لم تكن إسرائيل ومن يعاونها من دول الغرب يصدقون أو يتصورون أن مصر تستطيع خوض حرب تحريرية. ويعبر جيشها المانع المائي قناة السويس والمانع الصناعي الضخم الذي أقامته إسرائيل علي الضفة الشرقية للقناة خط بارليف فضلاً عن أن جيش مصر سوف يتعرض للإبادة بضخ النابالم والنار الحارقة في مياه "القناة" وفقاً لما شرحه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل وأن جيش إسرائيل مصدر غرورها سوف يتولي القضاء علي البقية الباقية من جيش مصر إن كان هناك بقية. لم يكن يتصور موشيه ديان وأركان جيشه وجنوده ورئيسة الوزراء جولدا مائير أن الجيش المصري يفكر مجرد تفكير بخوض معركة مآلها الفناء للمصريين. وأن الرئيس السادات يعقل جيداً المخاطر الرهيبة التي تنتظره إذا ما خاض حرباً أو فكر في خوضها. التقط الرئيس السادات هذا الفكر وزكاه لدي الإسرائيليين وحلفائهم. ساعد علي تصديقها بشتي الطرق. فمرة يصدر وعداً للمصريين بأن عام 1971 هو عام الحسم. وعبر العام دون تحرك أو فعل إيجابي يشير ولو من بعيد إلي الحرب ويتحمل الرئيس الثعلب كما أطلق عليه الأمريكان كل السخريات والتعليقات السخيفة والنكت البذيئة من بعض أفراد الشعب المصري. ثم يصدر قراراً بطرد الخبراء السوفييت والاستغناء عنهم ليشعر الإسرائيليون بعدم رغبته في إشعال حرب. تنطلق شائعات أخري من الناصريين واليساريين الذين كانوا يؤيدون وجود الخبراء السوفييت في الأراضي المصرية. تمضي سنة 1972 كسابقتها. ويعطي بعض ضباط الجيش فرصة السفر لأداء العمرة. وفي كل مرة تعلن التعبئة ثم الخروج منها ليتكبد العدو نفقات الاستعداد والتهيؤ للحرب ويفاجأ العدو بأن حالة الطواريء تنتهي في مصر دون عمل فعَّال. في كل تعبئة مصرية تظن إسرائيل أنها الحرب وتنشط وتستعد وتعبيء قواتها وتحشد أسلحتها استعداداً للحرب دون ظهور أي بادرة جادة لخوض المصريين حرباً مع اليهود. يختار القائد البطل ثعلب الحرب والسياسة يوماً رمضانياً والمسلمون صائمون واليهود في عيدهم عيد الغفران. وعلي خلاف ما هو معمول به ومتوقع بشن الحرب مع أول ضوء في الصباح. تتحرك قواتنا الباسلة الساعة الثانية ظهراً وخمس دقائق ليضرب الطيران المصري معاقل قيادات العدو وتدك مطاراته. وتنطلق المدفعية المصرية بعيدة المدي تصب نيرانها علي الضفة الشرقية للقناة لتمهد الأرض للجنود المشاة ويعبر الجنود الأبطال من الغرب إلي الشرق بعد أن أفسدوا مضخات النابالم التي أعدها اليهود لتحويل قناة السويس إلي جحيم لا يطاق.