وكنا كرجال تعليم نحمل علي كواهلنا تبعات أعظم رسالة تتمثل في صياغة العقل المصري مدركين حقيقة ان التعليم هو مسألة أمن قومي وان ركب التقدم الإنساني لاهث الخطوات ليس في قاموسه لغة الانتظار ولا الاستماع إلي قصائد الفخر حول ما كان وأن تقدم الأمم مرهون بتطوير التعليم ووضع الإمكانات للبحث العلمي وان الولاياتالمتحدةالأمريكية قد احتلت المرتبة الثانية ذات يوم وقد سبقتها اليابان فانطلقت صيحة تهز أرجاءها "أمة في خطر" وصاح علماؤها: لقد هزمنا اليابان في الحرب ولكنهم الآن يهزموننا في المعمل.. حشدت الولاياتالمتحدة علماءها فوضعوا خطتهم ونفذوها كي تعود لها الريادة.. وقد عادت.. كما نتميز غيظا وطريق بلادنا نحو التميز قد صار محفوفا بالمحاذير.. معلم نمطي مع انهم تلاميذ هذا الجيل الذي حمل رسالة التنوير إلي كل بلاد الغرب.. تدريب ورقي لا يرقي إلي تحقيق التطوير المنشود.. مناهج لا تواكب التطور التكنولوجي الذي صار يحقق طفرات في كل يوم.. مجموعات تقوية مدرسية انحرفت عن تحقيق أهدافها فتحولت من اختيار إلي إجبار وشيئا فشيئا صارت دروسا خصوصية تستخدم أدوات المؤسسة التعليمية بل صارت تمارس أثناء اليوم الدراسي معامل مطورة أغلقت غطاها التراب وصارت ملاذا آمنا للعناكب تنسج فيها خيوطها.. حواسب معظمها قد صارت للفرجة يمنع فيها صاحب العهدة التلاميذ من لمسها أو الاقتراب منها.. وفي ظل عدم وجود أمناء معامل متخصصين أو اسناد عهدة الحواسب لغير ذوي الشأن صار تدريسها شفهيا كغيرها من المواد قائماً علي الحفظ.. وفي ظل كل ما مضي صار ولي الأمر المهموم بتدبير لقمة العيش لأفراد أسرته مطالبا بتدبير متطلبات الدروس الخصوصية التي تتخذ من مجموعات التقوية غطاء شرعيا.. وفي غمرة اللهاث المحموم نحو تحقيق دخل مادي لمواجهة متطلبات الحياة لم يستطع الكادر الذي تم منحه بلا شروط أن يحقق غايته بل انه فتح شهية أصحاب الضمائر الغائبة فخرج بعضهم خارج جدران المؤسسة التعليمية يزاحم الحوذي والستان والجزار في سوق الغلبة فيها لمن يملك.. راح المعلم يعرض بضاعته المزجاة وقد شروها بثمن بخس دراهم معدودات في الريف وفي المناطق الشعبية.. أما عند علية القوم فقد شروها بأموال كثيرة.. وشيئا فشيئا انحسر دور المدرسة حتي جاء الدكتور حسين كامل بهاء الدين الذي ترك كرسي الوزارة الوثير وراح يطوف أرجاء الوادي والدلتا متابعا للأداء معالجا لمرضي التلاميذ.. مهتما بكل شاردة وواردة تطرحها وسائل الإعلام أو تنشرها الصحف حول وزارته.. وفي عهده افتتحت مدينة مبارك التي ألقت حجرا ضخما في المياه الآسنة.. سعي الرجل حثيثا لكسر شوكة أباطرة الدروس الخصوصية وتحقيق العدالة في توزيع المعلمين التي جعلت مناطق الحضر تعج بهم بينما تعاني المناطق النائية عجزا صارخا.. لكن الرجل الوقور كان يقف وحيدا وقد كشرت ذئاب الدروس الخصوصية عن أنيابها بل انه حين استعان بالبرلمان كان عليه لا معه في ظل السعي لارضاء مراكز القوي النامية التي يقودها الأباطرة ولم يستطع الرجل أن يعيد توزيع المعلمين أو يحقق الانضباط بنقل رءوس الأباطرة بعيدا عن مناطق نفوذهم.. لكنها الحقيقة التي يدركها الجميع انه قد سجل اسمه في سجل التميز. ومضت سنوات عجاف تولي فيها الأكاديميون أمر اهم وزارات مصر وهي التربية والتعليم أمثال أحمد موسي ويسري الجمل لكن مراكز القوي داخل الوزارة كانت تحول دون تحقيق الآمال المرجوة.. مراكز القوي كانت قد تمكنت من التوحش واغترفت المال الحرام من ميزانية الوزارة التي صارت بالمليارات ومن أموال أخري تقدمها جهات دولية عديدة لتطوير التعليم حتي جاء الدكتور أحمد زكي بدر وزيرا سياسيا يستطيع أن يحدد هدفه وأن يستخدم وسائله. و"للحديث بقية"