الذين يسعون لتحويل الانترنت الي ساحة للحرية وشفافية المعلومات. بينما يضم الطرف الثاني وزارة الدفاع الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي إلي جانب بعض أجهزة المخابرات في عدد من بلدان العالم الذين يبذلون قصاري جهدهم لتضييق الخناق علي أنشطة هؤلاء القراصنة علي شبكة الانترنت من خلال سن القوانين الرقابية إلي جانب تعقب من يشتبه في تورطه في هذه التسريبات. انطلقت هذه الحرب في وقت سابق من العام الجاري عند أعلن ويكيليكس علي موقع يوتيوب عن مقطع لفيديو يصور جنديا أمريكيا يتعمد قتل المدنيين في العراق من بينهم اثنان من صحفيي رويترز وطفلان. وكان الجيش الامريكي قد ادعي مرارا بأن هذه المعركة وقعت في إطار قواعد الاشتباك ووقام في الوقت نفسه بحجب المعلومات المتعلقة بالحادث عن وكالة رويترز. الإرهاصات الأولي وتسبب الفيديو في إثارة غضب دولي. بعد أن أظهر ويكيليكس حقيقة ما تعتبره الولاياتالمتحدة عدوا خطيرا. وشرعت دول العالم في مطالبة الولاياتالمتحدة بإجابات حول الحادث في حين بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي عملية بحث واسعة النطاق لاعتقال المتورطين في تسريب هذا الفيديو. وفي مايو الماضي اعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالي الجندي برادلي مانينج - 23 عاما - للاشتباه في قيامه بتسريب وثائق سرية بعد أن أبلغ عنه قرصان الانترنت الشهير أدريان لامو. ووفقاً لامو فقد اعترف مانينج بتسريب أكثر من 260 ألف برقية دبلوماسية سرية لجوليان اسانج. صاحب موقع ويكيليكس الذي نفي بدوره صحة هذه المزاعم. وكان برادلي مانينج قد عمل في وحدة المعلومات في الجيش الأمريكي. وهو ما جعله علي علاقة مباشرة بهذه الأسرار. وللعلم فإن هذه الوحدة هي عبارة عن خزان معلومات حقيقي. يتبادل فيه العسكريون والدبلوماسيون الأمريكيون الرسائل والبيانات. تم سجن مانينج لعدة أسابيع في الكويت. ونقل في وقت لاحق الي قاعدة عسكرية بولاية فرجينيا حيث لا يزال معتقلا. وقد يواجه حكماً بالسجن لنصف قرن. واليوم تنطلق المظاهرات المؤيدة لمانينج في شتي بقاع العالم. باعتباره بطلاً يتعين إطلاق سراحه. بل لقبه البعض دانيال اليسبرج- العصر الحديث. وكان اليسبرج المحلل العسكري الامريكي قد سرب وثائق سرية للبنتاجون عن حرب فيتنام لمراسل صحيفة نيويورك تايمز في عام 1969. الحرب المضادة وفي يوليو الماضي أطلق موقع ويكيليكس أكثر من 92000 وثائق سرية حول الحرب الأمريكية في أفغانستان. وعلي أثر هذه التسريبات كثفت وزارة الدفاع الامريكية مطاردتها لجوليان أسانج ومن حربها ضد موقع ويكيليكس. ودعا متحدث باسم البنتاجون إلي عودة الوثائق المسربة - وهي الخطوة الضرورية التي ستجعل البنتاجون - من الناحية القانونية- قادراً علي توجيه تهمة التجسس لويكيليكس في وقت لاحق. وانضم مكتب التحقيقات الفيدرالي إلي الوكالات الأمريكية الأخري في إطار برنامج يستهدف تجريم جميع أنشطة التشفير التي لا يمكن للحكومة الوصول إليها. بتكلفة تصل إلي 9 ملايين دولار. وبالتالي تجريم جميع عمليات التشفير التي قام بها ويكيليكس بحجة توفير الأمن لمصادرها. والمعني الواضح من ذلك أن الولاياتالمتحدة تريد إحكام سيطرتها علي شبكة الانترنت. قانون جديد في أواخر سبتمبر عززت الحكومة الأمريكية حربها ضد ويكيليكس مع قانون جديد لمكافحة التزييف