يظل حلم الحياة الساحرة علي سفينة وسط البحار يراود خيال الشباب في سن المراهقة. الحلم الرومانتيكي بأن يعمل بحاراً وسط الأمواج ورائحة اليود وطيور النورس. ولأجل ذلك قدم الأدب والسينما الكثير من الأعمال عن حياة ومغامرات البحارة علي سطح السفن داخل المحيطات. ولعل قصة "موبي ديك" لهيرمان ميلفيل واحدة من أشهر تلك القصص. ولكن في فيلم "في قلب البحر" الأمر يختلف بعض الشيء. إنه فيلم عن كيفية كتابة هيرمان ميلفيل أن سفينة صيد الحيتان التي غرقت عام 1820 لم يبق من بحارتها سوي رجلاً كان صبياً علي السفينة وهو توم نيكرسون. لم يتردد ميلفيل وذهب فوراً إلي منزل ذلك البحار العجوز. ليعرف منه ماذا جري لسفينة صيد الحيتان وكيف غرقت.. ونعلم نحن أيضاً القصة العجيبة والتي كانت مصدراً لعشرات القصص ومنها "موبي ديك" لميلفيل والتي نشرها عام .1851 أخرج الفيلم رون هاورد الذي أحدث ضجة قبل 15 عاماً بفيلم "عقل جميل" عام 2001 والذي حصل علي جائزة أوسكار أحسن فيلم وهو يعشق أفلام السيرة الذاتية. وفي هذا الفيلم توجد أيضاً سيرة ذاتية وان كانت في اطار من المغامرات لأن الأحداث تقع في المحيط الأطلنطي لبحارة يصطادون الحيتان. وبالطبع توجد دراما حيث الصراع بين القبطان جورج بولارد "بنيامين ووكر" ومساعده أوين "كريس هيمسورث" وهو صراع بين الأول الذي ينتمي إلي عائلة من البحارة والقباطنة ويمثل الشخصية المغرورة التي بها قليل من الشر. أما أوين فهو يمثل ابن الطبقة الفقيرة المكافح الذي يسعي لكي يجد له مكاناً في هذا العالم. وعنده من الكفاءة ما يجعله يستحق أن يكون قبطاناً وقائداً منفرداً لسفينة صيد الحيتان. ولكن أصحاب المركب "رجال البيزنس" لهم رأي آخر بضرورة وجود القبطان من آل بولارد. تبدأ الأحداث قرب السواحل البريطانية في المحيط الأطلنطي بعد أن خرجت السفينة من بحر الشمال في اتجاه الأمريكتين. ومن الضروري الحديث هنا عن طبيعة عمل هذه السفن لأنهم يصطادون الحيتان من أجل الحصول علي الزيوت التي تستخدم في صنع وقود اللمبات وصناعة الشموع في تلك الفترة التاريخية. لذلك قالوا ان الحيتان أنارت شوارع وبيوت أوروبا في القرن 19. حتي أن مدينة باريس سميت بمدينة النور لأنها أول مدينة في العالم تضع المصابيح في الشوارع لتضيء الظلام ليلاً عام 1828. قبل هذا التاريخ كانت أوروبا تنام بعد غروب الشمس لأن الشوارع تغرق في الظلام والمحلات تغلق أبوابها خوفاً من اللصوص. السفينة "إيسكس" وقبطانها بولارد ومساعده أوين والصبي توم تتعرض لهجوم من واحد من الحيتان العملاقة حاولوا صيده فاصطادهم بذيله الضخم وقلب السفينة في قلب المحيط وبضربة واحدة أطاح بأحلام بولارد وأوين. ها هي السفينة التي تتنازعون علي قيادتها. تنقلب مغامرات الصيد في أعالي البحار إلي مأساة حقيقية. مات أغلب البحارة غرقاً واستطاع القبطان ومساعده والصبي توم التعلق بأحد قوارب النجاة وظلوا علي حال الضياع والجوع والعطش. ولكن الأسوأ من كل هذا هو فقدان البوصلة.. أين الطريق الصحيح الذي يصل بنا الي بر الأمان.. إلي أرض يابسة فقط! 3 شهور تتقاذفهم الأمواج والرياح.. يعيشون علي صيد أي كائن حي يأكلونه بدون طهي. ويشربون من ماء البحر المالح. وهكذا حتي وجدوا أنفسهم علي شواطيء تشيلي بأمريكا الجنوبية. وتظل حكايات البحارة والصيادين من أجمل مصادر قصص السينما حتي اليوم.