رغم صغر حجمه مقارنة بالمعابد المصرية الاخري إلا أن معبد إسنا يعد واحدا من أجملها وأكثرها حيث مازالت النقوش والألوان زاهية كما لو أنها تمت منذ زمن قريب. يقول الأثري سلطان عيد رئيس منطقة آثار مصر العليا إن المعبد يقع علي الضفة الغربية لنهر النيل علي مسافة 100 متر من النهر ويتعامد رأسيا عليه علي محور واحد وتنخفض ارضيته بعمق حوالي 9 أمتار عن مستوي الأرض الحالية لمدينة اسنا وينزل إليه الزائرون من السياح عن طريق سلم حديدي حديث خصص هذا المعبد لعبادة المعبود خنوم وزوجتيه "منحيت ونيبوت" وتمثل علي جدران المعبد برأس كبش وجسد إنسان كما تمثلت زوجته الأولي برأس أنثي الأسد ويعلوها قرص الشمس وجسد انثي كالمعبودة سخمت وتمثلت زوجته الثانية نيبوت وتعني "سيدة الريف" في صورة آدمية علي شكل سيدة يعلو رأسها قرص الشمس بين قرنين كالمعبودة ايزيس. المعبد تم بناؤه علي الطراز البطلمي في عهد الملك بطليموس السابع الملقب باسم "فلوميتور" أي المحب لأمه واستمر البناء والإضافة في عهد الرومان من بعدهم حيث ترك كل من الامبراطور كلاوديوس وماركوس أوريليوس بصماتهما واضحة علي جدران المعبد. يضيف الدكتور مصطفي وزيري مدير آثار الأقصر ان تاريخ اكتشاف معبد اسنا وتنظيفه من الأتربة يرجع إلي أواخر عهد محمد علي باشا الذي حكم مصر في أوائل القرن 19 وتحديدا في عام 1843م. تشير بعض الدراسات إلي ان البطالمة شيدوا هذا المعبد فوق اطلال معبد قديم يعود إلي عصر الأسرة الثامنة عشرة حيث عثر علي نقوش تحمل اسم الملك تحتمس عام 1468 1436 ق.م كما يشير إلي أن عالم الآثار الفرنسي شامبليون الذي زار المدينة عام 1828م. بل ان بعض الدراسات تشير إلي بنائه خلال عصر الأسرة الثانية عشرة 1991 1778 ق.م بالدولة الوسطي وانه تعرض للانهيار وأعيد بناؤه في عصر الأسرة السادسة والعشرين ويمتد لمئات الأمتار اسفل الشوارع والمنازل الحالية بالمدينة. أشار إلي أنه في العصر الروماني أضاف الرومان قاعة اساطين ترجع لعصر الامبراطور كلاوديوس 40 ميلادية. كما تمت زخرفة الصالة في عصور الاباطرة فيسيان وتراجان وهادريان واحدث النقوش علي الجدار الغربي للمعبد ترجع لعهد الامبراطور ديكيوس حوالي سنة 249-250 أي أن البناء والزخرفة استمرت علي فترات ولمدة 400 سنة ما بين عامي 181 قبل الميلاد وحتي سنة 250 ميلادية. يتكون المعبد من صالة مستطيلة الشكل ذات واجهة من طراز عمارة المعابد المصرية القديمة في العصرين اليوناني والروماني ويحمل سقفها 24 اسطوانة بارتفاع 13 مترا ومزخرفة بنقوش بارزة ذات تيجان نباتية متنوعة. تعتبر هذه الصالة من اجمل صالات الأعمدة في كافة المعابد المصرية من حيث تماثل النسب وطريقة نحت تيجان أعمدتها وبقائها في حالة جيدة من الحفظ. وتصور مناظر المعبد بصورة عامة الملوك البطالمة في الجدار الغربي والاباطرة الرومان في هيئات فرعونية وهم يقدمون الهبات والقرابين والزهور المقدسة لآلهة المعبد خنوم وزوجتيه منحيت ونيبوت ومعبودات اخري مثل "مين وسوبك وايزيس". أما المناظر الداخلية كما يقول وزيري للمعبد فتشير إلي الديانة والعقيدة في تلك الفترة وتتكون من مؤلفات دينية ونصوص عن خلق العالم واصل الحياة بالاضافة إلي التضرعات والتراتيل