تجري في الفترة الأخيرة تطورات إيجابية مهمة في العلاقات بين دول الرباعية العربية : مصر السعودية الإماراتوالبحرين. كل علي حدة. مع العراق. وهي تجري ما بين أزمة وانفراجة. أزمة قطر مع دول الرباعية. وانفراجة في الحرب ضد تنظيم "داعش" في العراق اقتربت من لحظة التتويج بتحرير كامل التراب العراقي من بقايا هذا التنظيم. ربما تكون هذه التطورات الإيجابية متفقاً عليها بين دول الرباعية. وربما تكون مبادرات فردية طبيعية من كل دولة منها. توافقت تلقائياً في التوجه والتوقيت. وربما يكون لهذه التطورات علاقة بالأزمة القطرية. وربما لا يكون. لكن المؤكد أن لها علاقة بالهزائم التي تعرض لها تنظيم "داعش" في العراق. حيث بدأ العراق. نتيجة لها. يفكر ويخطط لمرحلة إعادة الاعمار. التي تتطلب شركاء موثوقاً بهم من الشعب العراقي وحكومته. كما أنه. من المؤكد أيضا. أن جزءا من هزائم "داعش" في العراق. وما سيتعرض له التنظيم أيضاً في سوريا. راجع إلي عدم قدرة قطر علي تحرير دعمها المالي للتنظيم. ولغيره من التنظيمات والجماعات الإرهابية. في ظل المقاطعة العربية التي كشفت للعالم هذا الدور القطري بالوقائع والوثائق. مظاهر هذه التطورات الإيجابية المهمة. في العلاقات بين الدول الأربع والعراق متعددة ومعلنة. 1⁄4 مصر.. تحظي بأفضل علاقات مع العراق. حكومة وشعباً. ربما منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام .2003 التواصل بين الدولتين علي أعلي مستوي. سواء من خلال الاتصالات الهاتفية. أو الزيارات المتبادلة بين المسئولين. أو في اللقاءات في المحافل الإقليمية والدولية التي يتواجد فيها مسئولو البلدين. والعراق. حكومة وشعباً. يحجز لمصر دوراًً رئيسياً في خطط إعادة الإعمار. استنادا إلي تاريخ طويل من التفاعل الرسمي والشعبي بين البلدين علي كل المستويات. وفي كل المجالات. 1⁄4 السعودية : قامت بمبادرة غير مسبوقة. تكشف عن ذكاء سياسي. حين وجهت دعوة ملكية إلي السياسي العراقي المرموق "مقتدي الصدر" زعيم التيار الشيعي الصدري لزيارتها. واستقبلته علي أعلي مستوي. وأجريت مباحثات مهمة استهدفت تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات. 1⁄4 الإمارات : قام ولي عهدها بزيارة بغداد. والتقي أيضاً مقتدي الصدر. واتفق الجانبان أيضاً علي تعزيز علاقات البلدين. 1⁄4 البحرين : تسير في نفس التوجه. وأول أمس فقط. كان رئيس البرلمان العربي. الدكتور مشعل السلمي في زيارة لبغداد. وألقي خطاباً مهاماً أمام البرلمان العراقي. وأقول مهماً. لأنه وضع الإطار العام لما يجري من تطورات إيجابية في العلاقات الخليجية والعربية مع العراق. فقد شدد الدكتور مشعل علي ضرورة تعزيز العلاقات الوثيقة والاستراتيجية بين العراق وجواره ومحيطه العربي. وبينه وبين كافة الدول العربية لتصل إلي أعلي المستويات. ولتحقيق عودة العراق لمكانته وقوته ومركزه التاريخي علي المستوي العربي والإقليمي والدولي كأحد أهم الركائز الأساسية للبيت العربي. رسالتان بالغتا الأهمية. تحملهما هذه التطورات الإيجابية في علاقات دول الرباعية العربية بالذات بالعراق. الرسالة الأولي هي استعادة العراق إلي محيطه العربي وهويته القومية. ودوره التاريخي بعد سنوات طويلة من الاختطاف والتغييب. قضاها شعبه مقاتلاً ضد غزو دولي واحتلال جري خلاله تفكيك أوصال الدولة ومؤسساتها وتسريح جيشها وشرطتها وأحزابها. ومحاولة إعادة