تباينت آراء الرجال القانونيين حول قوانين التصالح بجرائم الفساد. منهم من يري أنها تفتح باب الفساد علي مصراعيه بسبب عدم ردع مرتكبي جرائم الاستيلاء علي المال العام بل وتقنن أوضاعهم بينما يؤكد البعض ان تلك القوانين بمثابة طوق النجاة للاقتصاد نظرا لتدفق الأموال المنهوبة علي خزانة الدولة عند التصالح مع المخالفين. الدكتور عبدالرحيم صدقي - أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة - يرفض مبدأ التصالح في الجرائم الجنائية عموما قائلا: الجريمة الجنائية لها طابع خاص يختلف عن أي جريمة أخري سواء كانت مدنية. تجارية. إدارية أو دولية فالجريمة الجنائية بوجه عام ذات طابع وطني قومي يصل ضررها للنظام والآداب العامة. بخلاف الضرر المدني التجاري أو الدولي أو الإداري لذا يفرض القانون عقوبات رادعة لا هوادة فيها ويتصفح قانون العقوبات لا نجد نصا واحدا أجاز التصالح لذلك يعتبر أمرا شاذا وليس استثنائيا فقط لأنه يخالف فلسفة قانون العقوبات مشيرا إلي ان اتجاه الدولة بالعدول عن عقوبة الحبس في جرائم الفساد مع الاكتفاء بالتغريم عملا بمبدأ السياسة الجنائية بأن الغرامة تفيد الدولة وتصب في خزانتها العامة كمورد مالي علي عكس السجن الذي يضر بالدولة وليس بالمتهم فقط نظرا لتكاليف تنفيذ العدالة ولهذا فلا يصح قانونا أن نقر بالتصالح كمبدأ سواء في الجرائم ذات الطابع المالي كالفساد والرشوة أو أي جرائم أخري. وقد ناشد صدقي المشرع بضرورة تجنب التصالح أو العفو عن المجرم السياسي أو المالي علي وجه الخصوص نظرا لفداحة الجرم الذي ارتكبه في حق المجتمع بأسره فذلك المجرم لم يرتكب جريمة خاصة في حق أشخاص بأعينهم يمكنهم العفو عنه أو التصالح معه مؤكدا ان ذلك يفتح الباب علي مصراعيه للعفو عن الكثير من الجرائم ولو أجيز ذلك لتضرر المجتمع بشكل يفوق النفع الذي سيعود من جراء ذلك التصالح فمن أمن العقوبة أساء الأدب كما أن الحكومة لا تمتلك حق التنازل عن عقوبة العابثين بمقدرات وأمن الوطن الداخلي سواء بالفساد أو الرشوة أو الخارجي كالجواسيس والخونة فكلها صور للاعتداء علي الدولة ويجب التصدي لها بكل قوة بدلا من مساعدتهم وتقنين أوضاعهم كما لا يليق ذلك بدولة رفعت شعار سيادة القانون وسلامة الوطن فوق كل اعتبار فمن يطالب بالتصالح إما أنه يجهل بالعدالة أو انه يضرب بها عرض الحائط. وينفي الدكتور نبيل سالم - أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس - وجود ما يسمي بقوانين التصالح في المنظومة التشريعية المصرية جمعاء مؤكدا علي انه تم استحداث بعض القوانين الخاصة التي أجازت مبدأ التصالح لاعتبارات وضرورات سياسية مثل قانون الكسب غير المشروع وقد حدث ذلك في الوقت الذي كان يتولي فيه المجلس العسكري إدارة شئون البلاد عقب ثورة يناير كمحاولة لاسترداد ما يمكن من ثروات وأموال منهوبة استولي عليها بعض الأشخاص ولاذوا بالفرار خارج البلاد وأصبح من المستحيل ملاحقتهم بشكل قانوني وصدر آنذاك مرسوما بقانون أجاز التصالح في جرائم المال العام أيضا أغلبها من الجنايات حيث تدخل المشرع وأضاف مادة جديدة رقم 18 مكرر جعلت من التصالح مبدءاً عاما في معظم الجنح وارتقي بذلك التصالح ليصبح أحد الأسباب العامة لانقضاء الدعاوي الجنائية رافضا القول بأن الفساد مستشري في جميع قطاعات الدولة المصرية وإطلاق وصف الفساد بالشكل الشائع يبدو ظالما ولا يتسق بالتالي مع طبيعة الشخصية المصرية مشيرا إلي أن المنظومة التشريعية وافية بقوانين التجريم والعقاب والعبرة بالجدية في التنفيذ. التصالح أفضل وعلي الجانب الآخر يدافع الدكتور صلاح الطحاوي - أستاذ القانون - عن قوانين التصالح قائلا: القانون الذي أصدره الرئيس السيسي عند توليه ويختص بالتصالح في جرائم المال العام ثم اقراره من البرلمان عقب انتخابه وبذلك اتخذ الصفة الشرعية ويتميز القانون عن الذي صدر في عهد المجلس العسكري عقب ثورة يناير المجيدة حيث نص آنذاك علي رد أصول المبالغ المنهوبة فقط دونما النظر لقيمتها الحالية بينما نص القانون الحالي علي وجوب تشكيل لجنة من الخبراء برئاسة السيد المستشار مساعد أول وزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع لإعادة تقييم الأصول والأموال المنهوبة طبقا لقيمتها السوقية الحالية عند التصالح بدلا من المحاسبة علي قيمتها عند ارتكاب واقعة الاستيلاء. كما أشار الطحاوي إلي أن القصور الذي يشوب قوانين الكسب غير المشروع بسبب عدم التطبيق بشكل فعلي علي المخالفين لانقضاء الدعاوي بمضي 5 سنوات أو سقوط الأحكام لعدم تنفيذها مما يضيع علي الدولة أموالاً طائلة لتهرب المحكوم عليهم من تنفيذ الأحكام وقد ساهمت تلك القوانين في عودة الكثير من الأموال المنهوبة في ظل الفساد الذي استشري بمصر طوال العقود الماضية لتستفيد الدولة في ظل التضخم والأزمة الاقتصادية الطاحنة معتبرا ان ذلك القانون بمثابة قراءة حقيقية وواقعية لما يحدث في مصر خاصة وأن الكثير من قوانين العقوباتل غير مفعلة والكثير من الأحكام غير نافذة وبالتالي تضيع المليارات علي خزانة الدولة.