أجلس كثيراً مع أحبابي وأصدقائي الكتاب. فألاحظ تذمراً من هذا الكاتب أو ذاك. حين يمنع له مقال من النشر. أو يطرأ عليه تعديل. أو يحذف منه شيء..! هذه الشكوي المستمرة فتحت لي مجالاً للتداول. أو طريقاً للنقاش. لمعرفة ما إذا كان القصور من الكاتب الحبيب أم من الرقيب الحسيب..؟! لست صحفياً - وان مارست الصحافة ردحاً من الزمن - ولست منظراً - وإن كنت أحب التنظير بعيداً عن مطبخ المقال - ولكنني حفظت شيئاً من شيخي الكاتب السعودي "عبدالعزيز الخضر". حين أهداني حكمة ذهبية بقوله: إذا منعت الصحيفة مقالاً من النشر. فإن ذلك يدل علي ضعف الكاتب..! حسنا لنخصص العام.. اشتكي إلي كاتب كريم قائلاً: تصور يا أحمد إنني كلما أرسلت أربعة مقالات لصحيفتي نشروا واحداً واعتذروا عن نشر البقية. فما رأيك..؟! قلت له علي الفور: أنت مثل لاعب كبير موهوب بحجم "محمد نور". أو "محمود كهربا" ولكن بين كل مباراة وأخري تحصل علي "كارت أحمر"..! فقال لي أوضح لي ما تقصد من فضلك..! قلت له: إن فهم الخطوط العامة للدولة. وإدراك شبكات الفهم لدي القراء. واستيعاب دوائر العرض وخطوط الطول في جغرافيا المجتمع. ومعرفة شهيق وزفير الصحيفة ونفسها. جزء من مهارات الكتابة والكاتب. مثلما ان سيطرة لاعب الكرة علي انفعالاته. وإلمامه بقانون وأنظمة رياضة كرة القدم. جزء لا يتجزأ من براعة اللاعب. واحترامه لقرارات الحكم. مهما كان تقديره خاطئاً. الأمر الذي يجعلني ألقي باللائمة علي الكاتب حين يخفق في تمرير مقال. أو نشر فكرة. فمن السهولة ان يكتب الكاتب مقالاً كله صراخ وهجاء وشتم. لتجد الصحيفة نفسها مضطرة للاعتذار عن نشره. ولكن المنع - هنا - ليس لخطورة المقال وذكاء فكرته. بل لسخافته. وغباء كاتبه الذي لا يعرف عن الموضوعية إلا ما يسمعه في "المقهي". من أشخاص غير موضوعيين. ومن جهة أخري ليست البراعة في قلة الأدب والتبجح. وليست في الوقوف أمام الحاجز. بل البراعة كل البراعة في التمايل مع الريح. وفق حركة الأغصان. والتماهي والمرونة مع ذات السيمفونية التي يطرب لها الرقيب. فهو ليس كائناً فضائياً. بل هو ابن المهنة ويعرف عنها أكثر مما يعرف الكاتب..! الغريب - في الآونة الأخيرة بدأنا نشعر ان بعض الكتاب يحاولون افتعال أهمية لأنفسهم. من خلال تعمد استفزاز الرقيب. واختبار صرامته بمقالات تسيء لسمعة الصحافة بتفاهتها. فتجد أحدهم يجلس في المساء مع أصدقائه قائلاً: تصوروا ان الصحيفة منعت مقالي - رغم ان هذا الكاتب يدرك - جيداً - ان فوائد مقاله لا تختلف عن الفوائد التي يستمدها من "لي الشيشة" الذي يحشره في فمه..! في آخر الناصية أقول: ان العجز عن تمرير الفكرة. هو قصور وإفلاس في بنك اللغة. فالأمر - في أبسط صوره - مثل التاجر الذي كلما كان يملك من السيولة الكثير. كلما كان يستطيع الشراء. والكاتب كالتاجر كلما كان مخزونه وثراؤه اللغوي كبيراً. استطاع ان يمرر الفكرة حتي لو كانت مستحيلة المرور. صعبة الظهور. عصية علي العبور..!