كلما تطهر تراب الوطن بدم شهيد جديد. من قواتنا المسلحة أو من رجال الأمن أو من المدنيين. أتذكر قصيدة شاعر فلسطين "أبوسلمي" عن "الشهيد" العقيد السوري عدنان المالكي. وأعزي نفسي وأهلي بختام هذه القصيدة: "كنت رمزا للجيش والجيش رمز الشعب والشعب خالد لا يبيد". ثم أستعيد صور القتلة والإرهابيين وأعود إلي أبيات لا أنساها: أيها المهِدر الدم العربي السمح. ما تبتغي.. وماذا تريد؟! كُنت ظلف المستعمرين علي الشعب وخلف المستعمرين اليهود أيها الحاملون ألوية الأعداء شلت سواعد.. وزنود يا ذنابي المستعمرين!.. مضي الليل وقد أشرق الصباح الجديد أي قربي وبيننا من دم الأحرار عند الحساب.. بيدى وبيد ومُلانا حريةى ونضال ومُلاكم سلاسل وقيود نحن حرب علي الطغاة وأنتم شهد الله سيد وحسود تهدمون الأمجاد في الوطن الغالي ونبني أمجاده ونشيد وتسيرون في الظلام ونمشي عنه والفجر والدم المرصود ألا تصدق هذه الأبيات علي شهيد الجيش والشعب العميد أركان حرب عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة المدرعة الذي حمل في حياته وعمله راية الإخلاص والإتقان. فدفع مثل كل شهدائنا الأبطال دمه الغالي فداء لهذا الوطن. لذلك هز نبأ اغتياله كل مصري ومصرية في قلبهما ذرة من وطنية ومن حب الوطن.. ولكن هذه الهزة الوطنية المحمودة غير كافية وحدها. يجب أن يتحول الحزن علي الشهيد ويتحول الألم لفراقه إلي نار ونور. نار علي القتلة الإرهابيين وعلي كل من يساندهم أو يمد يد العون لهم. أو يدعو إلي الصلح معهم. فبيننا وبينهم دم وفراق "وبيد وبيد". ودم الشهيد في هذا الظرف نور وشعلة ونموذج للاقتداء به في الفداء وفي العمل بإخلاص. وفي العرق والسهر لحماية كل ذرة من تراب هذا الوطن. وللقسم بتوثيق العلاقة بين الجيش وشعبه. وتأكيد تطبيق الشعار الذي يجب أن يخفق في كل الربوع والديار "الجيش والشعب إيد واحدة.. وحنكمل المشوار". ذلك هو الوفاء الحق لدم الشهداء. وهو خلاصة تاريخ الوطنية المصرية. من الفراعنة إلي اليوم. وإذا كان الجيش هو سيف الشعب ودرعه. فإن الشعب هو سور الحماية والدفاع عن وحدته مع جيشه. وقد احتفلنا في يوم الاثنين الماضي - 24 أكتوبر - بيوم السويس. وفي 23 ديسمبر المقبل نحتفل بذكري انتصار بورسعيد وخروج المعتدين البريطانيين والفرنسيين في 1956. والمعركتان معا نموذج حي لما نتحدث فيه عن وحدة الشعب والجيش في رابطة وثقي.. تتعزز وتقوي كلما ودعنا شهيدا. وآلينا علي أنفسنا ألا نقف حدادا ولا نتقبل عزاء إلا حين نكمل رسالة شهدائنا في القضاء علي الإرهابيين واستئصال جذور الإرهاب وطوابيره النائمة. وأذنابه. ممن "يهدمون الأمجاد في الوطن الغالي. ونبني أمجاده ونشيد". ومع هؤلاء لا مصالحة ولا مهادنة إلا أن يستسلموا ويعترفوا بخطاياهم. ونتأكد أنهم لن يعودوا إليها. وسلام علي العميد عادل رجائي في الخالدين. وعزاء خاص وحار للزميلة الأستاذة سامية زين العابدين ألهمها الله الصبر. ولدي ثقة مما قرأت عنها. أنها ستكون مثلا وقدوة في صلابتها لكل مصرية تودع شهيدا: زوجا أو ابنا أو أخا