علي الانترنت والذي يبدو وكأنه مشروع قانون لمكافحة القرصنة كما تخطط الحكومة لاتهام ويكيليكس بالتجسس. بل وتهديد وتعقب كل من له صلة بالموقع. وأثمرت المساعي والضغوط الأمريكية في القبض علي جوليان أسانج- الذي أفرج عنه بكفالة في وقت لاحق- بناء علي مذكرة سويدية بتهمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي من قبل الشرطة البريطانية في لندن. وهي الخطوة التي لاقت ترحيباً كبيراً من جانب الولاياتالمتحدة فيما أكد القائمون علي الموقع مواصلة نشر الوثائق السرية الأمريكية. انتهاك للخصوصية ولا شك أن الولاياتالمتحدة انتهكت بصورة واسعة النطاق خصوصية. وحقوق وحرية شعبها في محاولة يائسة للنيل من ويكيليكس وتكذيب الحقائق التي ينشرها. ووجدت الولاياتالمتحدة نفسها تخوض حربا مع عدو لم تكن مستعدة بعد لمواجهته حيث أصبح الانترنت دولة وأمة في حالة حرب. وتسعي الولاياتالمتحدة لاستخدام هيمنتها علي الفضاء. كميزة للسيطرة علي الإنترنت. أما دولة الإنترنت فتسعي للعكس تماما. إلي توظيف كافة إمكاناتها من أجل الحصول علي سيطرة كاملة علي العنصر الحاسم في هذه الحرب وهو المعلومات. ولذا كلما نجح ويكيليكس في نشر المزيد من المعلومات. كلما تلقوا المزيد من التهديدات. حيث تعتبر الولاياتالمتحدة نفسها تخوص حرباً لم تبدأها بينما يعتبر ويكيليكس نفسه في مهمة لتزويد شبكة الإنترنت بالحقيقة الكاملة عن العالم الحقيقي. تجسيداً لروح العدالة. علي الجانب الآخر تجد السلطات المعنية في العالم الحقيقي نفسها مهددة من قبل طرف مستقل لم يخطر علي بال أحد. الخاسر الحقيقي فلم تتخيل دولة ما أن تخض حرباً مع أمة ليس لها وطن أو شعب معروف الهوية. وهكذا تجد الولاياتالمتحدة بحكامها وقوانينها في مواجهة مع الحقيقة وفي قتال مع أولئك الذين رفعوا شعار الحقيقة والشفافية. وبالتالي يصح أن نطلق عليها معركة الأخلاقيات حيث شفافية المعلومات في مقابل المثالية. وليس هناك شك في أن الجانب الذي سيفوز في هذه المعركة سيكون الأقدر علي تحديد ما إذا كانت شفافية المعلومات قوة بناءة أم مدمرة. تأييد شعبي وبعيداً عن نظرية المؤامرة في قضية ويكيليكس أظن أن الخاسر الحقيقي في هذه المعركة هو الولاياتالمتحدة وسياستها الخارجية التي تلقت ضربة قاضية بعد أن كشف ويكليكيس عن وجهها الحقيقي وعن الأقنعة الزائفة التي تتخفي وراءها المصالح الأمريكية. ربما لن تؤثر وثائق ويكيليكس كثيراً علي العلاقات الأمريكية مع الأنظمة الحاكمة لأنهم حتماً تعرف إن لم تكن تشارك في اللعبة القذرة التي تمارسها الولاياتالمتحدة لإخضاعها وإجبارها علي تنفيذ أجندتها ولكنها حتماً كشفت الوجه الحقيقي لأمريكا أمام شعوب العالم التي هبت لتأييد ويكيليكس بعد أن وجدت فيه نافذة لحرية وشفافية المعلومات وسط أزمة المصداقية التي وسمت مختلف وسائل الإعلام العالمية. الانتقام علي حساب العدالة وبالقدر نفسه خسرت الولاياتالمتحدة الكثير من مصداقيتها في استجابتها المعيبة بشأن التسريبات. لا سيما وأنها عقدت العزم علي النيل والثأر من جوليان أسانج ورفاقه. حيث يعكف في الوقت الراهن مسئولو النيابة العامة ووزارة العدل بها علي بناء قضية محكمة ضد أسانج وكل المتورطين في التسريبات ولو علي حساب العدالة التي يبدو وكأنها تطبق علي البلدان التي تزورها وزيرة الخارجية الأمريكية وليس علي البلد الذي تمثله.