يوم الجمعة الماضي كنت استقل المترو إلي مكان ما.. وتصادف أن كان في نفس العربة التي استقلها مجموعة من الشباب دون العشرين.. كلهم يرتدون قميص فريق الزمالك ويرفعون أعلامه.. وراحوا يرددون الهتافات علي دقات طبلة معهم ويرقصون بشكل هيستيري.. ثم يتوقفون ليضبط قائد المجموعة الهتافات ويوجه من معه إلي الأخطاء ويتأكد من حفظ الشعارات والعبارات جيداً.. وعرفت أو استنتجت أن هؤلاء يجرون بروفات علي الهتافات التي سيرددها جمهور الزمالك فيما يسمي لقاء القمة أو مباراة القمة.. وصدمت من نوعية الهتافات التي لا يمكن أن تكون من ابتكار شباب دون العشرين.. فقد تضمنت معلومات أكبر منهم بكثير.. فقد قالوا مثلاً وهم يقصدون فريق الأهلي: "بيقولوا نادي الوطنية.. وهو نادي الماسونية.. بيقولوا نادي الأخلاق وهو نادي الخمرجية.. أحمد حسنين رمز الفساد.. يا أولاد صالح سليم".. ولم تتضمن الهتافات التي لم أحفظها كلها أي عبارات تمجيد أو إشادة بالزمالك ولاعبيه.. وكلها بلا استثناء هجوم علي الأهلي.. وهكذا يفعل جمهور الأهلي الذي رفع علم بريطانيا من قبل في مباراة بين الزمالك والأهلي علي أساس أن نادي الزمالك هو نادي الاحتلال البريطاني.. وليس نادياً وطنياً.. وأيقنت أن جماهير الزمالك أعدت هذه الهتافات العدائية لترددها في ذلك الذي يسمي لقاء القمة رداً علي هتافات جماهير الأهلي. دعك من هذا كله.. وتأمل معي كلمات مثل الماسونية.. وتساءل معي: كيف عرف هؤلاء الصبية الماسونية.. ومن الذي لقنهم أن الأهلي أنشيء علي يد الماسونين وأنه في الأساس محفل ماسوني اتخذ النشاط الرياضي ستارا له..؟ لقد "استعبطت" وسألت أحدهم عن معني الماسونية.. فقال إنها الصهيونية.. وذكر لي أن الأهلي في الأساس محفل ماسوني عمل تحت ستار الرياضة.. وأن كل أعضائه المؤسسين ماسونيون. ضربت كفاً بكف وأظهرت التعجب وحوقلت كأنني لا أعرق شيئاً.. وحتي يستمر الصبي في كلامه عندما يراني أقف منه موقف التلميذ الذي يتابع كلام أستاذه.. وسألته مرة أخري: ومن أحمد حسنين هذا الذي تقول إنه رمز الفساد؟ فضحك الشاب الذي لم يبلغ العشرين بعد وقال: "إيه ياعم الحاج؟ حد ما يعرفش أحمد حسنين؟.. إنه أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي أيام الملك فاروق.. والذي كان علي علاقة آثمة بأم الملك.. نازلي.. فقلت مرة أخري كالأبله: أعوذ بالله "ربنا ياخده".. فضحك الصبي من بلاهتي وعلم أنني فريسة سهلة وراح يستعرض معلوماته.. وقال: ياعم الحاج أحمد حسنين مات من زمان.. فقلت له: "أمال أنت عرفت إزاي الحكاية دي؟".. فقال: عرفت وخلاص. ومضيت في بلاهتي "واستهبالي" وسألته: وما علاقة أحمد حسنين باشا رمز الفساد بالنادي الأهلي؟ فقال: أحمد حسنين هذا من كبار مؤسسي الأهلي.. وهو ماسوني.. وكان من كبار الأهلوية في مصر.. وكل الأهلوية هكذا.. رموز للفساد والانحراف والسكر والعربدة ومن أجل هذا نهتف: "يا أولاد صالح سليم".. وهذه المرة اعترف بأن الشاب أو الصبي نقل لي معلومة جديدة لم أكن أعرفها وهي أن أحمد حسنين باشا كان من كبار مؤسسي الأهلي وكان كبير أنصار النادي الأهلي.. وحتي الآن لا أدري إن كانت المعلومة صحيحة أم لا.. لكن الدهشة والعجب