"حار جاف صيفا" للمخرج شريف البنداري - عن سيناريو رائع ل نورا الشيخ - كان أحد خمسة أفلام مصرية شاركت في مهرجان دبي السينمائي الثاني عشر "9- 16 ديسمبر 2015". فهو أحد فيلمين قصيرين إلي جانب ثلاثة أفلام طويلة ¢قبل زحمة الصيف¢ لمحمد خان. و¢نوارة¢ لهالة خليل الذي حصلت بطلته منة شلبي علي جائزة أحسن ممثلة. و¢أبداً لم نكن أطفالا¢ لمحمود سليمان الذي نال جائزتين. كان الفيلم يستحق جائزة وكان أهم الأعمال المصرية علي قصره. لكن لسوء حظه لم يكن في لجنة تحكيم المهر القصير عضو مصري يدافع عنه كما في لجنة المهر الطويل التي شارك فيها الفنان خالد النبوي فحصدت مصر ثلاثة جوائز كانت تستحق منها اثنتين فقط. يبدأ فيلم "حار جاف صيفاً" من شريط الصوت ومذيع الراديو يقدم الشيخ محمد رفعت لمدة نصف ساعة هي مدة الشريط الفيلمي. بينما تبدأ الصورة علي رجل ستيني - يقوم بدوره محمد فريد - وهو ينشر الغسيلپويسقط منه قطعة من ملابسه. ومن الداخل يأتينا صوت ابنه المحايد والذي يكشف عن بروده العاطفي تجاه مرض والده وهو يعتذر عن عدم الذهاب معه للطبيب بسبب مقابلة شديدة الأهمية مفاجئة في عمله. يخرج الأب مريض السرطان الشارد معظم الوقت وقبل أن يتحرك في تاكسي يقوده رجل يعرفه يلتقط قطعة الملابس التي سقطت منه أثناء نشر الغسيل ثم يدسها مع صور الأشعة بالكيس البلاستيك الذي يحمله. في الطريق تُشير للتاكسي ذاته فتاة شابة نعرف مسبقاً أنها تستعد لزفافها اليوم - تقوم بدورها ناهد السباعي - ولأن العريس لازال يُحضر أهله من طنطا تتنقل هي مع صديقتها لتحضر الفستان وتذهب إلي الكوافير. عندما تهبط من التاكسي تأخذ معها الكيس البلاستيك عن طريق الخطأ. فيضطر البطل للبحث عنها عندما يكتشف ضياع الكيس. فيزور الخياطة ثم الكوافير. وأثناء ذلك وعلي مدار 32 دقيقة - هي مدة الفيلم - نعيش معه لحظات إنسانية جميلة رغم كونها مؤلمة في بعض اللحظات. وفيها ندرك كيف يأنس كل منهما بالآخر. وكيف يصبح كل طرف من البطلين سندا للآخر في محنته ووحدته من دون أن يقول هذا ومن دون شعارات أو كلمات رنانة أو خطب. بلقطات تقول لك أن ما تراه في هذا الشريط لا يحدث إلا في مصر. فهذا الشعب رغم ما مر به من نكسات وما يعيشه من معاناة لازال قادر علي الاحتفاء بالحياة. نستشعر ذلك في لقطات عدة منها لقطة نراهما يلتهما فيها الآيس كريم بسعادة في ظل درجة الحرارة الشديدة والرطوبة المرتفعة. آيس كريم أهداه للبطلة صاحب المحل بمناسبة عرسها. بحديث عابر لكن به كلمات صادقة تشي بالتأثر. بلقطات نسمع فيها أصوات أبواق السيارات المجاورة في الشارع وهي تُحيي العروس وكلمات موجهة للعجوز الجالس إلي جوارها مثل: ¢مبروك.. عقبال ما تزوج أولادها يا حاج¢. أو بتلك اللقطات عندما يرفض العريس أن تذهب العروس إلي مصور الفوتوغرافيا بمفردها هي وصديقتها فتخبره - كذباً - أن والد الصديقة سيكون معها بينما بصحبتها مريض السرطان شهاب عبد الحميد. وهناك عندما يتأخر العريس يقترح المصور أن يلتقط صورة الزفاف للشابة بصحبة العجوز المريض ثم يستبدله من خلال الفوتوشوب. "حار جاف صيفا" هو أحد الأفلام التي لا يفسد متعة مشاهدتها حكي قصتها. لأن الفيلم يُجسد حالة تعيشها وتستمتع بها. حتي لو شاهدته أكثر من مرة. ينتهي الفيلم بثلاث لقطات» الأولي تنتمي زمنياً لنفس اليوم إذ يقول الطبيب الأجنبي لزميله بعد رؤية أشعة شهاب: ¢لا أصدق أن هذا الرجل لايزال علي قيد الحياة ويعمل. إنه يعيش في جسد رجل ميت. فالورم السرطاني الذي يهاجمه عنيف جدا. وليس أمامه سوي أيام أو أسابيع. إنه حالة ميئوس منها. دعنا لا نضيع وقتنا ونري الحالة التالية.¢ أما في اللقطتين التاليتين - بعد مرور نحو عامين - فيصاحبهما علي شريط الصوت أغنية محمد عبد الوهاب ¢لا مش أنا اللي أبكي ولاَّ أنا اللي أشكي¢ وفي إحداهما نري البطلة وصورة زفافها بعد الفوتوشوب بينما طفلها يلهو علي الأرض. وهي تعد الطعام وتتحدث مع صديقتها علي الهاتف عن مشاكلها مع زوجها والخصام والمصالحة بينما بطنها منتفخة تكاد تقترب من الولادة. ثم تنتقل الكاميرا إلي شهاب عبد الحميد الذي لايزال حيا يرزق وهو يأكل الآيس كريم في البلكونة وتتحرك الكاميرا حركة عرضية لنري صورته مع تلك العروس الشابة قبل الفوتوشوب في ذلك اليوم البعيد.