الدينية وأعياد المعبود خنوم ومناظر فلكية ومناظر تأسيس المعبد ومناظر سحرية تمثل صيد وقتل الأرواح الشريرة وهزيمة الأعداء. كما يتزين الجزء الجنوبي من الواجهة بمناظر تمثل خروج الامبراطور "تيتوس" علي هيئة فرعونية من قصره حاملا رموزاً أربعة للمعبودات "خنوم وتحوت وحورس وأنوبيس" ثم يليه منظر يمثل عملية تطهير الامبراطور بواسطة المعبودين حورس وتحوت بأواني التطهير وبعلامات الحياة أمام المعبود خنوم ثم منظر قيادة معبودي الشمال والجنوب للامبراطور إلي داخل المعبد والناحية الشمالية تمثل مناظر تتويج الامبراطور. أما في الناحية الغربية فيوجد منظر رئيسي يمثل المعبود خنوم برأس كبش وجسد إنسان بالزي الالهي داخل قرص الشمس وهو يعني أن الإله خنوم محمي من جانب المعبود رع. ويؤكد عبد الوهاب محمود محمد مدير منطقة آثار إسنا وأرمنت انه في الوقت الحالي لا توجد أخطار محيقة بالمعبد سواء في الأرضية أو الأساسات أو النقوش والألوان والكتابات وغيرها من معالمه الحضارية مشيرا إلي أن المعبد بعيد عن أخطار الصرف الصحي والمياه الجوفية وخطوط مياه الشرب بالشوارع المحيطة وقناطر اسنا القريبة منه حيث ان معظم المنازل القديمة الملاصقة للمعبد غير آهلة بالسكان في الوقت الحالي كما تم الانتهاء من مشروع سحب المياه الجوفية من المعبد في عام 2007 خلاله خفض نسبة المياه إلي مستوي مترين ونصف المتر اسفل ارضية المعبد وهو مشروع مجهز أوتوماتيكيا ويعمل طوال ساعات الليل والنهار لكي يتم سحب وطرد المياه الجوفية بمجرد ارتفاعها إلي خمسة سنتيمترات عن المعدلات المحددة كما يوجد ما يسمي بمقياس النيل داخل المعبد لمراقبة نسبة المياه ومناسيب ارتفاعاتها دوريا. أوضح مدير آثار اسنا ان المعبد والمنطقة المحيطة به والتي ترتفع بمقدار مترين ونصف عن مستوي سطح النيل في حاجة إلي مشروع كبير "ماستر بلان" للكشف عن بقية معالمه الموجودة اسفل المنازل من الناحية الغربية وهو ما يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية والتنسيق بين الوزارات المختلفة وعلي رأسها المحليات والآثار والإدارة الهندسية لحصر المساحة الاجمالية المطلوبة وعدد المنازل وقيام الدولة بنزعها للصالح العام وتعويض أصحابها الذين أبدي غالبيتهم ترحيبهم بأعمال التطوير والكشف عن بقية المعبد. التقت "الجمهورية" بالأثري صابر إبراهيم حسن مفتش الآثار بالمعبد والذي أكد أن مشروع سحب المياه الجوفية الذي يعمل من خلال شبكة تحكم ذاتية تعمل تلقائيا لمدة 24 ساعة بمجرد حدوث زيادة نسبة المياه تضمن إنشاء عدد 6 من الآبار في الناحيتين الشمالية والجنوبية داخل المعبد وعدد آخر خارج بالمنطقة المحيطة والمحددة ضمن مشروع النزع حيث يتم تجميع المياه داخل تلك الآبار المحاطة بعدد من الفلاتر ثم طردها إلي النيل مشيرا إلي أن المشروع راعي تماما مشكلات ارضية المعبد وهيدروليكية التربة اسفله لضمان عدم حدوث أعمال تفريغ اسفل القواعد بما يهدد بانهيار المعبد. مشيرا إلي أن مشروع الحفاظ علي المعبد وحمايته من أي أخطار تضمن ايضا انشاء شبكة لرصد الاهتزازات والميل في جدران وأعمدة المعبد حيث يأتي مهندس من الإدارة الهندسية لقراءة البيانات شهريا ودراسة وتحليل الأرقام الظاهرة بالكابينة