** أنا لا أحبذ الغوص في تفاصيل الأحداث التي تتعلق بالفتن الطائفية في بلادي وكم أحزنني ذلك التسابق المحموم بين بعض الفضائيات وبعض حملة الأقلام في تناول حادثة "الكرم" بمحافظة المنيا في قلب صعيد مصر. وما أدراك بردود فعل "الصعايدة" فيما يتعلق بالأمور التي تمس السمعة والشرف. فالكلمة أحيانا تجدد الجراح وتزيد النار اشتعالا. وبناء عليه فإن إصرار البعض علي تسييس القضية يضر بالأمن القومي للبلاد. وفي البيئة الصعيدية علي وجه الخصوص دائما وأبدا ما تكمن الحلول في مثل هذه الحوادث في المجالس العرفية. خاصة إذا كانت الحقيقة التي تعرضها بعض وسائل الإعلام منقوصة وغير دقيقة ودعونا نتوقف أمام تصريح "عمر راغب" عمدة قرية الكرم لجريدة الوطن الأحد الفائت حيث استبعد تعرض المجني عليها للتعرية أو السحل وقال بالحرف الواحد: "مستحيل أن يحدث هذا في قريتنا وأتحدي أن يثبت أي شخص ذلك" وأضاف: إن ما حدث للسيدة أن ملابسها تمزقت بفعل الخناق والشد والجذب. وعلي الجانب الآخر لا يمكن لعاقل ينتمي إلي صعيد مصر أن يصدق أن هناك من يتعرض لامرأة بمثل تلك الخسة والنذالة فمثل هذا السلوك يتنافي تماما مع أخلاق وشيم الصعايدة وأنا أميل إلي تحليل عمدة الكرم فالاشكالية هنا لا تتعلق بفتنة طائفية ولا يحزنون. لأنها في الأصل قضية أخلاقية محلها المجالس العرفية خاصة في حال اختلاف الديانة فلا مناص من اللجوء إلي بيت العيلة والاحتكام إلي رجال الدين من هناك ومن هنا..!! ** وعلي خلفية الفتنة التي شهدتها قرية الكرم وأصبحت بين ليلة وضحاها حديث الناس في قري الصعيد تذكرت واقعة مشابهة شهدتها منطقة روض الفرج بمطلع السبعينيات منذ خمسة وأربعين سنة بالتمام والكمال وتم تسويتها في إطار من السرية والكتمان وبعيدا عن أجهزة الإعلام وأما كيف عرفت بها..؟ فقد كنت وقتذاك رئيسا لجماعة الصحافة بمدرسة شبرا الثانوية للبنين عندما أخبرني الأستاذ محمد أبوالنصر غانم مدرس أول اللغة العربية بالإعداد لحوار صحفي مع الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد الفحام ضيف المدرسة الكبير ولم يخبرني الأستاذ أبوالنصر - رحمه الله - عن سبب الزيارة المرتقبة للإمام الأكبر وعرفت فيما بعد تفاصيل ما جري في الكواليس خلال لقاء الإمام بأطراف الأزمة حيث تم وأد الفتنة في مهدها وأطفئت النيران في الصدور سريعا سريعا قبل أن تمتد إلي الأمكنة والناس وصدق أو لا تصدق أنني لم أتمكن من إجراء الحوار المطلوب مع فضيلة الإمام ولم أنل حتي شرف مصافحته فما أن نزل الإمام من سيارته حتي أحاط به مرافقوه إلي القاعة الكبري بالمدرسة والتي تواجد بها أطراف الصراع مع الإدارة وفور دخول الإمام تم اغلاق القاعة وحتي انتهاء اليوم الدراسي لم يكن الاجتماع قد انتهي وغادر الطلاب دون معرفة سبب الزيارة قبل أن تتسرب الوقائع كاملة لأهالي المنطقة فيما بعد - رحمك الله يا شيخ فحام - فمازالت صورته في ذهني فور وصوله إلي باب المدرسة حيث كان يتوكأ علي رجلين عن اليمين واليسار ورغم اعتلال صحته فقد بدا وجهه مشرقا.. بشوشا.. سمحا. تعكس قسمات وجهه ملامح رجل عظيم القدر أبي النفس.. جدير بالذكر ان الإمام الأكبر الشيخ محمد محمد الفحام قد تولي المشيخة في الفترة ما بين عامي "1969 - 1973" قبل أن يتقاعد بسبب اعتلال صحته. ** آخر الكلام : احتفلت الإذاعة المصرية بعيد ميلادها الثاني والثمانين يوم الثلاثاء الفائت الموافق 31 مايو ففي مثل هذا اليوم من عام 1934 انطلقت الاذاعة المصرية علي أكتاف روادها الأوائل "محمد فتحي - علي خليل - مدحت عاصم" ويعد الرائد الإذاعي محمد فتحي "1910 - 1986" أول من صافح صوته آذان الملايين من المصريين عبر الأثير بعبارة: "هنا القاهرة" وعلي يديه تتلمذ كوكبة من الإذاعيين اللامعين تضم عبدالحميد يونس وعبدالوهاب يوسف وعلي الراعي ومحمد محمود شعبان "بابا شارو" وأنور المشري وتماضر توفيق ورشدي العمري وصفية المهندس وغيرهم من جيل الرواد.