الحديث عن خاتم النبيين محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام يحتاج الي مجلدات، وكتب السيرة التي تحدثت عن حياته ورسالته عليه الصلاة والسلام في مختلف العصور تعد بعشرات من أمهات الكتب التي تناولت السيرة العطرة. ومن هنا فإننا سوف نكتب موجزا عن السيرة، ومامتاز به الرسول العظيم من سمات وصفات، ويكفي أن الله سبحانه وتعالي وصفه بقوله وإنك لعلي خلق عظيم. كان عبدالله عبد المطلب قد تزوج آمنة بنت وهب وكان في الثانية عشرة من عمره، وحملت بالرسول الكريم الذي وضعته في ليلة الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل وكان ماورثه عن أبيه خمسة جمال وبعض نعاج وجارية. وقد توفي والده وهو مايزال جنينا في بطن أمه، وأرضعته حليمة السعدية، وعاد إلي أمه وأخذته وهو في السادسة من عمره لزيارة أخواله بيثرب وفي طريق العودة إلي مكة توفيت والدته عند »الابواء« وهي قرية قريبة من يثرب، فحضنته جاريته أم أيمن، وعادت به إلي مكة، حيث كفله جده عبدالمطلب مدة عامين، وعندما مات كفله عمه أبوطالب وكان أثيرا الي قلب عمه، حتي أنه وهو في التاسعة من عمره وسافر معه الي الشام. وقد اتجه محمد بن عبدالله إلي العمل، فكان يرعي الاغنام في مكة علي قراريط. أو حصة من اللبن من أصحاب هذه الاغنام وكان عليه الصلاة والسلام يقول: »مامن نبي إلا وقد رعي الغنم، قيل وأنت يارسول الله، فقال وأنا« وقد روي عنه أيضا: »بعث موسي عليه السلام وهوراعي غنم، وبعث داود عليه السلام وهوراعي غنم، وبعثت وأنا راعي غنم«. وقد حضر وهو في العشرين من عمره حرب الفجار حيث شارك فيها أعمامه، وقال عنها: »كنت أنبل علي أعمامي« أي يمنع النبل عن أْعمامه، ولم يشترك فيها. كما شاهد حلف الفضول الذي تنصر فيه مكة المظلوم علي الظالم وقال عنه عليه الصلاة والسلام« لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ولو دعي به في الاسلام لأجبت، تحالفوا علي أن يردوا الفضول الي أهلها« وروي عنه قوله عليه الصلاة والسلام: »ولقد شهدت في دارعبدالله بن جدعان حلفا ماأحب أن لي به حمر النعم، ولو دعي به في الاسلام لأجبت« وتاجر عليه الصلاة والسلام في مال خديجة بنت خويلد في الشام، وكان معه غلامها ميسرة، وبارك الله في هذه التجارة، وأعجبت بأمانته السيدة خديجة، وبما قصها عن أخلاقه أثناء الرحلة (ميسرة).. وقررت أن تتزوج به، وكان هو في الخامسة والعشرين من عمره بينما كانت هي في الاربعين من عمرها، وكانت سيدة ثرية، فكان عيرها يعادل عيد قريش كلها في حجمه، وكانت خديجة مازالت تحتفظ بجمالها وشبابها، لقد أعجبت بمحمد عليه الصلاة والسلام بشجاعته وخلقه وأمانته. لقد خطبها محمد بن عبدالله، بعد أن طلب عمه منها ذلك وكان الصداق اثنتي عشرة أوقية من ذهب ونصف أوقية. وقد وفر له الزواج الوقت للتأمل والتفكر في الكون وماوراء هذا الكون، فهولم يسجد لصنم قط، ولا سار وراء الهواء، بل كان وادعا مستقيما يطلق الناس عليه »الامين« لسمو أخلاقه وحرصه علي الأمانة. وحدث عندما كان في الخامسة والثلاثين من العمر أن صدَّع سيل جارف الكعبة، وأرادت الكعبة أن تبنيها من جديد بمال حلال، وعندما تم البناء، اختلفت القبائل حول من يضع الحجر الاسود مكانه، وكاد أن يحدث قتال بين القبائل، واحتكموا لأول داخل الكعبة، وكان هذا الداخل هو محمد بن عبدالله الذي اقترح عليهم أن يوضع الحجر في ثوب، وتمسك كل قبيلة بطرف من هذا الثوب، وأخذ هوالحجر الاسود بعد رفع الثوب ووصفه مكانة، وبهذه الحكمة أبطل حربا كادت أن تقع بين أبناء القبائل المختلفة. ومعروف أن بيت الله الحرام هول أول بيت وضع للناس، وأن ابراهيم عليه السلام هوالذي بناه بمساعده ابنه اسماعيل. ويقول أبو ذر: قلت يارسول الله أي مسجد وضع أول: قال المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال المسجد الاقصي« وقيل باأن الذي بني بيت المقدس هو يعقوب عليه السلام.. وهو حفيد سيدنا ابراهيم عليه السلام وهناك من يقول إنه نبي بعد ذلك. وكان محمد بن عبدالله كثير التأمل، وكان يتعبد في غار حراء، وعندما بلغ الاربعين من عمره نزل عليه الوحي، وكان أول مانزل من القرآن الكريم: »اقرأ باسم ربك الذي خلق.. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم.. علم الانسان مالم يعلم« وبدأت الدعوة سرا وظلت سرا ثلاث سنوات، وقيل إن الرسول كان يدعو الناس في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان أول من أسلم زوجته خديجة، ومن الصبيان علي بن أبي طالب، ومن الرجال أبوبكر الصديق، كما كان من أوائل الذين أسلموا زيد بن حارثة بن شرحبيل، الذي كان يقيم عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان زيد هذا قد فقده والده، وعندما عثر عليه آثر زيد أن يعيش في كنف الرسول الكريم، حتي أطلق عليه زيد بن محمد، لأن الرسول الكريم أخذه من يده بعد أن فضل زيد أن يعيش معه ولايذهب مع أبيه، وقال للناس: »اشهدوا أن هذا ابني وارثا وموروثا«. وقد ظل كذلك الي أن أبطل التبني: »ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم«. لقد بدأ البعض يدخل في الاسلام. وأخذت مكة تعذب الضعفاء والفقراء والموالي ممن أسلموا كبلال بن رباح ووالديه، استشهدت والدته وعمار بن ياسر الذي استشهدت والدته وكانت أول شهيدة في الاسلام، كما استشهد والده ياسر وكان أول شهيد في الاسلام بعد زوجته سُمية. وعندما اشتد التنكيل بالمسلمين، أمر الرسول أصحابه في السنة الخامسة من النبوة وما بعدها بالهجرة الي الحبشة، وكان عدد من هاجروا في أول الأمر عشرة رجال وخمس نسوة، ثم رجعوا بعد ثلاثة أشهر، وفي هذه الفترة أسلم الحمزة بن عبدالمطلب، وعمر بن الخطاب، فقوي بهما المسلمون وكان المسلمون أربعين رجلا أو أكثر قليلا واحدي عشرة امرأة. وفي السنة العاشرة أيضا ماتت خديجة رضي الله عنها، وبعد وفاتها بشهرين مات أبوطالب. وكانت قريش قبل ذلك قد فرضت حصارا قاسيا علي بني هاشم في شعب بني هاشم ظل ثلاث سنين، الي أن انتهي هذا الحصار الظالم. وقد خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم الي الطائف، لعله يجد هناك من يناصر ويدخل في دين الله، ولكنه لم يجد من أهل الطائف الا الايذاء له، وكان ذهابه الي الطائف في أخريات شهر شوال من السنة العاشرة ومعه مولاه زيد بن حارثة. ولكنه لم يجد من أهلها الا الاساءة اليه، ولم يلتفت اليه زعماؤها، بل سلطوا عليه السفهاء فرموه بالحجارة حتي أدموا قدميه، ولم يعلن اسلامه إلا خادم الحديقة عداس، الذي آلمه أن يحدث للرسول ما حدث، حتي أن الرسول اتجه بكل كيانه الي الله داعيا دعاءه الخالد: »اللهم اليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، الي من تكلني، الي بعيد يتجهمني، أم الي عدو ملكته أمري، ان لن يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبي حتي ترضي ولا حول ولا قوة إلا بك«. والي العدد القادم