أن الفكرة فى حد ذاتها مقبولة لان قانون العقوبات المصري قد خلا من نص التصالح في حين ان قانون حوافز و ضمانات الاستثمار قد سمح بالتصالح مع المتمين في قضايا إهدار المال العام و ذلك من اجل مصلحه الخزانة العامة للدولة و النهوض بالاقتصاد الوطني. لان هذه الخطوات تعكس رسالة إيجابية من شأنها أن تحسن صورة مناخ الاستثمار بالخارج، لان قضية المصالحة مهمة جداً في الوقت الحالي لمصر، على أن تكون في إطار القانون، وألا تسمح لفاسد أن يتجاوز القانون، وأن يراعي في المبالغ المستردة من رجال الأعمال أنها تعادل الفرصة البديلة لصالح الحكومة، والتي استغلها رجال الأعمال خلال الفترة المعنية بالتسوية. أنه يجب أن تكون عمليات التسعير في قضايا المصالحة عادلة، بحيث لا يتم المغالاة فيها أو أن يبخس حق الحكومة. و ليس من مصلحة مصر حبس رجال الأعمال في قضايا يمكن التصالح فيها، "فما يتم الحصول عليه من تعويضات يفيد الخزينة العامة لتمويل المشروعات والخدمات العامة، وفي الوقت نفسه يُسمح لرجال الأعمال أن يعاودوا ممارس أعمالهم ولكن بعيداً عن الفساد، وفي إطار دولة القانون". لان المناخ الموجود بمصر تجاه رجال الأعمال والاستثمار "مناخ معادٍ وساعدت على وجوده معلومات مغلوطة، وهذه الحالة من العداوة مع رجال الأعمال ليست في صالح مصر، والأمر يتطلب المسارعة للمصالحة مع رجال الأعمال غير المُدانين في قضايا فساد". أن الخطوات المتخذة حالياً بالمصالحة من قبل الحكومة تجاه رجال الأعمال خطوة إيجابية ولكنها متأخرة، وقد أدى هذا التأخر إلى انتشار العديد من الشائعات السلبية تجاه مجتمع الأعمال، مما أوجد صورة سلبية عن مناخ الاستثمار في مصر. إن المصالحة في القضايا المالية أو الخاصة بالكسب غير المشروع حق للدولة و طريق تنتهجه العديد من الدول لاستعاده أموالها المنهوبة والمهربة مقابل عدم توقيع العقاب الجنائي على هذه الأموال. لان توقيع العقاب الجنائي والمتمثل في تقييد الحرية (السجن أو الحبس على حسب ما يقرره القانون ) لن يفيد الدولة في شيء ولن يعيد إليها أموالها وسيستفيد منه هؤلاء المجرمون بمجرد خروجهم وكأنه ملكهم. وكانت وزارة العدل أدخلت تعديلات على قانون الكسب غير المشروع أمس تتمثل في إتاحة التصالح مع الدولة في قضايا الكسب فقط، فإذا لجأ المتهم إلى التصالح في مرحلة التحقيق فيقوم بسداد الأموال التي تربحها مرة ونصف المرة، أما في مرحلة الإحالة إلى المحاكمة فيسددها مضافا إليها مثلها، أو عقب صدور أحكام فيسددها مضافا إليها ضعف قيمتها. وبخاصة ان النيابة تتبع الآن مبدأ التصالح و التسوية في قضايا العدوان علي المال العام من اجل حصول الدولة علي كافه الأموال التي نهبت منها و تم تهريبها للخارج أو للداخل بطرق غير قانونيه و استرداد تلك الأموال و ما علق بها . لان التصالح لدينا ننظر فيه لمصلحه المال العام و الدولة فقط و ليس بصفه الشخص أو بتحديد أسماء معينه من الخصوم و ان باب التصالح مفتوح لجميع المتهمين في قضايا المال العام . وبخاصة بأن مسئولي النيابة السابقين إذا كانوا بفتح باب التصالح من قبل لاستردت مصر عشرات المرات من المبالغ المنهوبة منها حيث ان لم تستطع استرداد أي من الأموال الهرب للخارج خاصة برموز النظام السابق لان الدول المهرب إليها تلك الأموال تشترط صدور حكم نهائي بات علي المتهمين أو تقديم سند رضائي من المتهمين يوكدون فيه تنازلهم عن تلك الأموال لصالح مصر و ان فتح باب التصالح للجميع يؤكد علي عدم وجود نظريه أو منظومة التشفي من رموز النظام السابق . بأن التصالح باعتباره صفقه عامه أو بالجملة لا يوجد له أي نص في قانون العقوبات المصري بينما نجد ان قانون ضمانات و حوافز الاستثمار انه إذا كان قد ارتكب جريمة تدخل في إطار جرائم العدوان علي المال العام المنصوص عليها في قانون العقوبات يجوز التصالح مع المستثمر في تلك القضايا إذا كان وصف قيده في القضية نص علي قيامه بارتكاب جريمة العدوان علي المال العام بصفته رجل أعمال و لا يمتد تطبيق التصالح علي الموظفين العموميين .. ان فكره التصالح ليست بدعه في مصر