حوادث غرق المصريين في مياه البحر المتوسط تدعو إلي الأسف وتسبب الاحباط نظرا لأن ضحايا هذه الحوادث وقعوا ضحية عمليات نصب وخسروا حياتهم في ظروف مأساية ومراكب غير صالحة للسفر. والأكثر احباطا هو ردود الفعل التي حدثت نتيجة هذه الحوادث المتكررة ومحاولة استثمارها سياسيا من جانب بعض الفئات، الذين بادروا إلي اتهام الحكومة بأنها مسئولة عن موت هؤلاء الضحايا لأنها في الأساس السبب في محاولتهم الهجرة غير الشرعية وبطريق غير مأمون. وبالقطع هناك أسباب تدفع شبابا في مقتبل العمر لقبول المخاطرة ودفع أموال للسماسرة الذين يعدونهم باللجوء إلي أوروبا وبدء حياة جديدة في مجتمعات قد يجدون فيها فرص العمل والكسب الوفير. ولما كانت معلومات معظم الناس عن الدول الأوروبية مستقاة من حكايات يتناقلونها بين بعضهم البعض، وإما أنها منقولة عن دراما السينما أو مسلسلات التليفزيون العربية والأجنبية فإن التغرير بالشباب ووعده بفرص حياة جديدة يكون أسهل. الشباب المصري يتناقل قصة أحد الأفلام التي تحكي قصة شاب مصري غامر وذهب إلي أوروبا واستطاع بعد مغامرات من صنع كاتب الدراما أن يكون شخصا مرموقا يملك ثروة ويتعرف علي أجمل النساء ويعيش حياته كيفما شاء. وهذه القصة السينمائية ليست الأولي ولا الأخيرة ولكنها قصة متكررة بصورة أو بأخري وكلها تؤكد أن الشباب المصري عليه إقبال في أوروبا لأنه مصري يتمتع بجاذبية خاصة، وأنه ذكي بفطرته ويستطيع اختراق السوق الأوروبية بمواهبه المتعددة ليصبح شخصا مرموقا. والوعود التي يسمعها الشباب الموعودون بالسفر للخارج في قوارب أو مراكب غير صالحة لسفر الآدميين تجعلهم يقبلون التضحية بمدخرات أهاليهم، والمخاطرة بحياتهم للانتقال من جحيم الحياة في مصر إلي جنة الحياة في أوروبا وهم لا يعلمون أن السماسرة سيلقون بهم علي الشواطئ عند جزر مهجورة وقد يتعرضون إلي الغرق كما حدث في الحالات التي يدور حولها الكلام الآن. ومن المؤكد أن هذه الحالات ليست الأولي، وربما نجحت بعد رحلات الهجرة غير القانونية إلي أوروبا عن طريق القوارب ولكن نجاحها يقتصر فقط علي وصول المهاجرين سالمين إلي الشاطئ، ولا أحد يعلم ماذا حدث لهم بعد ذلك.. ربما نجح بعضهم إلي التسلل في بعض المجتمعات، وربما قضي علي بعضهم الجوع أو قطاع الطرق أو رجال العصابات الذين يجدون أن المهاجرين يسببون لهم مشكلات أمنية مع السلطات المحلية. المهم أن الهجرة غير القانونية تنطوي علي مخاطرة جسيمة يخفيها السماسرة عن الشباب ويدفعونهم إلي تصور وتخيل حياة في الجنة بعد الهجرة. ومادام حلم الهجرة يداعب البعض فإن السماسرة سيجدون طريقهم إلي الضحايا. أما لماذا يصر بعض الشباب علي الهجرة رغم المخاطر فلذلك حديث آخر.