هناك قاعدة تقول إن التغييرات الاقتصادي تجر وراءها تغييرات اجتماعية.. وقد تعرضت مصر منذ أواخر عهد السادات إلي تغييرات اقتصادية واجتماعية كبيرة بسبب السياسات الاقتصادية الهوجاء أو غير المدروسة التي انتهجها السادات ومن بعده مبارك. وبسبب مشروطية صندوق النقد الدولي. وكان الكاتب الكبير الراحل. محمود السعدني. يسميه "صندوق النكد الدولي". وكان من نتيجة هذه السياسات اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وتآكل أبناء الطبقة الوسطي المتعلمة. التي تشكل عماد المجتمع وأساسه. ومن أبناء هذه الطبقة مَن صعد في السلم الاجتماعي والاقتصادي. وهناك مَن بقي علي حاله. وربما يكون هناك مَن هَوَي إلي براثن الفقر والفاقة. ولابد أن نلاحظ هنا أن الطبقة الغنية الجديدة لم يأت ثراؤها بطريقة طبيعية. إنما جاء. في أحيان كثيرة بالفساد والمضاربة والارتفاع المفاجئ في أسعار الأراضي والعقارات. أو تقلبات البورصة الحادة أو المتاجرة في العملة.. ما أريد أن أقوله إن الطبقة الغنية الجديدة لم تكن طبقاً رأسمالية راقية كونت ثرواتها من خلال العمل الصناعي والزراعي الشريف. إنما هم مجموعة من اللصوص و"المهلباتية" والمغامرين. مازالت الدولة تلاحق بعضهم حتي الآن وتصالح البعض الآخر. بعدما اقترفوا من سطو ونهب لأموال الشعب. وتترك الباقين دون حساب. ما يهمني هنا هو أبناء الطبقة الوسطي الذين "يمشون جنب الحيط".. كما يقولون.. وأقصد بهم الموظفين. والمهنيين الذين إما سافروا إلي الخليج لبضع سنوات. أو بذلوا العرق بالعمل في أكثر من "شغلة" داخل مصر. وكون بعضهم "قرشين" اشتري بهم شقة. وأودع البقية الباقية القليلة في البنك. لتحقق له الستر. وهذه الطبقة هي التي تدفع الثمن الحقيقي لما تسميه الحكومة بالإصلاح. وهو ليس بإصلاح. إنما هو إهدار لثروات هذه الطبقة الضعيفة والهشة. التي تعففت بشرف. وترفض مد الأيدي إلي المال الحرام. وتنطبق عليهم الآية الرائعة: "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف". فهم الذين تتآكل مدخراتهم الضعيفة بفعل ارتفاع سعر الدولار والتضخم الجامح. بحيث تفقد مدخراتهم وهي داخل خزائن بنوك الحكومة قيمتها. ويصبحون عاجزين عن شراء مسكن ملائم لأبنائهم. أو حتي تزويج بناتهم. وأبنائهم. إن هذه الطبقة تدين في وجودها إلي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. فهو الذي فتح لها طريق التعليم والوظيفة. وقد انحاز عبدالناصر إلي هذه الطبقة انحيازاً كبيراً لأنه هو نفسه كان واحداً ومنها. وكان يفتخر بانتمائه إليها. ويروي محمد حسنين هيكل. رحمه الله. عن حياة الزعيم الراحل ما يدل علي أنه كان شديد الإخلاص للطبقة التي جاء منها. بدءاً من التعامل مع زوجته. السيدة تحية. ومروراً بالمأكولات التي يفضلها "الجبن والخبز الجاف". وانتهاء بتفاخره بمهنة أبيه البسيطة. إن كل إنجازات عبدالناصر العظيمة في الصناعة والزراعة. قد تم القضاء عليها حتي الطبقة الوسطي التي أنشأها ورعاها. يجري الإجهاز علي ما تبقي منها. ولو قدر للزعيم الراحل أن يقوم من مرقده اليوم ليري الأوضاع في مصر. لاستل سيفه وقاتل.