أعتقد أن الحديث عن إصلاح المشاكل الهيكلية للمؤسسات الصحفية القومية في حاجة إلي بحث فني أكثر عمقاً مما يحدث حالياً. لأننا أمام صناعة ضخمة. يجب الحفاظ علي استقرارها دون إغفال حق الدولة في أن تطمئن إلي جدوي الانفاق الذي تقدمه لها. وهذا يستلزم الخوض التفصيلي في أدق مشاكلها ومراجعة أداء إدارات التوزيع والإعلانات والمطابع. وضرورة أن نصل إلي نقطة التوازن التي نستطيع أن نحدد عندها مجال التعاون ودمج الأنشطة المتشابهة. وأن نحدد أيضاً النقطة التي لا يمكن تجاوزها فيما يتعلق بالمنافسة بينها. خاصة أن قرار التوزيع والطباعة يرتبط بشكل وثيق الصلة بهوية كل صحيفة وما يتخذ من قرارات تدفع صحيفة لانتظار حدث معين قد لا تنتظره صحيفة أخري.. الأمر الذي يجعل توقيتات الطباعة والتوزيع تختلف من مكان لآخر ولا يمكن الحديث عن توحيدها. نضرب مثالاً علي ذلك بتجربة الكاتب الكبير الأستاذ محسن محمد عندما تولي رئاسة تحرير الجمهورية مارس 1977 حيث اعتمدت تجربته للتطوير علي فكرة التوزيع الليلي المبكر مما جعل "الجمهورية" ترتبط في ذهن القارئ حتي هذه اللحظة بأنها أول صحيفة تطرح في الأسواق ويستطيع القارئ أن يصل إليها قبل غيرها ليلة الصدور... وأسفرت هذه التجربة عن زيادة معدلات توزيع "الجمهورية" بنسب تتراوح ما بين 20- 25%". في بعض الأحيان قد تضطر إدارة التحرير لايقاف دوران المطبعة لإجراء غيار سريع في الصفحات لنشر نتائج مباراة معينة وهذا الأمر يهم "الجمهورية" بشكل خاص لأنه يتسق مع طبيعتها كصحيفة شعبية تولي اهتماماً كبيراً بمواد الرياضة والفن والحوادث. وربما يختلف الأمر في الصحف الأخري.. وكل هذا ينعكس علي تشغيل المطابع وحركة التوزيع التي يرتبط عملها ارتباطاً وثيقاً بالقرار التحريري. غير أن ذلك لا يمنع من بحث مجالات التعاون لضبط النفقات فيما يمكن التنسيق فيه. خاصة أن الفكرة ليست وليدة اليوم. بل كانت مجالاً لاهتمام الدراسات الإعلامية منذ أكثر من 40 عاماً وتحدث عنها الدكتور صليب بطرس في كتابه إدارة الصحف الصادر عام .1974 كما تحدث عنها الدكتور محرز حسين غالي في كتابه: "صناعة الصحافة في العالم.. تحديات الوضع الراهن وسيناريوهات المستقبل" حيث أوضح أنه بعد تأميم الصحافة سنة 1960 انفردت كل مؤسسة صحفية باتخاذ القرار الخاص بالاستثمارات التي تتلاءهم مع احتياجاتها وحدها دون النظر إلي المستوي الجمعي. وكان من شأن ذلك أن تكررت عناصر الاستثمارات المادية والبشرية بعدد المؤسسات. فشمل التكرار: الأراضي والمباني والآلات والمطابع وهي طاقات غير قابلة للتجرئة في لغة الاقتصاديين. ولا يمكن أن تحقق وفوراتها الاقتصادية إلا بالإنتاج الكبير الذي لم تصل إليه أي حال مؤسسة صحفية مصرية واحدة. الواقع الحالي للمؤسسات تجاوز ذلك. لأننا أمام كيانات أقيمت بالفعل وانفقت عليها الدولة.. والحديث متصل.