لا تتقدم الأمم إلا بعقول وسواعد الشعوب.. ولا تهب الجماهير للمساهمة في التنمية إلا بوجود ما يدفعهم للعمل بإخلاص ويدعوهم إلي التفكير والابتكار والابداع.. ولن يتحقق ذلك إلا بالانتماء وحب الوطن!! لا تستطيع أي حكومة وحدها مهما امتلكت من قدرات أن تجعل الشعب يتخلي عن السلبية والراحة ويتحمس للبناء والمشاركة في المشروعات القومية.. ولكن هناك فئة تجتذب الجماهير وتدفعهم للعمل والانجاز وتشعل فيهم النزعة الوطنية وتستنهض همتهم وتذكرهم بالجذور وبالتاريخ.. ليس بالشعارات وإنما ببث روح الوطنية وإن ما يفعلونه الآن سيجني ثماره أولادهم غداً.. وسيكون مستقبلهم أفضل وستذكر لهم الأجيال ما قاموا به وستفخر بتضحياتهم. يطلق البعض علي هذه الفئة "النخبة" أو قادة الرأي وليس من الضروري أن يكونوا علماء ووجهاء وأغنياء.. ففي زمن ما كان "حلاق الصحة" و"الست الداية" هما القادة الذين يؤثرون في الناس.. وقد رأينا في فيلم "الأرض" رائعة عبدالرحمن الشرقاوي وإخراج يوسف شاهين كيف كان محمد أبو سويلم "المليجي" أكثر تأثيراً في الفلاحين من "العمدة" أو "البيه" وكانوا يسمعون كلامه ويلتفون حوله.. فأين "النخبة" الآن.. وهل تقوم بواجبها.. وهل تساعد في بناء الدولة أم أن هناك من بينهم من يضلل الناس ولا يقول الحقيقة ويبيع الوهم ويطلق الشائعات.. وهناك أيضاً من ينافق ويتزلف ويزيد من بلبلة المواطنين.. فمتي تعود "النخبة" إلي رشدها؟! دور قادة الرأي والمثقفين والمتعلمين الأخذ بيد الشعب وتأصيل ثوابت المجتمع التي تعارف عليها من آلاف السنين موجودة في "جينات المصريين" وانطبعت في وجدانهم.. وأصبحت جزءاً من شخصية "ابن البلد" التي توارثتها الأجيال.. وكانت عليها الفنون الشعبية بمختلف أشكالها بدءاً من الأمثال والأشعار والمواويل وصولاً إلي القصص والروايات والمقالات.. وكانت تنم عليها الأقوال والأفعال بل وطبيعة البشر وكان يمكن أن تعرف "المصري" من بين عشرات الجنسيات في حديثه أو رد فعله ازاء أي موقف!! ظل الفلاسفة والكتاب والمفكرون والأدباء والمثقفون أو ما يطلق عليهم "النخبة" علي مر العصور هم "المتحدث الرسمي" الذي يعبر عن صوت وضمير ووعي الأمة.. وكانوا يمثلون إلي جانب الأمهات والأباء والجدود وعلماء الدين والمدرسين خط الدفاع الأول عن "التراث الأخلاقي" الذي يمثل عقداً اجتماعياً كل حقبة ويتم صياغته في صورة عادات وتقاليد وقواعد للصح والخطأ والمسموح والممنوع. والعيب و"المسكوت عنه". وما يمكن الافصاح به فماذا حدث حتي تنقلب "النخبة" لتكون هي أول من يدمر الأخلاق ويتخلي عن المبادئ ويوهمون عامة الناس بالشيء ونقيضه في نفس الوقت؟! للأسف.. انكشفت النخبة بعد يناير 2011 وأصبح العديد من المثقفين يفعلون مثل "السوفسطائيين" الذين كانت لديهم قدرة فائقة علي الجدل ويمتلكون ناصية اللغة فيتلاعبون بعقول البسطاء ومشاعرهم بمعسول الكلام فُيخيل لمن يسمعهم أنهم يمتلكون الحقيقة ثم يغيرون في اليوم التالي إلي عكس ما اقنعوا به الناس فيصدقوهم دون مناقشة كمن سُلبت إرادته حتي جاء سقراط وأفلاطون واتهموهم بالغش وعدم الموضوعية والابتعاد عن الأخلاق!! مصر تحتاج لنخبة لا تخدع شعبها ولا تبيع الوهم وتدفع الناس للعمل والبناء والإنتاج وتعمل علي توحيد الشعب ولا تفرقه ولا تجري وراء الشائعات!! نموذج "ماكرون" .. والنظام العالمي!! الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجه رسالة للأوروبيين قال فيها إنه يتعين في هذا الظرف الذي تمر به القارة فإنه يتعين إعادة النظر والتفكير في النموذج الحضاري الأوروبي علي الصعيدين السياسي والثقافي في هذا العالم الذي تحكمه الكثير من التغيرات. أضاف ماكرون أن استفتاء الشعب البريطاني علي الخروج من الاتحاد الأوروبي درس لباقي الشعوب.. ولا يمكن السماح "للشعبويين" باستغلال الغضب من أنظمة "الاتحاد" وقوانينه التي لا تتفق معهم.. ولذلك وعد بإطلاق مشروع طموح يجعل للشعوب حقاً في