صياغتها وفق أسس مختلفة قاوم العراقيون كل ما يتعارض منها مع إراداتهم. ثم سنوات من الحرب ضد الإرهاب. من تنظيم القاعدة إلي تنظيم داعش وما يتفرع عنهما من جماعات وفصائل. حروب أنهكت الوطن والشعب. وحاولت تغيير هويته والعبث بكيانه. لكن صلابة العراقيين تصدت لها. حتي اقتربت بسفينة البلاد اليوم من شاطئ الأمان. وشاطئ الأمان للعراق هو محيطه الخليجي والعربي والإقليمي. ومبادرات الدول الأربع : مصر السعودية الإماراتالبحرين فتحت الحضن الخليجي والعربي للعراق العائد بعد غياب. وعززت ثقته بأنه في الاتجاه الصحيح. وأن مقاومة شعبه. لم تحم فقط أرضه من السقوط أو الضياع. وإنما ساهمت أيضاً في حماية محيطه الخليجي والعربي من ذلك. 1⁄4 الرسالة الثانية. موجهة في تقديري إلي إيران. ومنها إلي المجتمع الدولي. تريد دول الرباعية العربية. وهي تتعامل مع القيادات الشيعية في العراق. أن تقول لطهران وحكامها الآتي : 1 إن العراق عربي.. كان وسيبقي كذلك. تحت أي نظام حكم يختاره شعبه. وبأي قيادات تتولي مسئوليته. 2 إنه لا خلاف مع الشيعة كمذهب أو تيار ديني.. ولكن الخلاف علي السياسات والتوجهات أما الاختلافات المذهبية. فحلها يكون بالحوار. وفي إطار الدين الواحد الذي يجمعنا. والرسالة السماوية التي نلتقي علي الإيمان بها. 3 إنه حين تطلب دول الرباعية العربية من قطر مثلا خفض علاقاتها مع إيران. فليس لأن إيران دولة شيعية أو يحكمها شيعيون. ولكن لأن لإيران ولحكامها أطماعا إقليمية معلنة في دول الجوار الخليجية وفي الدول العربية. وأنهم يسعون إلي تحقيق هذه الأطماع من خلال "تصدير الثورة". ودعم الجماعات المحلية المسلحة. والتدخل في الشئون الداخلية بهذه الدول. ويتخذون من قطر "رأس حربة" في تنفيذ هذا المخطط. بل إن أصل الأزمة القطرية هو السياسات وليس الأشخاص. فكل ما طلبته دول الرباعية العربية من قطر هو التوقف عن سياساتها الداعمة للإرهاب. الممولة لجماعاته. الساعية من خلاله إلي تخريب وإسقاط الدول والتدخل في الشئون الداخلية للشعوب. لم تطلب الرباعية تغيير النظام الحاكم. ولا سعت إلي فرض مطالبها بالقوة العسكرية أو لوحت بذلك. وإنما هي تسعي فقط لحماية أمنها القومي والأمن العربي من سياسات تطبق مخططات وأجندات أجنبية من خارج العالم العربي ضد شعوبه ودوله. ولا أظن أننا في حاجة إلي أمثلة لتأكيد أن الخلاف دائماً علي السياسات. وليس علي المذاهب أو القيادات. إيران بلد شيعي من قبل الثورة الإسلامية التي قادها الخميني عام 1979 ومن بعدها.. وكانت بين أسرة الشاة الحاكمة في طهران علاقات مصاهرة مع الأسرة المالكة في مصر قبل ثورة يوليو .1952 كما كان شاة إيران صديقاً للرئيس السادات. وقامت إيران بقيادته بدور مشهود إلي جانب مصر في حرب أكتوبر. حسن نصرالله زعيم حزب الله الشيعي في لبنان شخصية سياسية مقدرة.. وحزبه. حين كان حزب مقاومة ضد الإسرائيليين كان موضع تقدير للجميع. ولم تتغير النظرة إليه إلا حين تحول إلي حزب يبعث من لدنه بمن يهاجمون السجون المصرية ويطلقون سراح من ارتكبوا جرائم في حق المصريين. وينفذون أجندات غير عربية. الخلاصة. أن التطورات الإيجابية في علاقات الرباعية العربية بالعراق شعباً وحكومة وقيادة تصب في صميم المصلحة القومية العليا. تعيد العراق للعرب. وتعيد العرب للعراق. وتوجه رسالة إلي كل من يحاولون ليّ الحقائق وتضليل الشعوب بأن محاولاتهم مكشوفة.. ومرفوضة.