في الهجرة غير الشرعية كثير من المبكيات, قصص ممزوجة بالمآسي والآلام.. شباب يموتون غرقا في عرض البحر, وآخرون يصارعون الأمواج حتي ينجوا, ومن ثم يعودون للحياة من جديد.. وشباب باعوا كل مالديهم من أجل الهجرة الي اليونان, وإيطاليا. وأهالي وقعوا إيصالات أمانة علي بياض لسماسرة الهجرة بحثا عن الحلم.. وهجرات نجحت, ومحاولات أخري باءت بالفشل! لايكاد يمر شهر أو أكثر قليلا إلا وتتناقل اخبار غرق مركب للهجرة غير الشرعية, أو القبض علي مهاجرين حاولوا التسلل الي شواطيء اليونان, وإيطاليا ثم ترحيلهم إلي بلادهم, وكان أحدث هذه الكوارث الحادث الذي وقع مؤخرا في نيل رشيد, والذي أسفر عن مصرع3 أشخاص, ونجاة23 آخرين في محاولة للهجرة غير الشرعية إلي ايطاليا. ولم يكن حادث غرق القاربين في رشيد هو الأول من نوعه في مسلسل قضايا الهجرة غير الشرعية, حيث قال أحمد غازي وكيل نيابة مطوبس أن القضايا التي تم التحقيق فيها خلال الشهور الخمسة الأخيرة بلغت3 قضايا, وأنه تم ضبط المتهمين في القضايا السابقة, وتم تقديمهم للمحاكمة, بينما صدرت قرارات بضبط وإحضار10 أشخاص7 منهم سماسرة, و3 ملاك مراكب لمحاكمتهم في الحادث. وسيناريو الهجرة غير الشرعية يتكرر كثيرا في قري برج مغيزل, بمركز مطوبس, والسكري, وبرج رشيد, عبر سماسرة احترفوا النصب علي راغبي الهجرة, وتاجروا بأحلام البسطاء, فشحنوهم في مراكب, وقذفوهم في عرض البحر, أو لقوا بهم إلي المياه الإقليمية لليونان, أو إيطاليا, وهناك يواجهون مصيرهم المحتوم بالغرق, أو ينجحوا في التسلل إلي داخل هذه الدول عبر دروب, وطرق يعرفها جيدا ويدلهم عليها من سبقوهم إلي هذه الدول, واستقروا بها منذ سنوات طويلة. الهجرة غير الشرعية كما يقول فريد فرفرة عضو مجلس محلي مركز مطوبس تحولت الي ظاهرة خلال السنوات العشر الأخيرة, وتكونت شبكات للتسفير غير الشرعي, وانتشر السماسرة في برج مغيزل والقري المجاورة, وصار لهؤلاء السماسرة مندوبون بالمحافظات, يجذبون راغبي الهجرة, ويقومون بتوجيههم إلي سماسرة كفر الشيخ, والبحيرة, حيث يتم الاتفاق, ويتم تحديد موعد السفر.
تهريب في الظلام وتمر عملية الاتفاق بعدة مراحل, ففي البداية يقوم الوسطاء في المحافظات المختلفة بإرشاد راغبي الهجرة, إلي الفرص المتاحة للهجرة وكيف ان الرحلة لا تستغرق سوي بضع ساعات, وأن السفر سيتم عبر مراكب فاخرة, ويجري إقناعهم بأنه من السهل عبور بوغاز رشيد إلي البحر المتوسط من هذه المنطقة.. وأمام هذه التأكيدات, والتطمينات, يقوم الشباب بالحضور من محافظاتهم للقاء السماسرة في كفر الشيخ, أو البحيرة, وهناك يتم الاتفاق, ودفع المبلغ المطلوب للسفر, والذي يتراوح بين30 ألف جنيه وحتي50 الف جنيه, أو جزء منه, حسب الظروف المالية للضحية, حيث يمكن ان يدفع الشخص5 آلاف جنيه, والباقي بإيصالي أمانة علي بياض, واحد باسم المسافر, والثاني باسم أهله لضمان سداد المبلغ المطلوب, إذا تهرب المسافر نفسه من السداد. وهكذا يتم الاتفاق مع العدد المطلوب, والذي يتراوح في كل مرة بين60 راكبا وحتي100 راكب, ثم يعود الضحية إلي محافظته انتظارا لساعة السفر التي يحددها السمسار للحضور الي برج مغيزل أو رشيد أو القري المجاورة, يتم استدعاء المسافرين في سيارات ميكروباص من محافظاتهم, إلي المناطق المذكورة, وهناك يجري تخزينهم في منزل لعدة أيام, انتظارا للحظة الانطلاق, وفي جنح الليل يتم وضع المسافرين في سيارات جامبو تتسع لنقل هذا العدد الكبير من راغبي الهجرة, لشحنهم في لنشات أو قوارب غير مجهزة, لتكون المراكب في انتظارهم في عرض البحر لتجري عملية التهريب.
النصب باسم الهجرة وقضايا النصب باسم الهجرة غير الشرعية كثيرة.. هكذا قال لي فتحي محمد داود المحامي بمركز مطوبس, ومن بينها المحضر رقم6776 لسنة2006, إداري مطوبس, والذي تم تحريره بناء علي شكوي تقدم بها سليمان محمد سليمان حصان, وإسلام محمد محمد حصان, وأحمد محمد سليمان حصان, ضد عبده محمد المر, ورياض عبد الجليل أبو عقاده, واللذان أوهما الشاكين بقدرتهما علي تسفيرهم إلي إيطاليا مقابل مبالغ مالية, ووقع الشاكون علي إيصالات أمانة علي بياض, وعندما فشلت محاولة الهجرة, فوجيء الشاكون بأن سمساري الهجرة يطالبونهم بسداد350 الف جنيه, هي قيمة المبلغ الذي دونه السمساران في إيصال الأمانة, وتبين أن أيصال الأمانة لم يكن لقاء مبالغ مالية, وإنما كان مرتبطا بشرط نجاح الهجرة, كما تبين أن المشكو في حقه عبده المر سبق اتهامه في قضايا نصب عديدة, أما رياض أبو عقاده فهو مسجل خطر نصب برقم14/7 فئة( ب) المر وأبوعقاده ليسا هما المتهمين الوحيدين المتورطين في قضايا الهجرة غير الشرعية, في برج مغيزل, والقري المحيطة بها,فهناك كما يقول فتحي داود 183 شخصا رهن الاعتقال في قضايا من هذا النوع. وإذا كان السمسار صادقا نقلهم إلي شواطئ اليونان, أو إيطاليا, وقبل الوصول للشاطئ بمسافة كيلو متر يعطيهم لايف جاكت, لكي يقوم بالابحار حتي الوصول علي الشاطئ, أو سترك القبطان مركبه حتي يصطدم بالشاطئ, وينزلوا منه, ليواجهوا مصيرهم, فاذا تمكنوا من التسلل, والدخول إلي البلاد, تكون الرحلة قد تكللت بالنجاح, وفي أحيان أخري تبوء المحاولة بالفشل, حيث يجري القبض علي المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم إلي بلادهم.. وفي أحيان أخري يجبرون المهاجرين علي مغادرة المركب بالقوة, ويقومون بضربهم بالجنازير الحديدية, ويرهبونهم باطلاق الرصاص عليهم, حتي يغادروا المركب, ليعود القبطان مرة أخري بعد أن يكون قد قام بتفريغ حمولته من المهاجرين, ومن ثم يكون قد تخلص من جسم الجريمة ويتركهم بعد ذلك لمواجهة مصيرهم المجهول.. وهناك35 مركبا موجودة حاليا عند الشواطئ الايطالية تم صدمها بالشاطئ عمدا, في محاولة للتسلل داخل إيطاليا, وقد نجحت70% من محاولات الهجرة في الوصول إلي داخل اليونان أو إيطاليا, بينما باءت30% من الحالات بالفشل. وإذا لم يكن السمسار صادقا, فانه يقوم بتجميع المهاجرين, ووضعهم في قوارب, ويسير بهم لمسافات قصيرة, ثم يقوم بابلاغ الجهات المعنية عن محاولة الهجرة غير الشرعية, ليجري القبض علي المهاجرين, والتحقيق معهم.. ومن ثم يتمكن السمسار من جمع المبالغ المالية من راغبي الهجرة, ويهرب, ولكي يفلت من المساءلة ينتحل اسما وهميا أو يلقب نفسه بأي لقب, مثل أبوحسن, أو أبومحمد أو غيرها من الأسماء التي لايمكن الاستدلال بها عليه, لأنه لايعطي اسمه الصحيح لأي من هؤلاء المهاجرين. أسباب الهجرة.. وتداعياتها
والهجرة غير الشرعية إلي أوروبا وفقا لتقرير أعدته المنظمة المصرية لحقوق الانسان أصبحت إحدي القضايا المزعجة, وهناك عدة عوامل أدت إلي أن الهجرة غير الشرعية للشباب المصري أصبحت بمثابة ظاهرة, منها الفقر, وتدني المستوي الاقتصادي للعديد من الأسر, وتفشي البطالة, وعدم توافر فرص عمل. المواجهة تبدأ من هنا
والحل كما يراه تقرير المنظمة المصرية لحقوق الانسان يكمن في ضرورة أن يتم إعداد خطة استراتيجية ثلاثية الأبعاد. أمنية, وقانونية, وإعلامية, للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية, من خلال إعداد العمالة المطلوبة, والمناسبة لسوق العمل الأوروبي, وتقنين أوضاع المصريين المهاجرين غير الشرعيين بقدر ماتسمح به ظروف الدول المستقبلة, وبما يخدم الأوضاع الاقتصادية لكل من دول المهجر, ومن خلال آليات تعاون فني, وأمني, وقضائي, وتشريعي, وفي إطار الاحترام الكامل لحقوق المهاجرين, فضلا عن ضرورة التوسع في توقيع الاتفاقيات الثنائية والاقليمية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي والسعي للوصول إلي أفضل الأطر التي تسهم في استقرار أسواق العمل والهجرة في الدول الأوروبية, إلي جانب ضرورة تشديد الحراسة علي المنافذ البرية, والبحرية لمواجهة جماعات الهجرة غير الشرعية علي الحدود.