مستقبلها!! يحاول الرئيس الفرنسي انقاذ ما يمكن انقاذه من الوحدة الأوروبية بعد زلزال "البريكست" البريطاني خاصة وأن "توابعه" بدأت تنتقل لتهز عدة دول أخري بعد صعود اليمين المتطرف و"الشعبويين" والانفصاليين فيها إلي الحكم.. إلي جانب ما يلاقيه ماكرون نفسه علي يد أصحاب "السترات الصفراء" إن كان نموذجه الحضاري مازال لم يتبلور بعد!! كلام ماكرون لا ينطبق علي أوروبا فقط.. ولكنه يؤكد ضرورة اصلاح الأممالمتحدة وكافة المنظمات الدولية خاصة بعد أن أثبتت النظم السياسية والاقتصادية المعروفة فشلها!! يحتاج العالم إلي نظام جديد يحقق التعاون والمساواة والتوازن الدولي واحترام خصوصية واستقلالية كل أمة وثقافة كل شعب!! فالشيوعية والاشتراكية لم تعترف بالاختلاف بين البشر فسقطت رغم امتلاكها أقوي الجيوش لأنها لم تعط أهمية لملكية الأفراد وحقهم في اختيار معتقداتهم وقادتهم... والرأسمالية تغولت فسادت فيها الاحتكارات ولم تعد تؤمن سوي بالقوي المادية وتغلبت قوة المال ولغة المصالح علي المبادئ وانتشر التفسخ والانحلال أمام تراجع القيم والأديان والروحانيات.. وقد يكون هذا سر تدافع الآلاف من الأوروبيين علي الانضمام إلي "داعش" بعد شعورهم بخواء نفسي!! .. و"العولمة" التي أرادوا فرضها لخلق "عالم واحد" وتعميم "نموذج واحد" اقتصادياً وأخلاقياً.. عن طريق منظمات للتجارة العالمية ولحقوق الإنسان سيطرت عليها القوي العظمي.. وفشلت لأنها لم تراع الظروف الاقتصادية المختلفة ولم تأخذ في اعتبارها تعدد الأديان والثقافات.. والأهم أنها سمحت للدول الكبري أن تفرض رأيها وتتدخل في شئون الدول النامية!! لا يمكن تفصيل نظام عالمي.. أو اجبار جميع الدول علي اتباع سياسات اقتصادية وسياسية واجتماعية بعينها حتي لو كان ذلك بزعم تحقيق الديمقراطية خاصة وأن الجماهير أصبحت واعية ولا تحتاج لمن يعلمها كيف تحصل علي حقوقها فقد "نضجت" ولا يوجد أي شعب "قاصر"!! "الخطيب" هل يدعو "مرتضي"!! في بادرة طيبة لجمع الشمل وتهدئة الأجواء المشحونة في الوسط الرياضي.. أعلن مرتضي منصور رئيس نادي الزمالك أنه "علي استعداد لزيارة مقر النادي الأهلي في أي وقت"!! صحيح أن كلام المستشار الذي نشرته المواقع الالكترونية أول أمس بدا فيه وكأنه يتقمص شخصية الرئيس الراحل أنور السادات حينما قال: "علي استعداد للذهاب إلي آخر الدنيا.. ومن مركز القوة أستطيع الذهاب حتي إلي الكنيست".. ولكن رغم ذلك فإن الكرة الآن في ملعب "مختار التتش".. والدور علي "الأهلي" لانهاء الاحتقان قبل بدء بطولة أفريقيا خاصة وأن "مرتضي" داعب رئيس القلعة الحمراء وقال عندما سألوني عن أفضل لاعب كرة في تاريخ مصر أجبت: "محمود الخطيب"!! ما قاله "المستشار" يمثل حسن نية وخطوة لوأد الفتنة الكروية خاصة وأنه كان يمكن أن يقول إن أفضل لاعب هو الضيظوي أو عبدالكريم صقر أو حسن شحاتة أو حتي صالح سليم وهم بالفعل أحرف في عيون من عاصروهم ولكن لا بأس من المجاملة إذا كانت ستزيل الاحتقان.. وإذا كان "مرتضي" رفع "الراية البيضاء" مثل "فانلة" فريقه فالخوف أن يدفع البعض "بيبو" للتمسك في التعامل مع المنافسين بلون قميص الأهلي!! ليس المهم أن تسود الأجواء الطيبة بين رئيسي أكبر ناديين في مصر.. ولكن الأهم أن تتوقف "الحرب الكلامية" وحملات التهييج الممنهجة التي تسود الساحة الرياضية علي القنوات الفضائية والصحف والمجلات ما بين كتائب "الاعلام الأحمر والأبيض أبو خطين".. وعلي المجلس الأعلي للإعلام أن يمارس دوره بكل حزم مع المخالفين وليس من الأهلي والزمالك فقط ولكن أيضاً من بيراميدز والإسماعيلي والاتحاد والمصري وكل الأندية وكل الإعلاميين وكل الفضائيات والمجلات دون استثناء!! لمصلحة البلد.. والتهدئة الجماهيرية في كل المحافظات.. لابد أن تسود المبادرات الداعية لنبذ التعصب ويتصدر الحكماء والعقلاء المشهد الرياضي.. علي الأقل حتي نهاية بطولة أفريقيا.. وإلا سيدفع الجميع الثمن.. ومصر أول الخاسرين!!