حكومة المهندس شريف إسماعيل لا يمكن لأحد أن يشكك في وطنيتها ولا في حسن نواياها.. لكن هل يكفي الوطنية وحسن النية وحدهما لإدارة دولة بحجم وعراقة مصر.. هل يكفيان بديلاً للكفاءة والرؤية النافذة القادرة علي استنهاض الهمم وإخراج البلاد والعباد من عثرات القروض. وتداعيات سنوات عجاف. توقف فيها الإنتاج. وكثر الإنفاق والاقتراض لسد الاحتياجات ومواكبة المستجدات.. هل يعوضان غياب دولة القانون والمساواة والعدالة الناجزة..؟! حكومة إسماعيل في مهب الريح وفي مرمي نيران الشعب ونوابه بعد غلاء لا يرحم. وتضخم لا يتراجع. ودين يتطلب شد البطون والكف عن البذخ والإسراف لاسيما من جانب وزراء ومسئولين في حكومتنا الرشيدة كان حرياً بهم أن يكونوا قدوة للناس لا مثاراً للجدل والقيل والقال. البعض يري الحكومة عاجزة عن التصدي لمأزق اقتصادي ينذر بالخطر. فاقدة الرؤية المطلوبة لمثل هذه الحالة الاستثنائية من الأزمات حتي ان أحد النواب قال عنها إنها معوقة للرئيس السيسي وجهوده الكبيرة في الإصلاح.. ونواب الشعب هم الأكثر التصاقًا بناخبيهم في الدوائر ويلمسون عن قرب معاناتهم مع فوضي السوق وجنون الأسعار. واستمرار المخالفات في المحليات. وغض الطرف عن مخالفات البناء والتعدي علي الرقعة الزراعية دون رادع» وهو ما أغري كثيرين بالمخالفة فرأينا عمارات ومباني في القاهرة وعواصم المحافظات تخرج لسانها للحكومة وتتحدي القانون. الحكومة تحتاج إلي ترجمة الطيبة وحسن النية إلي إجراءات ترحم الفقراء وتساند الضعفاء. وتعين المرضي والمحتاجين للرعاية. وتوفر العلاج لغير القادرين والتعليم المثمر والخدمات الصالحة وتطبيق القانون بلا استثناء علي الجميع. طيبة الحكومة تظهر في التسامح مع المخالفين والمحتكرين والتجار الجشعين وتجار المخدرات والسلاح والبلطجية والخارجين علي القانون بينما تغيب تلك الطيبة في التعامل مع المواطن في الأجهزة الحكومية والمرافق والخدمات الجماهيرية. الأمر الذي يغري المتجرئين علي انتهاك سيادة القانون باقتراف مزيد من الجرأة والإفساد. طيبة الحكومة وبال علي المواطن الصالح. برد وسلام علي الطالح ما دعا نواب البرلمان مؤيدين ومعارضين للخروج عن صمتهم ومهاجمة الحكومة والتصعيد معها وتحميلها مسئولية النيل من شعبية الرئيس وتعويق جهوده ورؤاه الطموح للنهوض بالبلاد. الفساد والمفسدون عنوان عريض سيظل يفرض نفسه كثيرًا علي أحاديث الناس ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. فلا يزال الفساد يعمل بكفاءة تسبق قدرة الحكومة والأجهزة الرقابية والتشريعية والقضائية علي مكافحته والحد منه.. وإلا ما رأينا فسادًا في توريد القمح بالملايين. وفسادًا في المحليات وملف الأراضي التي بدأت لجنة استردادها برئاسة المهندس إبراهيم محلب في تصويب المسار باسترداد حق الشعب وإعادة بيعها في مزاد علني بدأ بطرح 37 ألف فدان بوادي النطرون لتعود بالملايين المنهوبة إلي خزانة الدولة.. وهي خطوة إيجابية في مكافحة الفساد تحتاج لأن نتبعها بمئات الخطوات. ما يبدو للناس أن الحكومة حريصة علي التخلص من الفساد عوارضه ونواتجه» لكنها لا تزال بعيدة عن التخلص من أسبابه واستئصال جذوره اللابدة في التربة المصرية والتي دفعت رئيس البرلمان د. علي عبد العال إلي القول إنه وصل إلي الرقاب وليس إلي الركب كما كان يحلو لزكريا عزمي أن يصفه تحت قبة البرلمان في عهد مبارك. ولا بد هنا أن نعترف بأن هناك جملة أسباب وراء تفشي الفساد في مجتمعنا حتي يمكننا القول إنه ظاهرة مجتمعية رضي الناس بها وتعايشوا معها في مجتمعنا. وشاركوا فيها ولو بالصمت عليها.. فغش الثانوية العامة لا يصنعه الطلاب الغشاشون وحدهم بل شجعهم عليه مدرسون فاسدون وأولياء