و إنما سبقنا إليها الكثير من الدول لأنها تساير المنطق الجديد لفلسفه العقوبة الجنائية . . إذ إن الفكر التقليدي كان قائماً علي ان الجريمة تعد اعتداء علي حق المجتمع فلا يجوز فيه التصالح .. و لكن المنطق الجديد و تعاملا مع ارض الواقع أجاز التصالح على الرغم من وقوع ضرراً حقيقياً علي المال العام . وبخاصة بأن المشرع المصري اخذ بفكره الصلح الجنائي في المادة 18 من قانون الإجراءات الجنائية في جرائم ماليه و منها جريمة النصب و خيانة الامانه .. كما اخذ بها قانون التجارة في جريمة إصدار شيك بدون رصيد بل ان قانون البنوك قد اخذ بها أيضا في التصالح في المسائل المصرفية و اخذ بها المشرع حديثاً في قانون حوافز الاستثمار الذي أجاز التصالح بالنسبة للمستثمرين و رجال الإعمال . انه يجب التفريق في قضايا التصالح بين جرائم المال العام و جرائم النفس و الجرائم السياسية المؤثمة بقانون العقوبات..بالنسبة لجرائم التي تقع علي المال العام إذا ما استردت الدولة تلك الأموال بالكامل يجوز التصالح مع المتهمين فيها بما لا يخل عن تطبيق العقوبات التكميلية مثل الغرامات و الرد و العزل من الوظيفة العامة.. أما الجرائم التي تقع علي النفس "قضايا قتل الثوار " فلا يمكن التصالح فيها و علي القضاء ان يفصل فيها بتوقيع العقوبات المناسبة علي مرتكبيها بعد التأكد من ثبوت الاتهام بأدلة دامغة . و انه يمكن تخفيف مثل تلك العقوبات طبقاً للظروف المحيطة بكل قضيه علي حدي أما الوقائع السياسية فيمكن النظر فيها وفقاً لظروف كل واقعه. أن القانون المصري يبيح التصالح مع المستثمرين حيث لايعد التصالح انتهاكا لقوة القانون داخل الدولة حيث أشار إلى أن مسمى المصالحة مع رموز النظام السابق والذي رددته غالبية وسائل الأعلام هو مسمى خاطئ وملتبس، مؤكدا أن المصالحة فى الجرائم الاقتصادية من حيث الأصل مسالة جائزة ومعترف بها فى كل تشريعات العالم ولا تعد اختراع من جانب المشرع المصري . لان كافة القوانين تجيز التصالح فى جرائم سوق المال ومنها قانون البنك المركزي وقانون الضرائب وكذلك قانون الجمارك والقانون الخاص بحماية المنافسة لافتا إلى أن التصالح فى هذه القضايا يشمل أيضا الردع العقابي للمخالفين ولا يكتفي فقط بتغريمهم ماليا، مشيرا إلى حاجة الدولة إلى فض نزاعها مع المستثمرين ورجال الإعمال إنقاذا لأوضاع الاقتصاد المصري المتدهورة حيث أدت عمليات الاشتباك برجال الإعمال التي توقف العديد من المصانع وتعطل حركة الإنتاج ، ملمحا إلى ان القانون يجوز التصالح مع المستثمر ولكنه يستبعد الموظف العام من التصالح ، كما يجيز تسوية النزاعات بما يحقق الصالح العام للدولة والمستثمر . لان إنهاء تسوية الدولة مع الفطين فيما يتعلق بمشروع كايرو فيستيفال سيتي لها طابع خاص يميزها عن باقي قضايا التصالح مع رجال الأعمال والمستثمرين لان أحد البلاغات التي تم تقديمها إلى النائب العام فى أيام الثورة تم فيها اتهام المغربي وزير الإسكان الأسبق بأنه أضاع على الدولة حقوقها المالية نتيجة عدم فسخ التعاقد مع الفطيم وقد تسبب هذا البلاغ فى إصدار قرار بتحويل عمر الفطيم إلى جهات التحقيق ، لان الرقابة الإدارية أوضحت عدم وجود شبهة فساد بالعقد المبرم مع الفطيم كما أقرت الإسكان بعدم وجود مشكلات فى التعاقد مع الفطيم وأنها تلتزم بعقودها المبرمة نجاه المشروع . أن التكلفة الإجمالية لمشروع كايرو فيستيفال سيتي تجاوزت 23 مليار جنيه كما بلغت تكلفة المرحلة الأولى من المشروع 6 مليار جنيه حيث يستوعب المشروع أكثر من 9 آلاف عامل كما أن أمواله يتم ضخها بشكل مباشر ودون اللجوء إلى الاقتراض الأمر الذي يستوجب على مصر تشجيع مثل هذه الاستثمارات والوقوف بجانبها وتجنب الدخول فى صراعات متتالية معها .لان تسوية النزاعات مع رجال الإعمال المصريين والمستثمرين الأجانب هي جزء من حل الأزمة الاقتصادية للدولة وإحدى السب لاستعادة الدولة لحركة العمل والإنتاج مرة أخرى بالإضافة إلى تهيئة المناخ لزيادة فرص العمل الفترة المقبلة. ** كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية