أزمة مصر حاليًا هي أزمة أولويات وتعارض مصالح أكثر منها تعارض وجهات نظر »فما يحتاجه الوطن قد لا يهم بعضًا من الإعلاميين والكتاب والسياسيين والنخبة.. ولهذا لا تدهشني تلك الفجوة الهائلة بين ما يقوله هؤلاء في الصحف والمواقع والشاشات وردود فعل السواد الأعظم من بسطاء الناس إزاء ما يقولون.. لكن ما يدهشني حقًا أن تعمي أبصار هؤلاء الذين يثيرون جدلاً عميقًا في مسائل فرعية تأتي بنتائج عكسية. ولا تحقق مصالح مصر حتي ولو اكتسي بعض ما يقوله أو يثيرونه هؤلاء بوجاهة شكلية لكنها في النهاية لا تزيد الصورة إلا تشويها وبلبلة وإساءة لسمعة مصر رغم تحفظنا علي أداء بعض المسئولين والأجهزة الحكومية الذين يبدون منفصلين تمامًا عما يفعله أو يريده الرئيس السيسي لمصر.. أو تحتاجه الدولة في ظروفها الراهنة. وليت المغردين علي توتير أو المتحدثين في المؤتمرات والفضائيات من أصحاب الأقلام والآراء والأفكار ودكاكين حقوق الإنسان ينظرون إلي مردود ما يقولونه علي بلدهم.. وكيف يتلقاه المواطنون في الداخل باستنكار واستهجان.. وكيف يتلقفه الخارج وكأنه حقيقة مطلقة تترك أثرًا عكسيًا علي صورة مصر في الخارج تحرمها من فرص التنمية والتقدم والاستقرار. ولا أبالغ إذا قلت إن ما يحدث في مصر لا نظير له في أعتي الدول ديمقراطية وحرية في الرأي والتعبير. فالمصالح العليا والأولويات الوطنية هناك تقف دونها الآراء والحريات كافة. فليس لديهم خلاف علي الوطن بل الاختلاف علي طريقة خدمة وكيفية إعلاء شأنه.لا تجريحه ونهشه حتي ولو أخطأ مسئولوه أو وقعوا في سقطات ما كان ينبغي لها أن تقع في عالم أصبح قرية صغيرة لا تخفي علي ظهرها ولا في باطنها شاردة ولا واردة بفضل ثورة المعلومات والاتصالات. وإذا كان هناك ما يشبه الاتفاق علي أن ثمة مخططات ومؤامرات تحاك ضد مصر ففيمَ الخلاف إذن.. وكيف لا نفرق بين آراء تخدم مصر وآراء تهدمها وتجعلها لقمة سائغة في أفواه المتربصين بها. المستهدفين استقرارها ووحدتها »تارة ببث الشائعات والأكاذيب.وتارة أخري بتمويل الإرهاب والخائنين لوطنهم المتاجرين بمتاعبه وآلامه وأوجاعه. الناشرين سمومهم ابتغاء حفنة من الدولارات أظنًا لحماية موهومة سرعان ما تتبدد تحت ضغط المصالح وتحول بوصلة الاهتمامات. ورغم أن مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني قضية شابها لغط كثير وخالطها التباس عجيب وأداء مرتبك.. فإن ذلك لا يبرر ولا يسوغ أبدًا ما فعله البعض عندنا من استقواء بالخارج واستعدائه ضد مصر. خصوصًا في ظل توتر الموقف مع الجانب الإيطالي.. فما جدوي رسالة بثتها والدة خالد سعيد بالإيطالية والإنجليزية والعربية إلي والدة ريجيني.. فلا التوقيت كان ملائمًا.. ولا الطريقة ولا الغاية مفهومة.. ولا الأطراف المخاطبين بها يهمهم مصلحة مصر بل بالعكس هناك في أوروبا من استثمر الموقف لابتزاز مصر. ولي ذراعها.وممارسة ضغوطه عليها في محاولة رخيصة لتحقيق مكاسب سياسية علي حسابها.. فمن يا تري صاحب فكرة الرسالة.. وما أهدافه.. وهل كانت مصالح مصر حاضرة في ذهنه أم أراد تشويه صورتها ووضعها تحت ضرس من يضمر لها سوءًا ؟! وفي الوقت الذي يفعل فيه بعض أبناء مصر ما يسوؤها نجد في المقابل من يدافع عنها ويضرب لنا المثل في كيفية الحفاظ عليها ومناصرتها في أوقات الشدة والارتباك بدحض الأكاذيب وتفنيد الأباطيل التي يحاول البعض ترويجها للنيل منها.. لقد سطر الكاتب الصحفي المشهور جهاد الخازن مقالاً مهمًا وإيجابيًا في الحياة اللندنية