ذهب أحد الأصدقاء لمراجعة عيادة طبيب في ميدان الدقي ولم يجد مكاناً لإيقاف سيارته إلا تحت الكوبري العلوي الذي يعبر الميدان. وفوجيء بالسايس يطلب منه 20 جنيهاً. وعندما أخبره أنه لن يقف سوي ساعتين أو ثلاث علي الأكثر أجابه بصوت صارم "ساعة زي عشرة.. تدفع أو تمشي". فدفع الصديق مضطراً وعندما طلب منه إيصالاً بالدفع. نظر إليه بحدة وقال بنبرة تهديد: "انت حتشتري رقبتنا بالعشرين جنيه بتاعتك خدها وامشي" واضطر صديقي المحترم لكتم غيظه للمرة الثانية مما رفع ضغط دمه المرتفع أصلاً ليفقد توازنه وينقله بعض المارة إلي أقرب مستشفي ليستقر بالعناية المركزة لعدة أيام نفس الموقف تعرض له صديق آخر في منطقة العباسية حيث تتكدس المصالح الحكومية وساحات الانتظار ضيقة مما يعطي الفرصة لاستغلال أصحاب السيارات. يتكرر هذا المشهد آلاف المرات يومياً في كل شوارع وميادين القاهرة وكل المدن الكبري والصغري في بر مصر ووجدنا أنفسنا أمام ظاهرة جديدة للبلطجة انتشرت سنوات قليلة حيث سيطرت مجموعة من العاطلين وبعض أصحاب السوابق الإجرامية علي أماكن ركن السيارات في كل الشوارع والميادين. والتي كان الوقوف فيها قانوناً ومجاناً. وحددت الأسعار بشكل عشوائي ومبالغ فيه في غياب شبه تام من الأجهزة الحكومية المعنية. وأحياناً يتواطأ بعض العاملين في هذه الأجهزة معهم مقابل إتاوات يحصلون عليها يومياً أو أسبوعياً. وبلطجة ركن السيارات تعتبر جزءاً من الفوضي الكبيرة التي تسود الشارع المصري حيث تم الاستيلاء علي الأرصفة وجزء كبير من نهر الشارع من أصحاب المحال التجارية والمقاهي والمطاعم علي الجانبين بدون وجه حق ويتعمدون وضع كتل خرسانية أو حواجز معدنية لاقتطاع المساحات التي أمامهم. ولم يتبق من مساحة الشارع سوي أمتار قليلة لمرور المركبات أما المشاه فلم يعد لهم مكان يسيرون فيه إلا وسط تلك المركبات مما يعرّض حياتهم للخطر.. ونسمع ونشاهد يومياً حوادث قتل وإصابة المشاه الأبرياء دهساً بالسيارات والتكاتك والموتوسيكلات والتروسيكلات. مما وضع مصر ضمن أعلي الدول في حوادث السيارات في العالم. فوضي الشوارع تؤدي إلي الازدحام وبالتالي أضرار اجتماعية وأمنية واقتصادية يقول الخبير الاقتصادي الراحل الدكتور صلاح جودة: "خسائر مصر من جراء الفوضي في الشارع تصل إلي 3.5 مليار جنيه سنوياً. وأن ضبط إيقاع الشارع هو الخطوة الأولي والأهم من أجل جذب السياحة والاستثمارات الأجنبية فالوقت بالنسبة للمستثمر الأجنبي الوقت يعني المال". وفوضي الشارع لا تتوقف علي التعدي علي رصيف نهر الشارع بل تشمل التلوث بكافة أشكاله السمعي والبصري والجوي وأكوام الزبالة المنتشرة في كل مكان. وأخطرها سلوكيات البلطجة التي لا تراعي ضميراً ولا يردعها قانون. عودة الوجه الحضاري للشارع المصري ضرورة حياتية. وهو أمر ليس صعباً. يحتاج فقط لجدية واستمرار حملات الأجهزة المعنية ولا يخصص لحملة الانضباط أسبوع أو شهر أو حتي عام بل تكون مستمرة تنفذها دوريات متحركة علي مدار الساعة. وتواكبها حملة إعلامية واسعة لغرس الوعي. وعملية تعليمية لتربية الأطفال والشباب علي احترام الشارع وكل الممتلكات العامة.