ناضلت مصر طويلاً للتخلص من فخ الديون. ولتحرير الإرادة الوطنية من السيطرة الاستعمارية والهيمنة الأجنبية وكانت بوابة الاستدانة والاقتراض من الهيئات و"البيوتات" المالية الغربية. هي بوابة التدخل في الشئون الداخلية المصرية. ومن ثم ذريعة فرض الاحتلال الخارجي والسيطرة بالقوة المسلحة علي مصائر البلاد وهو ما حدث بشأن الاحتلال الانجليزي لبلادنا ذلك الاحتلال البغيض الذي استغرق من عمر أجدادنا وآبائنا نحو ثلاثة أرباع القرن. واستنفد جهوداً ضارية للخلاص من تبعاته. ودفعت دماء زكية لا حد لها للحصول عليه. مناسبة هذا الكلام ماكشفه البنك الدولي عن الشروط التي فرضها علي مصر. مقابل اقراضها مبلغ مليار دولار لدعم الموازنة العامة وهو ما نشر يوم الأحد 31 يناير المنصرم "جريدة المصري اليوم" وقالت المصادر ان البنك الدولي يفرض علي الحكومة المصرية تنفيذ "حزمة" من الاجراءات حتي يوافق علي منحها هذا القرض في مقدمتها خفض أجور الموظفين. من 8.2% من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي إلي 7.5% عام 2018 ورفع الضريبة علي المبيعات علي السلع والخدمات من 5.4% من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي إلي 6.7% عام 2018 وخفض دعم الطاقة من 6.6% إلي 3.3% العام الجاري. "أي بمعدل النصف" فضلا عن زيادة تعريفة الكهرباء علي جميع فئات المستهلكين من 226 جنيه لكل كيلو وات عام 2014 إلي 451 جنيهاً لكل كيلو وات عام 2018 أي بمضاعفة الأسعار دفعة واحدة مع فرض تقليص حصة الدولة في الشركات القابضة للطاقة من 92% العام الماضي إلي 85% عام 2018 ويضاف إلي ذلك رفع نسبة ضريبة الدخل علي الشركات. لكن الأخطر في سلسلة شروط البنك الدولي كان فرض اجبار الحكومة علي الافصاح عن مراجعاتها الداخلية في جميع الهيئات والوزارات أي فرض الوصاية الأجنبية علي سير وأسرار دولاب العمل الحكومي! وبعد: تأتي هذه الشروط الخطيرة بعد أيام قلائل من الذكري الخامسة لتفجر ثورة 25 يناير 2015 وقبلها بأيام حلت الذكري التاسعة والثلاثين ل "انتفاضة الخبز" في 18 و19 يناير 1977 وكلتاهما كان من دواعي انفجارهما غياب العدالة الاجتماعية وتحميل الطبقات الفقيرة وحدها عبء الأزمة الاقتصادية والضغط غير الرشيد علي الفقراء "وهم أكثر من نصف المجتمع" والطبقات محدودة الدخل. و"هم أغلبية النصف الباقي" لاعتصار قروشهم البسيطة فيما يعُفي من كل التزام اجتماعي الطبقات الغنية ورجال المال والاعمال والشرائح العليا في المجتمع! *** يقتضي واجب الأمانة أن ندق ناقوس الانذار للمسئولين من الاستمرار في انتهاج هذا النهج الخطير الذي لا يُفَّرط في السيادة الوطنية وحسب فيما لو تم الموافقة علي تنفيذه وإنما يضع البلاد بكاملها علي حافة جرف هاو لا يعرف إلا الله مداه ويقود حتماً إلي التهلكة! في 18 و19 يناير 1977 خرج ملايين المواطنين إلي الشوارع ثائرين وكادوا يطيحون بنظام "أنور السادات" وهم يهتفون "هما بياكلوا حمام وفراخ وإحنا الجوع دوخنا وداخ.. هما بيلبسوا آخر موضة. وإحنا بنسكن عشرة ف أوضه" واحذر من استمرار هذا المسلك. الذي يناقض مطالب الثورة ولا يحترم الدستور بإهداره حق عشرات الملايين من المصريين في "العيش" و"الحياة الكريمة". اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد!