رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس خرج علينا بتصريح "ما أنزل الله به من سلطان" قال فيه إن مصر لن تحصل علي قرض ال 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي إذا لم تساهم وتمنع وقف الهجرة غير الشرعية لأوروبا. وهكذا وضعنا أنفنسا تحت رحمة هؤلاء الأوربيين في كل مشكلة تحدث في مصر ويكون لها انعكاس علي الدول الأوروبية يهددنا بوقف القرض "المتعوس" والذي كنا لا نريده علي الاطلاق لولا الحاجة الملحة للاقتصاد المصري الذي يعاني مشاكل مزمنة جعلتنا نمد أيدنا لهؤلاء الحمقي. ليست القضية هنا في قرض صندوق النقد الدولي ولكن في المأساة الانسانية والبشرية الكبري التي حدثت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية عند غرق مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين في رشيد وراح ضحيته حتي يوم أول أمس 162 قتيلاً وعدد من الجرحي ولا تزال أعداد القتلي من الغرق في تزايد مستمر.. حيث كان المركب يحمل علي متنه نحو 600 راكب.. المنظر دام للغاية عشرات الجثث ملقاه علي الأرض في انتظار سيارات الاسعاف ونقل الموتي أسر كاملة تتكون من الأب والأم والابناء راحوا ضحية الحادث وآلاف من المواطنين من الامهات والآباء والابناء والاقارب يقفون حياري ينتظرون وصول جثث ابنائهم أو الاطمئنان عليهم. المشهد مروع والفاجعة أكبر مما يتصورها عقل وأجهزة الدولة تسير في عملها ببطء كالعادة في مثل هذه الكوارث.. الاهتمام محدود والتصريحات كثيرة كالعادة والوعود اكثر والتنفيذ أقل مما هو متوقع وما يجب أنه يكون. المأساة ليست جديدة علينا فبين الحين والآخر تغرق مركب هنا أو مركب هناك حاملة عشرات وربما مئات من الشباب المصري الذي خرج من وطنه بعد أن عاني مرارة الفقر والبؤس وعدم وجود عمل مناسب يبحث عن لقمة عيش في خارج البلاد ربما تضع حياة كريمة له ولابنائه. أغلب هؤلاء الشباب يدفعون مبالغ كبيرة تتراوح ما بين 40 إلي 75 ألف جنيه من أجل السفر إلي ايطاليا وغيرها من الدول الأوروبية لعل وعسي الحظ يصادفهم ويبتسم لهم من جديد. يتعجب الشامتون علي شبكات التواصل الاجتماعي والذين أبدوا فرحتهم وسعادتهم بغرق هؤلاء الشباب وأسرهم في تشف غريب ينم علي حقد دفين ونفسية حقيرة.. يتعجبون كيف يدفع الشاب 40 ألف جنيه للسفر للخارج ومن الممكن أن يقيم بهذا المبلغ مشروعاً ناجحاً في مصر يكسب من ورائه الكثير وغاب عن هؤلاء الشامتين أن الشاب لا يملك هذا المبلغ بأي حال من الاحوال بل هو اقترضه من هنا وهناك وباع بيته ودهب زوجته واستدان لكي يسدد هذا المبلغ لسماسرة السفر للخارج أي أنه كان مديوناً ولسنوات طوبلة قادمة.. ولم يملك هذا المبلغ يوماً في يده. لا تلوموا الناس ولا تشمتوا فيما اصابهم من موت وخراب ديار فأنتم لا تعرفون ظروف هؤلاء البشر وكيف يعانون ويقاسون في سبيل الحصول علي لقمة العيش. نغمة الشماتة التي ظهرت مؤخراً في شبكات التواصل الاجتماعي تؤكد أن الثورات التي مرت علي مصر أخرجت بالفعل أسوأ ما بداخلها من حقد وكراهية نحو الآخر.. تراجعت الرحمة والشفقة والتعاطف بين المواطنين داخل الوطن الواحد.. وخرج هؤلاء الشامتون والحاقدون عن الملة والشرع والدين الذي يدعو للتراحم بيننا وأخذوا ينفثون سمومهم وحقدهم تجاه الآخر دفاعاً عن هدف معين أو فكر معين أو ربما شخص معين.. شيء يدعو للأسي والاحباط.. اذا استمرت نفوس الناس فيما بينها بهذا الكم من الكراهية والشماته والتحقير من الآخر.. لماذا لا نلوم الحكومة والجهات المسئولة أنها رغم تكرار مآسي غرق المراكب الحاملة لمهاجرين غير شرعيين أن نجد حلاً جذرياً لهذه المشكلة فلطالما تراخت الحكومة ولم تبحث عن الحل حتي أنها الآن مهددة بعدم الحصول علي 12 مليار دولار قرض صندوق النقد الدولي. لماذا لا نوفر لهم فرص عمل كريمة داخل مصر بدل من السفر في بلاد الغربة ومواجهة مشاكل لا حصر لها..؟! لماذا لا تصرف للمحتاج اعانة بطالة حتي تستقيم الأمور ويجد عملاً مناسباً يقدم فيه جهده وعرقه للوطن. الحكومة هي المسئول الأول عما حدث لهؤلاء المساكين وهي المسئولة عن عدم محاربة سماسرة السفر للخارج والذين يحققون مكاسب هائلة من وراء هذه التجارة المشئومة.. الحكومة هي المسئول الأول عن توفير حياة حرة كريمة للمواطنين في شتي ربوع البلاد ينعم فيها المواطن بالأمن والأمان والاستقرار وتوفير لقمة العيش والخدمات اللازمة.. لا تلوموا الفقراء مما يبثحون عن لقمه عيش مغموسة بالدماء.. دماء الغرق والموت في مياه البحر!!