ظهرت علي الشاب المجتهد بوادر الإهمال . وبدأ يسرح بعيدا وهو جالس مع الاخرين علي غير عادته. ولم يعد ملبسه متناسقا كالمعتاد منه . فلفت هذا التغير السلبي صديق والده . وهكذا يكون الصديق المخلص يهتم بكل أحوال صديقه ويسعي لإصلاح المعوج منها . فاستدعي الشاب لاستطلاع أمره . وبمجرد فتح الحوار الودي انفجر الشاب باكيا : ¢لم يعد لي هدف في الحياة بعد رفض الوالدين للفتاة التي اخترتها بعقلي بتأييد من قلبي لتشاركني مشوار حياتي . والغريب أن أسباب الرفض غير مقنعة¢. واستطرد الشاب : تعرفت عليها أثناء الدروس في الثانوية العامة . ولفت نظري تدينها والذي يبدو من تصرفاتها وحديثها وملبسها . وزاد تعلقي بها بعد تخرجها في الجامعة لمشاركتها بجدية في تحمل الأعباء الأسرية بعد وفاة والدها. واختتم الشاب حديثه الباكي مخاطبا صديق والده قائلا : "ياريت كنت انت ابويا.. كانت كثير من مشاكلي انا واخواتي اتحلت .. فانت قريب منا وتفهمنا اكثر منه¢. تلك قصة واقعية لشاب اغتال أبواه أحلامه . بمصادرة حقه في اتخاذ أهم قرارين في حياته أولها نوعية التعليم الذي يريده . وثانيها الزوجة التي تشاركه حياته. ووقائع حياتنا تكشف تعرض عشرات الملايين من شبابنا للاغتيال الأبوي نتيجة اجبارهم علي العيش في "جلباب الآباء" ومصادرة حقهم الطبيعي والشرعي في الاختيار. وتمتلئ حياتنا المعاصرة بقصص فشل الأبناء الدراسي بسبب إصرار الآباء المصابين بحب الامتلاك وهيستيريا السيطرة علي أن يكون الابن طبيبا أو مهندسا أو ضابطا أو قاضيا.. الخ . ويتجاهلون رغباته الحقيقية التي تتفق مع مواهبه الفطرية . وتمتلئ حياتنا ايضا بالملايين من حالات الفشل الزوجي بسبب مصادرة حق الشباب والشابات في اختيار شريك الحياة. لذا تشهد سجلات محاكم الأسرة حالات طلاق كثيرة تقع قبل اكتمال الشهر الاول من الزواج. ومن الخطورة جدا أن يستغل الآباء الحقوق التي كفلها لهم الشرع الحنيف علي الأبناء. ويشهرون في وجوههم سلاح الوقوع في "كبيرة عقوق الوالدين" لمجرد ان يبدي الابن عدم توافق ولو محدود مع رغبات الوالدين. ويصرخون بالعبارة الشهيرة : "قلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين¢. فعدالة الخالق سبحانه وتعالي رتبت أيضا حقوقا للأبناء علي الآباء . ونقل الدكتور محمد الزحيلي في كتاب "حقوق الأولاد علي الوالدين في الشريعة الإسلامية" قول بعض أهل العلم : إن الله سبحانه وتعالي يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده. فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة علي وصية الأولاد بآبائه . قال تعالي في سورة الإسراء: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقي". وقال تعالي في سورة النساء: "يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ". وقول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم: "كفي بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول" رواه أبو داود وأحمد . يخطئ كثير من الآباء عندما يرون أن مسئولية تربية الأبناء تقتصر علي توفير الضروريات الأساسية من المأكل والملبس والمسكن والتعليم والرعاية الصحية . متجاهلين احتياجاتهم النفسية والمعنوية من عطف وحنان وتوفير مناخ الحرية الذي يسمح بالتحاور البناء معهم . لمساعدتهم في تكوين شخصية سوية قادرة علي تحمل المسئولية وتعتاد علي الأخذ والعطاء. متي يفهم الآباء أن أبناءهم ليسوا ملكية خاصة أو عبيدا لهم . وإنما رزقنا الله بهم لنحسن تربيتهم لنكون نحن وهم عبادا للرحمن نساهم في إعمار الارض.