بعنوان ¢ الحملة علي مصر مستمرة ¢ وكم رجوت لو أعادت صحفنا ووسائل إعلامنا نشره حتي يتعلم منكرو فضل وطنهم كيف يحبونه.. كيف ينافحون عنه. فالمقال درس في الوطنية والمهنية تصدي للهجوم الضاري الذي أطلقته ميديا الغرب ضد مصر ورئيسها السيسي عبر ترديد افتراءات وتناقضات وأكاذيب بشأن ما يحدث فيها علي غير الحقيقة. يقول كاتبنا المحترم ¢ إن الوشنطون بوست نشرت خبرًا مفاده أن الرئيس السيسي يتعرض لنقد حاد داخل مصر. وقدمت أسماء صحفيين مصريين بارزين انتقدوا حكومته. ونشرت الجريدة في افتتاحيتها بعض كتابها من أنجس أنواع الليكود عنوانها ¢ لا تكافئوا مصر علي تعذيب الأبرياء ¢.. الافتتاحية نقلت عن مركز النديم أرقامًا اعتبرتها وحيًا منزَّلاً ثم استشهدت بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن محاكمة 37 جمعية حقوق مدنية مصرية. أرجو أن يلاحظ القارئ أن الجريدة نفسها تقول في يوم إن الرئيس السيسي يتعرض لانتقاد حاد.. ثم تقول في اليوم التالي إنه يقمع حرية الكلام "ورغم سوء ما سبق فهناك أسوأ.. افتتاحية ال ¢ نيويورك تايمز ¢. وفي افتتاحية أخري للجريدة نفسها تبدأ بهذه الكلمات: ¢ ما إن استولي عسكر مصر علي السلطة في انقلاب صيف 2013 ¢.. أقول إن هذا الكلام كذب حقير. وكتُّاب الافتتاحية الذين يضمون أيضًا غلاة الليكوديين قرروا أن إسقاط مبارك كان ثورة عليه. أما الإطاحة بالإخوان بعد تظاهرات فاقت أعداد المشاركين فيها التظاهرات السابقة فانقلاب عسكري ¢ أضاف الخازن: ¢ أيضا وأيضًا جريدة إندبندنت الليبرالية في لندن نشرت تحقيقًا مع صورة كبيرة عن معتقل أنه عُذّب. وعن زوجة معتقل اختفي.. أرجو أن يكون واضحًا أنني لا أدافع عن النظام في مصر اليوم وإنما أسائل كيف يمكن لجريدة محترمة أن تصدق تهم معتقل أفرج عنه.. هل كان سيقول إنه ارتكب ما يستحق أن يعتقل بسببه.. ثم إن هناك حديثًا عن ألوف المختفين والمعلومات كلها من طرف واحد.. ومرة أخري كأنها وحي منزل.. لا أريد أن يعتقل أحد.. وحتي لا أريد أن يختفي معتقل آخر. لا يسرني أن يكون قادة الإخوان المسلمين في السجون غير أن الحقيقة ليست ما تريد جريدتان أمريكيتان.لهما المصداقية في كل موضوع إلا عندما يمس الموضوع إسرائيل أو مصالحها. في مصر ألوف الجمعيات الأهلية. والغالبية منها تعمل ولا تواجه صعوبة تُذكر. غير أن بينها نحو 80 جمعية لها صلات خارجية. الجمعيات التي تتعرض لملاحقة الآن لا تتجاوز 20 منظمة تتلقي دعمًا ماليًا كبيرًا بمقياس مصر من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة. وحتي تحافظ علي هذا الدعم تشعر أن واجبها أن تنتقد.وأن تكيل التهم عشوائيًا أو علي ¢ دعماها ¢.. ربما كانت مشكلة الرئيس السيسي أنه حَذِر أكثر مما يجب إلا أن بلده يواجه إرهابًا. يشكل خطرًا علي الأمن القومي وواجب الحكومة أن تقمعه إذا كان لمصر أن تنهض وتعود إلي مركزها القيادي وسط المجموعة العربية. وخطف الطائرة المصرية يعزز حجة الدولة في مواجهة الإرهاب. تعرضت بروكسل لإرهاب فظيع.