لا يملك إنسان لديه الحد الأدني من الإحساس. إلا أن يتعاطف. من أعماقه. مع الضحايا الأبرياء. الذين سقطوا برصاصات الإرهاب الغادر. في العملية الخسيسة التي روعت باريس والعالم. مساء يوم 13 نوفمبر الماضي. والتي خلفت مئات القتلي والجرحي. ومائة من المصابين في حالة حرجة. والأهم أنها نقلت الخوف من الإرهاب. الذي صار طقساً عربياً بامتياز. إلي تلك الديار البعيدة. التي كانت تظن. وبعض الظن إثم. أنها بمنأي عن أن تطالها اليد الدنيئة. التي ضربتها في ظلمة الليل البهيم! ومع كل التعاطف الواجب. مع أسر وذوي الضحايا. لأننا جربنا في بلادنا آلام الفقد للأبناء الذين اغتالهم الإرهاب الأسود. منذ أسقط الشعب جماعة إخوان الشيطان وأشياعهم من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية. إلا أن هناك عدداً من النقاط لا يمكن تجاهلها. ولابد من الإشارة إليها: إن للإرهاب أسباباً ودوافع محلية عديدة. لكنها جميعاً لا تنفي أن للإرهاب أباً رئيسياً هو الدول الغربية الكبري. وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. وانجلترا. التي يسرت الشروط لميلاده. وكانت "القابلة" أو "الداية" التي استقبلته. والأم الرءوم التي أرضعته. وبسطت عليه حمايتها. حتي نمي عوده. فأرضعته لبن القتل والتكفير. والكراهية والحقد. ثم أطلقته إلي أرضنا الآمنة. يعيث فيها فساداً. وينشر الدمار والخراب في كل الأركان! ولكن. وككل فرد يربي وحشاً. ويطلقه علي الناس لترويعه. يأتي وقت. ليس بالبعيد. ينقض هذا الوحش علي صاحبه. ويمزقه شر ممزق! وهذا هو ما حدث بالتمام والكمال. ولعلنا لم ننس "أسامة بن لادن". الذي نصبته الولاياتالمتحدة "إماماً للمجاهدين". في أفغانستان. ثم لم يتورع - بعد أن استنفذ أغراضه - من أن تقتله بدم بارد. وأن ترمي به إلي قاع اليم. مربوطاً بسلاسل من حديد. حتي تضمن أن تنتهي سيرته. مرة وإلي الأبد. لكن بعد أن جرعها كأس العلقم يوم 11/11/2001. في واقعة ضرب برجي "مركز التجارة العالمي" الشهيرة. لقد حمت مصر المثقلة بالأحمال. المثخنة بالجراح. لا المنطقة وحسب. وإنما العالم أجمع من هجمات "البرابرة" الجدد. واقتطعت من قوت يومها. حتي تحمي ترابها الوطني من النهب والسرقة. وتنقذ العالم من الفوضي والخراب. وهي تستحق. لذلك مكافأة كبري لصمودها واستبسالها. وليس تصريح "جون كيري". وزير الخارجية الأمريكي. الأخير. والذي يقول فيه بوضوح وقطع "إن القضاء علي داعش. يتطلب جهوداً سياسية. من كافة الدول العربية. سواء السعودية أو مصر. والأمم المتحدة". إلا اعترافاً بصحة موقف مصر. وبشرعية تصديها للإرهاب. لكن "بعد خراب مالطة". كما يقال. ولعلنا نتفحص مغزي ضرب الإرهاب لمدينة "باريس" في سبعة أماكن متزامنة. منها محيط الاستاد الرياضي. الذي كان رئيس الدولة وضيفه الألماني. يتفرجان فيه. مع آلاف المواطنين. علي مباراة لكرة القدم. بين فرنسا وألمانيا. وآخر كان مسرحاً ممتلئاً بالجمهور. وثالث مطعماً يرتاده المواطنون.... إلخ! إنها حرب شاملة. لم تفلح كفاءة الأمن الفرنسي المؤكدة. ولا الامكانات الاستخباراتية الدقيقة. أو التعاون الأمني في المنظومة الغربية. في إيقاف موجاتها!! ومع هذا. وهنا مربط الفرس. لم نسمع من أي دولة أوروبية. وانجلترا أساساً. إدانة مسبقة لإدارة فرنسا. علي نحو ما فعلته لندن - بجلافة - وقت زيارة رئيس مصر لها. بإدعاء أنها تمتلك ما يؤكد. حتي قبل ابتداء تحقيق الأجهزة المختصة وإعلانه. أنها تمتلك الدليل علي حقيقة ما حدث. أو تبادر بقطع المواصلات بين أي من الدول الأوروبية الأخري. أو توقف وصول الزائرين. أو تمنع تدفق السائحين. أو توقف الرحلات من وإلي المدينة المنكوبة! وهذا الأمر. وبوضوح كامل. يعكس "نفاق" و"إزدواجية المعايير" الغربية. فهي معك إن كان لها في ذلك مصلحة. وضدك. حتي الانتقام. إن تعارض موقفك مع مصلحتها. إنها الانتهازية الصافية. التي يكشف الواقع عن بؤسها وانفضاحها! ہہہ و"رب ضارة نافعة" كما يقولون. فالمحنة تلد الشجاعة. ورجاحة العقل تفرض أن نستفيد من هذا الظرف الصعب. الذي تمر به بلادنا. والعالم. فنربط الحزام علي البطون. ونحرص علي ألا نصرف قرشاً إلا للضرورة. ونعتمد علي الذات. وننوع اقتصاديتنا. بدلاً من الاقتصار علي السياحة. التي تضع الاقتصاد في وضعية هشة. سهلة الإعطاب. ونتيقظ لعدونا. الذي لن يهدأ له بال. ولن يتراجع عن محاولة إفشالنا.. لكنه هو الذي سيفشل في النهاية!