خلال الأيام القليلة الماضية أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي والحكومة حزمة قرارات اقتصادية لم تجرؤ اي قيادة سياسية في هذا البلد منذ انشاء مصر الحديثة علي اتخاذ مثلها. فمن تحرير سعر الجنيه الي رفع اسعار البنزين ومشتقاته بنسبة تتراوح بين 35و45% مرورا بتطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد وانتهاء بالبدء الفعلي في تنقية الكروت الذكية تمهيدا لرفع الدعم الكامل عن غير مستحقيه الذي يكلف الدولة ما يقرب من ثلث الموازنة العامة مع ابقائه علي الطبقات الأدني دخلا. كل تلك القرارات وأكثر تم اطلاقها في اقل من 48 ساعة. لم يتذمر ابناء الشعب.. بل شعروا لأول مرة ان هذا هو قدرهم وانهم يجب ان يقفوا مع هذا البلد اذا ارادوا العيش فيها بكرامة ومستقبل واعد لاجيالهم المقبلة. لاشك ان الدولة تحملت أكثر من طاقتها منذ بدء تطبيق قوانين الاشتراكية في مطلع الستينيات من القرن الماضي. واذا كانت هذه الخطوة مقبولة في وقتها عندما كان تعداد مصر لايتجاوز ال20 مليون شخص. فان طبائع الأمور تتطلب ضرورة إعادة النظر فيها خاصة انه بمقتضي تلك القوانين فقد تحولت الدولة الي حاضنة لكل مواطن حيث تتكفل به منذ مولده وحتي وفاته علي كافة المستويات التعليمية والصحية والعملية وفي وقت ما ايضا توفير السكن المناسب له. وهذا لايحدث في أي دولة علي مستوي العالم سواء كانت تتبع النظام الرأسمالي أو الاشتراكي. فضلا عن ان مصر في تلك الفترة كانت تخطو أولي خطواتها نحو نيل الاستقلال بعد الاحتلال الذي ظل جاثما علي صدرها أكثر من 70 عاما ايضا كان عليها ان تواجه الخطر المتربص بها في الشرق والمتمثل في اسرائيل. بالاضافة الي دورها في دعم حركات التحرر الوطني في افريقيا وبعض دول اسيا. كل هذا كان يمثل عبئا كبيرا علي اقتصاد مصر النامي. وما زاد من الازمة هو الموروث الثقافي والسياسي الخاطئ الذي أفقد العمل قيمته. وبالرغم من ان الكثير من الاغاني الوطنية كانت تحث علي العمل. الا ان الحقائق علي الارض كانت عكس ذلك تماما. فكان من العيب ان يعمل الطالب وهو في كنف ابيه. وكانت هناك نظرة يشوبها الكثير من عدم الاهتمام للشخص الذي يعمل في مهنة يدوية او الطالب الذي يفشل في الالتحاق في احدي كليات القمة. وهو ما ساهم بشكل كبير في اسقاط قيمة اي عمل يبتعد عن كرسي الوظيفة الحكومية. اكثر من 40 عاما.. وهذه الدول تتحمل اعباء لا قبل لاي حكومة أو نظام ان يتحملها. وكان من المحرمات علي اي مسئول الحديث في رفع الدعم او الغاء التعيين في الحكومة وغيرها من التابوهات التي كان علينا ان نواجهها بكل قوة وحزم. نحن دولة يعيش تحت سمائها اكثر من 95 مليون مواطن. دينها العام اصبح 100% من حجم ناتجها القومي. طاقتها الانتاجية مازالت تبحث عن فرص حقيقية للانطلاق. جهازها الحكومي متخم بما يقرب من 7 ملايين شخص بالرغم من انه فعليا لا يحتاج من هؤلاء السبعة سوي 3 ملايين فقط. او اقل اذا تم استخدام التقنيات الحديثة. حجم الخريجين من الجامعات يزيد علي احتياجات سوق العمل بما يقرب من 7 اضعاف. ما سبق ليس دعوة لاغتيال فقراء هذا الوطن بل علي العكس يجب حمايتهم وتقنين اوضاعهم وتأمين مستقبلهم من خلال مظلة تأمينية حقيقية تضمن وصول الدعم لهم وليس لغيرهم. الدولة خلال الايام القليلة اثبتت انها قادرة علي مواجهة تابوهات الماضي وتحديات اللحظة الراهنة والمستقبلية. وعندما وجدت ان القرارات المصيرية حان وقتها لم تنتظر حتي يمر يوم 11 نوفمبر المزعوم. ولكنها وبكل صدق اكدت انها اقوي من المزاعم والفتن. وفي اللحظة الموعودة قررت اظهار قوتها وعافيتها.. اللهم أنصر مصرنا.