من أن هؤلاء الصبية يعرفون معلومات لا أعرفها أنا العجوز.. ويرددون مصطلحات لا يمكن أن تكون من عندياتهم.. فالمسألة إذن ممنهجة ومرتبة.. وهناك زعماء عصابات يحركون جماهير الأهلي والزمالك.. وأن هناك بروفات ومذاكرة دائمة وأساتذة من كبار الناديين يلقنون الجماهير هذه الهتافات والشعارات.. وأن هؤلاء الصبية أو الجماهير أو الألتراس أو الروابط ليست سوي ميليشيات لزعماء مافيا كبار.. ليست سوي عصي وأسلحة يتحارب بها أصحاب المصالح والمنافع في المشهد الكروي كله.. وأصبحت علي قناعة بصدق ما كان يقال من أن أحمد شوبير ومدحت شلبي وخالد الغندور ومن خفي أمره من كبار زعماء العصابات الكروية أو الميليشيات أو البلطجية الذين صاروا يسيطرون علي الانتخابات والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية ومدرجات كرة القدم. **** اختفي تماما جمهور كرة القدم الهاوي التلقائي وحل محله الجمهور المحترف أو الموظف أو الموجه الذي يتحرك بناء علي أجندة يحددها له زعماء عصابات الكرة ورجال الأعمال السفلية وإعلاميو آخر زمن.. ولا يوجد الآن أهلاوي أو زملكاوي أو إسماعيلاوي أو مصراوي أصيل.. والناس يشجعون منافعهم ومصالحهم ولا يشجعون أندية.. وقد قال لي أحدهم إن مدحت شلبي كان أهلاوياً جداً.. ثم انقلب إلي زملكاوي لأن صاحب الدكان الفضائي زملكاوي.. وكان أحمد شوبير الأهلاوي مدير دعاية ممدوح عباس رئيس الزمالك.. ومصطفي يونس الأهلاوي يعمل وفق أجندة صاحب المحل الزملكاوي.. وحسن حمدي والخطيب يديران الأهلي وحدهما ومجلس إدارة الأهلي مجموعة كومبارس "وشرابات خرج" ولا يجتمع أبدا.. وحسن حمدي والخطيب يديران الأهلي بجبن الموظف المصري المعهود حيث لا إبداع ولا مبادرات ولكن "مشي جنب الحيط" لأنهما موظفان في مؤسسة كبري.. كما يديران الأمور بعقلية رجل الأعمال وهي عقلية المواءمة.. واللعب علي كل الحبال مراعاة للمصالح والمنافع.. والموظف ورجل الأعمال إذا توليا منصباً يتطلب الإبداع والخيال والمغامرات والجرأة يفشلان تماماً.. كما فشل الوزراء رجال الأعمال لأن الخاص يغلب العام ولأن الموظف ورجل الأعمال يضحيان بمصالح الوطن أو الوزارة أو النادي من أجل مصالحهما الخاصة.. والموظف ورجل الأعمال إذا توليا منصباً عاماً فإنهما يبدآن أولاً بإزاحة أي شخص لديه جرأة وإقدام وحسم.. كما فعل حسن حمدي والخطيب عندما أبعدا كل أبناء الأهلي ذوي الجرأة والمغامرة أمثال طاهر أبوزيد وإبراهيم المعلم وأسامة عرابي ومختار.. فالمطلوب رأي واحد وصوت واحد وقرارات مانعة ومواقف رمادية.. وأناس يربطون الحمار كما يريد صاحبه ومديرون فنيون ليس لهم في الثور ولا في الطحين ومناصب تفصيل للمحاسيب. حسام وإبراهيم حسن الأهلاويان صارا زملكاويين ومن ألد أعداء الأهلي.. وهكذا فعل الجمهور الذي ينضم إلي روابط وألتراس ويتحول إلي ميليشيات لصالح زعماء العصابات.. والألتراس كيان شرير لم يتكون لصالح ناد معين يؤازره ويشجعه ويهتف له.. ولكنه قام ضد ناد آخر يشتمه ويسبه.. فروابط المشجعين تأسست علي الكراهية لا علي الحب.. تأسست علي نفي الآخر لا علي إثبات الذات. والإعلاميون أيضا ألتراس أو زعماء الألتراس لأنهم ملونون.. وألتراس الأهلي يلقي تشجيعاً من الإعلام وكذلك ألتراس الزمالك "وفي داهية الوطن وأمنه وأمانه".. وأظن وليس كل الظن إثما أن السكوت إلي حد الرضا والتشجيع لظاهرة الألتراس سيجعلها نواة لميليشيات يتطور عملها في المستقبل وتمتد من الرياضة إلي السياسة والاقتصاد والدين.. ومع الوقت سنجد أنفسنا أمام ألتراس مسيحي وألتراس مسلم.. وألتراس حكومة وألتراس معارضة وألتراس رجال أعمال.. وقد بدأ الألتراس يلعب دوراً خطيراً للغاية في الانتخابات النيابية والنقابية.. والمرشحون مثل الفضائيين والإعلاميين وأهل الرياضة ونجوم الفن يستعينون بألتراس أو ميليشيات أو عصابات من البلطجية لفرض كلمتهم وتزوير إرادة الناس وإسكات كل معارض.. بل إن الاستعانة بالبلطجية "والبودي جاردز" صارت من مظاهر الوجاهة الاجتماعية ومن علامات النفوذ والثراء. ونحن كعادتنا دوماً نحضر العفاريت ثم نعجز عن صرفها.. والميليشيات عفريت قادم بقوة من خلال الألتراس والبلطجية وشركات الأمن الخاصة والبودي جاردز.. وكل هذه الظواهر تسحب البساط تدريجياً من تحت أقدام الدولة التي ستتآكل هيبتها مع الوقت ومع نمو الألتراس أو يرقة الألتراس لتصبح حشرة ميليشيات كاملة وعفريتاً لا يستطيع أحد صرفه.. لكن المشكلة أننا غير معنيين بالمستقبل ولا بالهم العام ولا بالوطن وما ينتظره من كوارث مع تحول الألتراس إلي ميليشيات وعصبات مسلحة.. سنصبح كلنا في النار لأن الذي "حَضر" العفريت عجز عن صرفه ولأن السحر انقلب علي الساحر. **** وهناك رأي صادم ومزعج جداً سمعته من أحد العقلاء وحاولت أن أبعده عن ذهني ولكني فشلت لأني رأيت فيه منطقاً معقولاً يصعب التصدي له.. فقد قال ذلك العاقل: من الصعب أن تقنع المسطول بخطر المخدرات ومن المستحيل أن تقنع السكران بحرمة الخمر.. وكذلك من المستحيل أن تقنع مساطيل وسكاري كرة القدم بأننا مقبلون علي كارثة مع دخول الجمهور عصر الاحتراف وتكوين الروابط والميليشيات. ستون أو سبعون في المائة من مجانين كرة القدم في العالم لقطاء وأولاد شوارع أو من أسر منهارة.. وكلما ازداد عدد اللقطاء وأولاد الشوارع والمشردين ازداد الوافدون الجدد إلي عالم كرة القدم.. وقد أصبحت الأندية بالنسبة لهؤلاء أسرا بديلة.. واقبلوا علي الروابط والألتراس أفواجا ليصبحوا أعضاء في جماعة تحميهم وتعوضهم غياب الأسرة.. وهم مستعدون لفعل أي شيء تريده الجماعة وزعماؤها من أجل البقاء تحت لوائها.. لذلك نري هؤلاء مستبيعين.. وقلوبهم ميتة ويرمون أنفسهم في النار ليس حباً في ناد معين ولكن للبقاء في حماية جماعة بديلة للأسرة الغائبة أو المجهولة أو المنهارة.. أما الثلاثون في المئة فهم أناس عاديون يشجعون أندية أو فرقا يحزنون لخسارتها ويفرحون لفوزها عدة ساعات وينتهي الأمر.. وهؤلاء لا يخرجون في مظاهرات ولا يذهبون إلي الملاعب والمدرجات مثل عصابات الألتراس والبلطجية وأولاد الحرام. كرة القدم أصبحت مثل الملاجئ للقطاء والمشردين.. وهؤلاء في العالم كله أناس بلا هوية ولا دور ولا أسرة ولا كيان ولا جذور.. ويشعرون بالدونية والهشاشة ويرون في روابط مشجعي الكرة والألتراس ضالتهم المنشودة التي تتحقق من خلالها ذواتهم وهوياتهم.. ويسترزقون منها لأن الألتراس يشبه الجيش الأمريكي معظمه إن لم يكن كله من المتجنسين والمرتزقة واللقطاء وهؤلاء يزج بهم في العراق وأفغانستان لا للدفاع عن مصالح أمريكا ولكن الجيش بالنسبة لهم كيان وهوية ولقمة عيش.. وهؤلاء مثل الألتراس تماماً لديهم سادية وعدوانية ونقمة تلحظها في تلذذهم بالتعذيب والاغتصاب والتخريب والحرق والإتلاف واستخدام الألفاظ القذرة في الهتاف. وهناك ولع لدي هؤلاء الألتراس أو البلطجية بالظهور علي شاشات التليفزيون بالصوت أو الصورة وتراهم يتحدثون ويرفعون صوت التليفزيون ليسمعوا أنفسهم والكلمة المعتادة لأي مذيع: "لو سمحت وطي صوت التليفزيون شوية".. فالمسألة بالنسبة لجماهير الكرة الموجهة الآن ليست الانتماء لناد ولكنها البحث عن كيان بديل للأسرة.. والبحث عن بؤرة تنقذهم من الهامش.. والخروج إلي الأضواء ولو كانت أضواء حرائق.. وزعماء العصابات أو الألتراس الفضائيون يخصصون في برامجهم فقرات طويلة لنقل هتافات ورقصات الألتراس.. والهتافات لمدحت شلبي ومحمد نصر الدين.. ويقول المذيع: "جمهور جميل.. جمهور رائع".. فنحن بعلم أو بجهل نربي الميليشيات ونروي بذرتها لتصبح شجرة مىرة يستعصي علي العصبة أولي القوة اجتثاثها.. واتحاد الكرة الذي يحكمه رجال الأعمال السفلية يبارك ويشجع البلطجة والألتراس ليحصد الفلوس والإيرادات.. لذلك يصعب جداً اقناع هؤلاء مثلا بنقل مباراة الأهلي والزمالك في كل دوري أو كأس إلي ستاد برج العرب الذي يعف عليه الذباب.. لأن البلطجية والألتراس وأولاد الشوارع لن يستطيعوا الذهاب إلي هناك بأعداد كبيرة تدر دخلا علي أثرياء الأهلي والزمالك واتحاد الكرة. **** وكرة القدم مثل قعدة الحشيش تذيب الفوارق بين الطبقات وتختفي فيها القامات والمقامات.. فالحوار ندي بين صحفي أو طبيب مع نشال وبين قاض وحرامي إذا تعلق بكرة القدم والأهلي والزمالك.. وكرة القدم مثل السياسة العربية ليست فيها حقائق وآراء قاطعة ومواقف.. ولا يمكن الاتفاق في العالم كله علي صحة أو خطأ ضربة الجزاء.. الفريق الذي احتسبت له يراها صحيحة والفريق الذي احتسبت عليه يراها ظالمة.. والناس سواسية عندما تغيب الحقائق ويتحدث الفرقاء طبقاً لألوان قمصانهم.. والناس يقولون إن أجمل ما في كرة القدم هي أنها بلا حقائق.. لتصبح مجالاً للعاطل والباطل.. وهذه ليست مشكلتي لكن ما يؤرقني فعلاً أننا مقبلون بفضل كرة القدم وزعماء عصاباتها علي عصر الميليشيات.. حيث يختفي الفكر والحوار ويصبح كل شيء بالذراع.. وساعتها ياحلوة.. ستنظرين يمينك وشمالك فلا تجدين سوي المهالك.. وعصابات الأهلي والزمالك.. ولن يفيق السكاري من الناس إلا علي كارثة.. مهما حذرتهم.. ومهما قلت لهم.. ما قال مالك.. في خمر الأهلي والزمالك!!! نظرة ربما تتحدث إلي العرب في الوقت الضائع.. فما ركب المرء مطية أسوأ من رأسه والعرب ركبوا رءوسهم وعبوا كئوسهم.. وفقدوا وعيهم وكتبوا نعيهم لكننا مصممون علي أن "نعلم في المتبلم" رغم أنه يصبح ناسيا. وفر كلامك ووعظك.. خلاص أنا شربت كاسي فكرني باللي أنت قلته.. برضه تلاقيني ناسي ماشي في طريق المهالك ولا حد يقدر يحوشني نزلت من فوق حماري.. وركبت في العتمة راسي عربي!! [email protected] [email protected]