أو والدا. وإننا لمنتصرون بفضل وحدتنا وصلابتنا ومواكب الأحياء عند ربهم يرزقون. "اليونسكو" وقرار تحرير القدس لم تتخذ منظمة اليونسكو قرارا بتحرير القدس من الاحتلال الإسرائيلي. فهذا ليس من سلطاتها ولا في إمكانها. ولكنها اتخذت في أكتوبر الحالي قرارا مهما في صياغته ومضمونه وتوقيته ورمزيته. أما ما هو أكثر وأبعد من ذلك فهو مسئولية الشعب الفلسطيني والأمة العربية. فهما معا المسئولان أولا وأخيرا. وقبل أية قوة أخري إقليمية أو دولية. عن تحرير المدينة المقدسة ومقدساتها وطرد العدو الصهيوني. أما ما قيل من أن قرار اليونسكو جاء في زمن التراجعات بل والتنازلات الفلسطينية والعربية. وأنه لن يوقف الاعتداءات الإسرائيلية علي المسجد الأقصي وغيره. فإنه خروج عن النص وتحميل للقرار ولمن أصدره بما ليس من مسئولياته.. بالعكس. إن صدور مثل هذا القرار وفي هذا التوقيت وفي ظل التراجع والتدمير الذاتي العربي هو تذكير للعرب أجمعين بقضية كادوا ينسونها وبهدف كادوا ليضلونه وهو تحرير القدس الذي يمثل هذا القرار خطوة أدبية نحو إصابته. أي هدف التحرير. بكل الوسائل الدبلوماسية وغير الدبلوماسية التي تقود إليه.. ولو لم يكن في قرار اليونسكو سوي "مفرداته العربية" بدلا من المصطلحات التوراتية بشأن القدس والأقصي وحائط البراق فإن هذه خطوة جيدة في هذه الظروف. ويكاد يغلب علي الظن أن هذا أول قرار من نوعه بشأن القدس منذ قرار عصبة الأمم في عام 1930 بشأن حائط البراق. وهو القرار الذي صدر في إثر هبة البراق في 1929 التي سقط فيها المئات من العرب واليهود قتلي وجرحي. عندما حاول المستوطنون اليهود الصلاة عند حائط البراق. في حين صدر قرار اليونسكو الحالي في ظل حالة جزر عربي واضح وغرور إسرائيلي يعود بنا إلي أيام الغطرسة الصهيونية بعد النصر غير المستحق في عدوان يونيو 1967. إن الإسرائيليين اليوم يتحدثون. وفي ذكري حرب العبور العربي بمفردات وشعارات مثل تلك التي رددوها من قبل. عن: أكبر قوة في المنطقة. وأنها لن تهزم. ولا يستطيع أحد المساس بها. فضلا عن أحاديثهم المكررة عن القدس الموحدة والعاصمة الأبدية لإسرائيل. وغير ذلك كثير مما تفيض به الصحف الإسرائيلية يوميا. وفي ظل هذا التبجح والغرور يأتي قرار اليونسكو بل لطمتها التي تقرر بوضوح "الحفاظ علي التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدسالشرقية" و"اعتبار المسجد الأقصي وكامل الحرم الشريف موقعا إسلاميا مقدسا ومخصصا للعبادة" وأن "ساحة البراق وباب الرحمة وطريق باب المغاربة أجزاء لا تتجزأ منه". إن هذه التعبيرات تكاد تهز بقوة الادعاءات الصهيونية. استنادا إلي التوراة. بشأن القدس ومقدساتها. وهذا هو السبب الأساسي في رد الفعل الإسرائيلي - الصهيوني ضد هذه الصياغة. التي تفتح الباب - لمن يريد - أن يسعي ويفكر ويسهم في نزع الشرعية الصهيونية المدعاة.. وهنا يأتي دور العرب في تحمل مسئولياتهم القومية والتاريخية في العمل لتحرير القدس بكل وسيلة وبأية وسيلة ممكنة. وسلام للقدس. وتحية لمن يرفع أعلام تحريرها.