاركنا رجل عظيم لايزال موجودا بيننا أفكاره، وربما إعادة طرح موضوع رسالته، فقد قام الباحثون بجامعة فيرمونت بمعمل القصة؛ بإمداد الحاسب الآلي بمجموعة من القصص والروايات بلغ عددها 1737 حصلوا عليها من مشروع جوتنبرج، وقاموا بتحليلها عبر برنامج تم تصميمه لتحليل أسلوبها من حيث محتواها العاطفي، وهو ما وضع نهاية لجدال استمر سنوات طويلة، حيث اكتشف الباحثون أن هناك ستة مسارات أساسية تشكل لبنات بناء حبكات مجمل السرد القصصي وهي: "من الفقر المدقع إلي الغني الفاحش" وهي قصة يتبعها الوصول إلي السعادة، أو "التراجيديا"، أو"من الغني إلي الفقر" وتلك التي تتبعها انتكاسة، أو"رجل يقع في ورطة أو حفرة" مثل روايات إيكاروس و"سندريلا" و"أوديب". يعترف الباحثون أنه كانت هناك محاولات كثيرة للتحليل الرمزي والبحث في المرادفات، وتصنيف أنواع أساسية من القصص طبقا للحبكة الدرامية في الماضي، سواء تماشي مع تأكيد فورست هاريس سنة 1959 علي أن هناك ثلاثة أنماط من الحبكة الأساسية هي "نهاية سعيدة، نهاية غير سعيدة، تراجيديا"، أو السبعة أنماط الأساسية للسرد لكريستوفر بوكر، وهي: التغلب علي الوحش كما هو الحال في "بيو وولف"، الانتقال من الفقر للثراء كما في "سندريلا"، البحث عن الكنز مثلما في "كنوز سليمان"، السفر والعودة مثل "آلة الزمن"، الكوميديا كما في "حلم منتصف الصيف"، التراجيديا مثل ما في "آنا كارنينا"، والبعث كما في "الجميلة والوحش". أو ربما ما أشار إليه الكاتب رونالد توبيا والباحثون بأن هناك 20 حبكة قصصية أساسية تشمل: المستضعفين، المتحولين، الطموحين، المحبطين،.... وهناك قائمة لجورج بولتي تتراوح بين "التنافس بين الأقرباء" إلي "الوقوع فريسه لقسوة المحن". إلا أن فونجوت كان هو الأكثر إلهاما للباحثين في جامعة فيرمونت، خاصة ما اكتشفه من تشابه بين قصة سندريلا والقصة الأصلية للمسيحية في العهد القديم، فكتب فونجوت في قصته المنشورة بعنوان "أحد الشعانين": "أعترف أنني كنت متهيبا من التحليل البياني لسندريلا، لدرجة جعلتني أكثر ميلا لإلغاء موضوع دراستي بكامله، لإحساسي أنني علي وشك إثبات أن ما أفعله مليء بالهراء، بدا الأمر غاية في التعقيد والعشوائية لدرجه تجعله يبدو كأنه شيء مصطنع، إلا أنني قلت لنفسي: (انتظر لحظة، تلك الخطوات منذ البداية تبدو كأنها أسطورة الخلق في كل مجتمع تقريبا علي وجه الأرض)، بعد ذلك رأيت أن "الأزمة القلبية في منتصف العمر" تماما مثل أسطورة الخلق، فريدة في نوعها في العهد القديم، وعندها رأيت أنه يؤدي إلي النعيم، في نهاية كانت متطابقة مع توقعات الفداء كما ورد في المسيحية الفطرية البدائية". قادت رحلة فونجوت الباحثين إلي البحث عن كل ما يشبه ذلك المثال، فشمل تحليلهم الأكاديمي محتويات أكثر من عشرة آلاف نافذة تصفح، والمضمون العاطفي لكل واحدة منها، مما يعني أنهم يلتقطون أعلي وأقل ما في القصة تأثيرا، عوضا عن مناقشة لحظات عاطفية وجيزة، مع الوضع في الاعتبار ألا ينظر إلا في الأدب الإنجليزي فقط. في تصريح لماي ويلدون، قال أنجوس فيليبس، رئيس مدرسة الفنون ومدير مركز أكسفورد الدولي لدراسات النشر بجامعة أكسفورد متأملا: "كلما زادت القراءة علي الأجهزة الرقمية تغير سلوك الكاتب، مع اختلاف أسلوب الحبكة ونوع الخيال الذي يستهدف قراء يمارسون القراءة الرقمية، أو ما يطلق عليه جمهور الديجيتال، وهو ما يتناقض مع النهج القائم علي طابع الخيال الأدبي الذي كثيرا ما نقرؤه مطبوعا". وأضاف: "هناك عداء لقارئ الانترنت، الأدباء يحتاجون إلي تصور القراء، ليس من يلجأون إلي طي الصفحة حين تسدل الستائر، بل في القطار أو الأتوبيس، في الطريق إلي العمل وبينما يتناول شطيرة أو يقف في طابور لشرب القهوة الصباحية، كما سيكون من الرائع أن نري المنهج الدراسي بجامعة فيرمونت يضيف إليه الأدب المعاصر، ومعرفة إذا كان هناك شيء تغير اليوم".