جدد المستشار "هشام جنينه" رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات نكأ الجرح النازف. بأحاديثه المستفزة عن الحجم الهائل للفساد في مصر. ومفاد هذه الأحاديث التي كررها بتفاصيلها في العديد من اللقاءات الصحفية مؤخرا. أن الفساد يستنزف أرقاما فلكية من دم وعرق المصريين. وهاكم بعض الأرقام والحقائق المفزعة التي ذكرها. إجمالي مستحقات الدولة. التي لم تحصل بسبب الفساد والبالغة 600 مليار جنيه. لا تستفيد منها الدولة لوجود قصور في قانون الحجز الإداري. وغياب اللوائح والقوانين المالية في الرقابة. إجمالي ما تم رصده من فساد في عام واحد 2014. بلغ نحو 200 مليار جنيه. ومثلهم أو يزيد بالطبع. تضاف إلي المبالغ الأصلية التي تنهبها حيتان المفسدين. كل عام! لا توجد مؤسسة في مصر لم يطلها الفساد الممنهج. خلال العشر سنوات الماضية!. بما فيها الجهاز المركزي للمحاسبات "نفسه" وأن الفساد لم يوفر جهازا في الدولة إلا واخترقه. الزراعة. والصحة. التعليم. التعليم العالي. شركات قطاع الاعمال. والهيئات الاقتصادية. والجهات الحكومية. والنقل.. الخ. يصدر الجهاز المركزي للمحاسبات مالا يقل عن ثلاثين تقريرا كل عام. ترسل إلي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وسيقوم بارسالها إلي مجلس النواب حال انعقاده. كما يتم علي الفور إبلاغ النيابة العامة بالتقارير التي تمثل مخالفات جسيمة وإهدارا للمال العام! ولما كان معلوما أن جرائم الفساد عموما. وغيرها من الجرائم والتجاوزات. لا يبين منها إلا قسما محدودا. كالجزء الظاهر من جبل الجليد. وان ما خفي كان اعظم. فيفترض ان يكون الحجم الحقيقي لخسائر مصر التي ينهبها الفاسدون بدون وجه حق. اضعافا مضاعفة مما تقدم ذكره. لكن حتي لو اكتفينا بما تقدم من أرقام. فهي في حد ذاتها تمثل قيما فلكية. تستطيع. حال استردادها او حتي استرداد جانب منها. ان تخرج مصر من أزمتها الاقتصادية الطاحنة. وان تحل العديد من المشكلات الحياتية الصعبة التي تواجهنا. وان تدفع بلادنا إلي بر الأمان! والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه بعد هذا: طيب فلماذا لا تحارب الدولة الفساد إذن؟! ولماذا لا نري إرادة حقيقية لتعقب الفساد وقطع دابر المفسدين. ووضع حد لهذا الاستنزاف اليومي. الذي لا يكتفي بسرقة حاصل جهد وعرق ودماء المصريين وحسب. وإنما يشيع التحلل والخراب. وينشر العجز والتسيب. في جميع أركان الدولة. وحتي في أجهزتها ومؤسساتها الدقيقة والحساسة؟! ثم لماذا نري الدولة المصرية عاجزة ومترددة إزاء المواجهة الضرورية للفساد والمفسدين. بدءا من "مبارك" وابنيه "جمال" و "علاء" وباقي زبانية عهده. وفي مقدمتهم امبراطور الحديد احمد عز ومرورا بحسين سالم امبراطور الغاز والتطبيع مع الدولة الصهيونية. وحتي صلاح دياب الذي لم نعرف لماذا تم إلقاء القبض عليه. ثم لماذا افرج عنه؟! وهل كان بريئا وسجن ظلما. ام كان مذنبا وأفرج عنه زورا؟! فضلا عن المئات من رموز المجتمع وعلية القوم الذين يتصدرون المشهد ويسرقون الكاميرات الآن. رغم ما تفوح حولهم من روائح نتنة. وأخبار فاضحة؟! وإذا كانت الحجة التي يقدمها السيد المستشار لتفسير أو تبرير اسباب التراخي في بتر الفساد وإنهاء مسلسله الخائب الذي مللنا منه. هي وجود قصور في قانون الحجز الإداري. وغياب اللوائح والقوانين المالية في الرقابة فما الذي منع إصدار هذه القوانين الشديدة الالحاح. وقد شهد عهدي الرئيس عدلي منصور والرئيس عبدالفتاح السيسي إصدار أكثر من أربعمائة قرار بقانون. نظرا لغياب البرلمان. الكثير منها ليس أكثر أهمية أو إلحاحا من هذه التشريعات الملحة؟! وقد يعلل البعض غياب همة الدولة في التصدي الحاسم للفساد. بعدم جواز خوض معركتين في وقت واحد: ضد الإرهاب. وضد الفساد. فهل يمكن تصور ان ننتصر في معركتنا ضد الإرهاب. بدون حرب ضروس في مواجهة الفساد؟! وإلا ندرك بعد كل ما مرنا به من تجارب. وما دفعناه من أثمان باهظة. ان الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة. ثم ألا يعلم القاصي والداني. أن كل أحلام المصريين. ورغبتهم. بل وحاجتهم المصيرية للتقدم والتخلص من التخلف والتبعية. والحاجة إلي مد اليد لمن يسوي ولا يسوي تتوقف علي وجود جهاز إداري كفؤ. ونزيه. وقادر علي العمل المخلص من اجل خير الشعب والوطن. وان هذا الامل لا يمكن تحقيقه إلا في ظروف تخلو من الفساد. ولا يوجد فيها شبهة خراب الذمم والتربح واستغلال الوظيفة العامة وإهدار ثروة الشعب. علي هذا النحو المريع. الذي عبر عنه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات؟! نريد إجراءات حاسمة. تنقذ البلاد من مستقبل بائس إذا استمرت أوضاعنا علي نحو ما أشار إليه المستشار جنينه. ولا عذر للسلطة في حل مشكلة غياب القوانين والإجراءات الرادعة للفساد والمفسدين. إذ يجب أن يكون سد هذا النقص هو أول أولويات البرلمان الجديد. بدلا من المهاترات الخائبة بين كتله وائتلافاته. والتصارع المشين علي "التورته" وعلي جثة أحلام الوطن!