أمور استحلوا لأبنائهم ما ليس من حقهم فتأصلت الظاهرة ووصلت ذروتها مع شاومينج ورفاقه حتي صار تسريب الامتحانات آفة ليس هناك أمارة علي قدرة الحكومة علي وقفها والتخلص من تداعياتها الخطيرة علي بناة المستقبل وقادته. وهنا يحضرني ما قاله د. أحمد درويش حين كان وزيرًا للتنمية الإدارية في تقرير جرئ رصد وقوع جريمة فساد كل دقيقتين في الجهاز الإداري الحكومي» الأمر الذي يعني أن الفساد لم يعد حالة فردية بل صار وباء اجتاح معظم الأجهزة والمرافق الحكومية. ويتطلب من ثم حملة قومية للتوعية بمخاطره وطرق مواجهته واقتلاعه من جذوره لحماية المال العام والخاص وتنمية الاقتصاد وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية التي يخشي أصحابها المشاركة بها في المشروعات المختلفة لتغول الفساد وارتفاع معدلاته لاسيما في أروقة الجهاز الحكومي لدرجة مفزعة رغم كثرة الأجهزة الرقابية المعنية بمحاربته وملاحقة المفسدين.. وهي كثرة كان يمكنها إنجاز مهمتها بكفاءة لولا القوانين السيئة والبيروقراطية والروتين الموروث في الدولة المصرية منذ عشرات السنين وهو ما عجزت الحكومة المتعاقبة عن علاجه أو التخلص من آثاره الوخيمة. ورغم كثرة ما يتم الكشف عنه من حالات الفساد. حيث الإرادة السياسية التي لا تهادن الفساد والمفسدين. ولا تتستر علي أحد بل تبادر بتقديم أصحابها إلي المحاكمات العاجلة كما حدث مع وزير الزراعة المحبوس. وما يحدث اليوم مع المتورطين في فساد القمح وكذلك ملف الأراضي إلا أن أعداد الفاسدين لا تزال تنمو كالسرطان في الجسد المصري. وهو أمر جد خطير يستلزم استحداث منظومة قانونية تقينا شر الفساد من المنبع. والتعجيل بمكينة الإجراءات الحكومية وتطبيق الحكومة الإلكترونية بمعناها الأشمل. وتقليل احتكاك الموظفين بالجماهير. وخفض مدة بقاء أي مسئول في موقعه أو منصبه. لئلا يتوطن الفساد في هذه البؤرة أو تلك» سيرًا علي نهج الدستور الذي جعل فترة الرئيس 4 سنوات تجدد لمرة واحدة.ومن ثم فقد صار لزامًا بحكم المنطق وطبائع الأشياء ألا يبقي أي مسئول دون رئيس الجمهورية في مكانه أكثر من مدة الرئيس ذاته التي حددها الدستور» فالتجربة أثبتت أن طول بقاء أي مسئول في منصبه يغريه بالفساد. لا أحد ينكر أن الدولة جادة في حربها للفساد. وأنها أنجزت في ملفات عديدة. فقد استتب الأمن بنسبة 95%. واختفت طوابير الخبز والبوتاجاز والسولار. وحققت الكهرباء نجاحًا ملحوظًا وصمودًا واضحًا في مواجهة زيادة الأحمال الناتجة عن موجات الحر الشديد. ناهيك عن انجاز قناة السويس الجديدة بصرف النظر عما يثيره البعض من تشكيك في جدواها وكذلك الجيل الثاني من المدن الجديدة والشروع في استصلاح 1.5مليون فدان لكن السؤال : هل تكفي تصريحات رئيس الوزراء بأن الحكومة تواجه الفساد بكل قوة لبعث الطمأنينة في النفوس.. أليس تعطيل مصالح الناس صورة أخري للفساد.. هل لدي الحكومة رؤية واضحة أو خطة قصيرة أو متوسطة المدي لإصلاح الجهاز الإداري للدولة.. ألا تعشش البيروقراطية المعوقة في أروقة الحكومة وفي عقول كثير من موظفيها.. أليست فاتورة تلك البيروقراطية العميقة باهظة اقتصادياً.. ألا تكفي لطرد الاستثمارات وتطفيش رأس المال ومعاداة التطور والإنجاز..؟ دلوني علي هيئة حكومية واحدة لا يتقاضي مسئولوها أو بعضهم ما ليس من حقهم. أو لا تؤوي متراخين عن أداء واجبهم.. لماذا اختفت الجولات الميدانية للوزراء والمسئولين وحتي رؤساء الأحياء.. ولماذا زادت الشكوي من انقطاع المياه والحفر والمطبات في الشوارع وعدم استكمال مشروعات تم البدء فيها منذ زمن بعيد.. أليس التراخي والتقاعس جريمة تهدر المال العام وتهدد الأمن والسلم الاجتماعي وتعرض مستقبل الأجيال القادمة للخطر.. وتزيد الفجوة بين الشعب وحكومته..؟ إذا كانت حكومة شريف إسماعيل جادة في مواجهة الفساد كما جاء علي لسان رئيسها ويجب أن نصدقه فعليها تطهير صفوفها أولاً من المسئولين المتقاعسين أو المفرطين في أداء مسئولياتهم أو المرتعشة أياديهم الذين يعطلون مصالح البلاد والعباد. آن الأوان أن تستحدث الحكومة تشريعات ووسائل وإمكانيات مادية تمكن الأجهزة الرقابية من أداء عملها دون معوقات لمنع الفساد من التوغل والتهام كل جهد علي طريق التنمية والعدالة.. والعمل بمبدأ الوقاية خير من العلاج.. ويوم أن تتمكن الحكومة وأجهزتها الرقابية من تطبيق ذلك ساعتها سنرفع لها القبعة موقنين بأن ثمة بناء حقيقيًا ونهضة خالية من أي منغصات أو معوقات.. إذ لم يعد كافيًا الإمساك بالفاسدين بعد ارتكاب جرائمهم.. فكم من الوقت ضاع وكم من الموارد والفرص تبددت في ملاحقة الفاسدين أو السكوت عن بعضهم إذا تعارضت المصالح.. وما أكثر تعارض المصالح عندنا؟! الطريقة التقليدية في مواجهة فساد أكثر تطورًا صارت مفسدة حقيقية تعيق التنمية وتلتهم أي عوائد محتملة أو مأمولة .. وتحمل الدولة والمواطن وكذلك الإدارة السياسية فاتورة باهظة هي في غني عنها. وتثير الحنق والإحباط والتشاؤم لدي عوام الناس وخاصتهم. وتترك المجال واسعًا أمام محاولات التشكيك والصيد في الماء العكر.. وآن لذلك كله أن يتغير بلا مواربة ولا تلكؤ.. وأحسب أن لجنة استرداد أراضي الدولة بؤرة مضيئة في أجواء ضبابية.. وتجربة مبشرة بالخير. لا غني عن إصلاح المنظومة التشريعية الحالية التي ينفذ من ثغراتها الفاسدون وأعوانهم لمنع ظاهرة ¢ الفساد بالقانون ¢ التي جعلت القانون أداة طيعة في يد الفاسدين يوظفونه كيف شاءوا لحماية مصالحهم.. وقبل الشروع في أي إصلاح علينا بالإجابة عن جملة أسئلة : ما هو الفساد.. وكيف نجفف منابعه ونمنع التلاعب بالقانون وقبلها نمنع الاستثناءات أو التوسع فيها في أي قانون حتي لا يتحول الاستثناء إلي قاعدة تعطل القاعدة الأم أو القاعدة الأصلية.. وإذا كان رئيس البرلمان قد اتهم الأنظمة السابقة بغض الطرف عن الفساد حتي وصل إلي الرقاب في المحليات.. فماذا هو فاعل لتطهير البلاد والعباد من أي فساد؟! فاتورة الفساد باهظة.. لا شك في ذلك وما نعلمه من أمره هو حتمًا قليل مقارنة بما لا نعلمه. والفاتورة سوف يدفعها أجيال حاضرة وأجيال قادمة. وهي فاتورة مرهقة جدًا لخزانة الدولة تكبدها المليارات سنويًا. وهي مليارات تشتد حاجتنا إليها لبناء مدارس جديدة تمتص الزيادة المطردة للسكان ومستشفيات لا غني عنها. وتحسين مستوي خدمات يحتاجها المواطن ويتعذر حصوله عليها مما يزيد إحساسه بالظلم ويجرح شعوره بالانتماء لوطنه. ويقلل دوافعه في العمل والإنتاج. ويوسع نطاق الجرائم. ويهز منظومة الأخلاق والقيم» وهو ما يضعف في النهاية قدرة النظام علي إشباع احتياجات مواطنيه. ويعرض الاستقرار للخطر. وإذا كانت مكافحة الفساد مسئولية الحكومية أولاً. فهي أيضًا واجب علي المجتمع بشتي فئاته وأطيافه ومؤسساته الفاعلة. بل إن المسئولية المجتمعية لا تقل أهمية في جهود المكافحة..فثمة ثقافة رضيت وباركت الفساد. وتغيير مثل هذه الثقافة مهمة المجتمع الحاضنة الأولي لأي ثقافة أو سلوك اجتماعي عملاً بقول الرسول الكريم : كلكم راعي وكلكم مسئول عن رعيته ¢ ولن نجني ثمرات المشروعات الكبري ولا جهود أي إصلاح إذا بقيت معدلات الفساد علي وتيرتها المتزايدة. وبقي الدولاب الحكومي. والبطالة والتضخم والغلاء والتلاعب بالأسعار والدولار علي الحالة الراهنة.. وكما أن الإرهاب خطر محقق» فالإهمال والاحتكار والفساد ونشر الشائعات معاول هدم لدولة القانون والمؤسسات.. وذلك هو الخطر الأعظم.. لو تعلمون!