قتل فيه أكثر من 30 إنسانًا بريئًا. وجرح نحو 200.. ولا تزال صحف العالم كله تكتب عن هذا الإرهاب الذي أدنته إدانة مطلقة في هذه السطور.. قبل إرهاب بروكسل بثلاثة أيام فقط قتل 18 جنديًا وشرطيًا مصريًا في شمال سيناء فكان الإرهاب الذي عصف بهم خبرًا عابرًا »لأنه يبدو أن الميديا الغربية خصوصًا الأمريكية الليكودية ترحب بموت المصريين والفلسطينيين. ولا تكتب أبدا عن إرهاب حكومة نتنياهو وجرائم المستوطنين.. مصر أم الدنيا رغم أنوفهم.. ¢. انتهي كلام الخازن لكن بقي أثره الطيب في نفس كل من يحب مصر. وكان مقاله كاشفًا فاضحًا لضعف إعلامنا وتهافته. وإغراقه في المحلية والتفاهات. منزويًا عن التأثير في الرأي العام العالمي.. فهو إعلام السبق علي حساب الحقيقة والموضوعية والاستنارة.. إعلام الفضائح وهدم القيم ونشر الإحباط والسوداوية والشائعات.. إعلام يعيش أزمة حقيقية مع الحرفية والمهنية والوطنية.ولا أستثني منه نوعًا بذاته قوميًا أو خاصًا أو حزبيًا.. الكل يشارك بدرجة ما في صنع المهزلة والتردي. من يتابع ردود أفعال الناس إزاء ما يكتبه ساسة وإعلاميون علي فيس بوك وتويتر أو المواقع الإلكترونية يجد أن الشعب بوعيه الفطري سابق علي نخبته.لا يخطئ طريقه إلي الصدق في الحكم والتقييم والتعبير عما يجيش في صدره ببلاغة وواقعية قد لا نجدها لدي كتاب محترمين.. يقول أحدهم: ¢ المعترضون علي النظام الحالي كيف أقتنع بكلامهم.. أنا لسه ساكن في بيتي مش في خيمة إيواء.. مازلت أحمل صفة في الدولة المصرية مش لاجئ واقف أخبط علي الأبواب والكل بيهين كرامتي وآدميتي.. الأسعار غليت "ارتفعت" الدولار ولع.والحكومة نايمة والاقتصاد فيه مشاكل.. بس عارف أعيش بطريقة أو بأخري ومتفهم لظروف بلدي.. شايف إنجازات بتتعمل رغم أن الدولة تواجه حربًا غير مسبوقة.. هو فيه حد حكم قبل السيسي دولة مهددة من جميع حدودها والصهيونية العالمية مسلطة الدنيا كلها عليها.. حد حكم دولة فيها مئات الآلاف من الإخوان.بخلاف ملايين آخرين تابعين مغرر بهم "عقيدتهم الجماعة فقط".. حد حكم دولة فيها ناس مأجورة وسياسيون مبتزون وأصحاب دكاكين حقوقية مهمتهم الأساسية تشويه مصر وضرب الجيش والشرطة و الاستقواء بالخارج.. وأكبر مثال علي ذلك أزمة ريجيني وعزل جنينة وخطف الطائرة والاختفاء القسري وتضخيم المشاكل والسلبيات.. ومع ذلك متحمل ومعملش زي ما عمل محمد علي مع المماليك.. حد قبل كده في التاريخ حكم دولة فيها هذا الحجم من الفساد والتخريب الداخلي المأجور.. أنا شايف سلبيات بلدي كويس. وعيوب أهلها زي بالضبط ما أنا شايف أن سياسات الرئيس السيسي تصب في مصلحة كيان مصر الموحد.. معرفش إزاي هو متحمل التعامل مع الواقع الساسي وكم الانقسام الداخلي.غير الإعلام الفاسد واضح التوجهات. وكم النفاق والتلون الشنيع والأفاكين والمتسلقين.. مقدرش ألومه وسط كل المشاكل دي علي أي أخطاء.. يكفي إني متأكد من إخلاصه لبلده.. مقدرش أطلب منه تحويل مصر إلي يابانية.. الشعب محتاج يتغير¢. هذا بعض مما يكتبه مواطنون عاديون ينضح صدقًا ووعيًا ورغبة حقيقية في مساندة الدولة.. ويبقي أن نطالب بتحقيق عدالة ناجزة وخطوات أوسع علي طريق الإصلاح حتي لا نعطي الفرصة للمتصيدين أن ي وقعوا البلاد في شراك الفتنة والابتزاز.. وإذا كان هناك من يسيئون للدولة في محاولة لإرباكها فعلي أجهزة الحكومة التحلي بالشفافية والمصارحة والمحاسبة والحسم والمواجهة في مواقف لا تقبل التسويف أو التراخي.. علي الحكومة أن تسرع وتيرة تفاعلها المدروس ع الميديا خصوصًا العالمية.وأن تقارع الحجة بالحجة والرأي بالرأي.وأن تبادر إلي تصحيح أخطائها من تلقاء نفسها. وأن تحرص علي الإنجاز وتفعيل القانون والدستور.. فذلك كفيل بإخراس الأصوات الزاعقة ووضع الأمور في نصابها الصحيح.. وإلا سنبقي ندور في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل.. وهنا لا يصح أن نسأل عن هيبة الدولة في مواجهة خصومها.. وما أكثرهم!!