المجمعة. أوضح مفتش آثار المعبد أنه بعد التخلص من مشكلة المياه الجوفية تم تنفيذ مشروع آخر لإزالة الأملاح من فوق الجدران والاعمدة من خلال وحدة ترميم آثار إسنا وهو ما أعاد للمعبد جماله ورونقه بألوانه ونقوشه الزاهية. حول مشكلة الحمام الجبلي الذي يسكن المعبد بأسرابه الكثيفة صمت المفتش صابر قليلا ليعود ويؤكد أن جميع الافكار استنفدت ولا يعرف احد كيفية مواجهة "الحمام" الذي يلقي بمخلفاته علي جدران وتيجان المعبد خاصة مع ارتفاع الاعمدة الذي يصل إلي ما يقرب من 12 مترا وارتفاع السقف إلي 65.13 متر مشيرا إلي أن سبب وجود بقايا دخان داخل المعبد هو استعماله كمخزن اثناء حكم محمد علي باشا وانه من حسن الحظ انه لم ينقل احجار المعبد لاستخدامها في إنشاء الكلية الحربية غرب المعبد وهي أول كلية اقصي الصعيد قرر ان ينشئها بعيدا عن انظار الاعداء العثمانيين والانجليز في ذلك الوقت. أوضح صابر أن ضباط شرطة السياحة والآثار العاملين في حراسة وتأمين المعبد يعملون في ظل ظروف صعبة من ارتفاع درجات الحرارة صيفا وبرودة الجو شتاء دون وجود مقار ومواقع أمنية مخصصة لهم يستطيعون من خلالها أداء مهامهم المنوطة بهم مؤكدا ان مشروع التطوير يضمن وجود خطة لتوفير الشروط الملائمة لتأمين المعبد. طالب مفتش الآثار بتنفيذ مشروع الدكتور سمير فرج المحافظ الاسبق للأقصر والذي وضع خطة لتطوير المنطقة بالكامل لإحياء المدينة القديمة تحت عنوان "واحة إسنا التراثية" ويتضمن نزع مساحة 55 فدانا حول المعبد وتعويض أصحابها عنها والبدء في الكشف عن بقية أجزاء المعبد الممتدة غربا وربما جنوبا وشمالا وإنشاء واحة ريفية وعدد من البازارات والكافيتيريات والخانات والطرق وميناء المعبد المطل علي النيل والحفاظ علي الطبيعة التراثية بما فيها المسجد العمري وكنيسة الأم دولجي وكان المشروع وقتها بتكلفة 370 مليون جنيه والتي ربما تصل اليوم إلي ما يقرب من مليار جنيه. أشار صابر إلي وجود القرار رقم 1972 لسنة 2014 بنزع مساحة 2074 مترا لصالح مشروع التطوير كما توجد مشروعات اخري من وزارتي الآثار والعشوائيات لتطوير المنطقة لكنه لم يتم حتي اليوم تنفيذ أي منها بسبب مشكلات التمويل واختلاف الرؤي العلمية. المهندس محمد السيد رئيس مركز ومدينة إسنا أكد أن المعبد آمن تماما وبعيد عن مشكلات المياه الجوفية والأملاح وخلافه مشيرا إلي أنه بخلاف وجود مشروع لسحب المياه الجوفية داخل المعبد تم تنفيذ مشروع آخر لحفر 20 بئرا في المنطقة المحيطة بالمعبد لتجميع وسحب المياه الجوفية وانه في انتظار التقرير الاخير لمعهد البحوث لتشغيل المشروع لتجفيف المنطقة بالكامل من المياه الجوفية الناتجة عن الصرف الصحي وغيره. أكد رئيس المركز منع أنشطة البناء والاحلال والتجديد بالمساكن علي مساحة 25 فدانا حول المعبد وان البحث جار عن قطعة أرض مناسبة من أملاك الدولة لتعويض الأهالي عن أراضيهم المقرر نزعها وان مجلس المدينة ارسل تقريرا وافيا للدكتور محمد بدر محافظ الأقصر لعرضه علي مجلس الوزراء كما تحدث مع الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار خلال زيارته السابقة للأقصر والذي وعد بتنفيذ مشروع كبير لتطوير المنطقة بعد تعويض الأهالي عن ممتلكاتهم.