استكمالا لما بدأته عن القوي الناعمة ومدي تأثيرها في تشكيل وجدان الناس.. وأن الفنان المبدع يستشعر الخطر قبل غيره خاصة حينما يتعلق الأمر بالوطن. استطاع سيد درويش الذي غني لجميع طوائف الشعب رغم انتشار الأغاني الخليعة في ذلك الوقت أن يحفر في وجدان كل مصري حب الوطن فكانت أغانيه الوطنية أقوي من الرصاص في مواجهة الاحتلال البريطاني. كما انه استطاع بأغانيه ترسيخ وتعظيم قيمة العمل وتحفيز العامل لبذل المزيد من الجهد والعرق.. حتي قتلته قوات الاحتلال البريطاني بالسم البطئ لمدي خطورته وتأثيره في تعبئة المقاومة ضدهم.. ورغم حياته القصيرة إلا أنه ترك لنا ثروة هائلة من التراث ومازلنا ننهل منها ونحفظ أغانيه ونتغني بها ونتناقلها جيلا بعد جيل. الأمثلة كثيرة أذكر منها : "حب الوطن فرض عليا" لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب. وسلسلة أفلام اسماعيل يس "في الجيش" التي جعلت الشباب وقتها يحبون جيشهم الوطني ويقبلون علي التجنيد ويتطوعون فيه للدفاع عن الوطن. ثم لا ننسي دور الشاعر والفيلسوف صلاح جاهين وأغانيه الوطنية التي تغني بها عبدالحليم حافظ والتي أحب الناس من خلالها ثورة 23 يوليو 1952 كما أحبوا جمال عبدالناصر من خلال "ناصر ياحرية" صورة.. بنينا السد العالي وغيرها من الأغاني التي مازلنا نرددها في مناسباتنا الوطنية.. وكلما تعرضت مصر للخطر. وأثناء العدوان الثلاثي علي مصر في عام 1956 دوي صوت فايدة كامل مع المجموعة بنشيد "الله أكبر" الذي زلزل الأرض تحت أقدام المعتدين واشعل حماسة المصريين وتعبئت المقاومة الشعبية في بورسعيد لمقاومة هذا العدوان الغاشم علي أرض مصر. .. وبعد هزيمة يونيو ..1967 ضربت سيدة الغناء العربي أم كلثوم المثل والقدوة لكل فنان ومبدع عندما طافت العالم بحفلاتها الغنائية لصالح المجهود الحربي لاعادة بناء قواتنا المسلحة.. ثم تغنت بقصيدة "أصبح عندي الان بندقية". كما تغني عبدالحليم حافظ بكلمات الأبنودي "أبدا بلدنا للنهار" ورفض مثقفو مصر وفنانوها الاستسلام للهزيمة وخرجت مئات القوافل منهم لزيارة جنودنا الابطال المرابضون علي الجبهة أثناء حرب الاستنزاف.. لتشد علي أيديهم وتغرس بداخلهم الثقة في النصر. الي ان جاءت لحظة العبور العظيم في 6 أكتوبر 73 وكسر جنودنا حاجز الخوف من جيش اسرائيل الذي لايقهر - كما روج له الغرب - وارتفع علم مصر فوق النقاط الحصينة من خط بارليف بعد عبور قناة السويس لتسجيل العسكرية المصرية أكبر انتصار لها علي العدو الاسرائيلي والذي كان لغزا للخبراء العسكريين في العالم ومازال. ** انطلقت وقتها أغان كثيرة "باسم الله .. الله أكبر" وغيرها.. كما ازدهرت الأفلام الروائية التي تسجل لهذا الانتصار. مرت مصر بأحداث كثيرة وتحديات صعبة مازالت تواجهها.. إلا أننا استطعنا استكمال جميع أركان الدولة الديمقراطية الحديثة.. لتظل مصر مرفوعة الرأس دائما بين دول العالم.. وتعود كما كانت منارة للفن والإبداع تضيئ المنطقة بأسرها لتختفي خفافيش الظلام وتصاب بالعمي وينكسر معها الإرهاب.. لتظل مصر المحروسة محروسة وواحة للأمن والأمان رغم أنف أعدائها الكثيرين..!