استكمالاً لمسلسل الإهمال فى المناطق الأثرية المنتشرة فى صعيد مصر، رصدت «الوطن» مدى الدمار بمعبد «شنهور» بمركز قوص، الذى غمرته «المياه الجوفية»، ودمرت أعمدته الأثرية وقواعدها، وتحللت معظم أساساته. عليك قبل أن تفكر فى زيارة معبد «شنهور» أن تسأل الأثريين، فلا توجد له لافتة تدل على وجوده، كدليل دامغ على إهمال الدولة فى التعريف بما خلفه الأجداد من كنوز وثروة ضخمة من الآثار لا تقدر بثمن، عندما وصل محرر «الوطن» إلى بوابة المعبد، وجدها مغلقة على الرغم من تعيين 5 حراس عليها من قبل هيئة الآثار، هدفهم حراسة المعبد ليل نهار، وعند رؤيتنا جاء طفل قائلاً: «أنادى الحارس، إنه يسكن على امتداد سور المعبد»، رافقنا الطفل، مارّين على عشرات المواشى المربوطة بجوار السور، حتى وصلنا إلى منزل الحارس، نادينا عليه، فخرج لابساً جلبابه ولفافة على رأسه، وعدنا مرة أخرى حتى وصلنا إلى بوابة المعبد، ففتح لنا الحارس قفلاً أكله الصدأ، وعند دخولنا وجدنا روث المواشى، وأكواماً من الركام الأثرى، وحشائش. يرجع تاريخ المعبد إلى العصر الرومانى، ويتكون من ثلاث صالات وفناء أمامى به بقايا قواعد أعمدة وخلفها فناء المعبد الرئيسى وهناك حجرتان شرق قدس الأقداس وحجرة غربية، وشمالاً يوجد سردابان، وقدس الأقداس الرئيسى به نقوش تمثل الإمبراطور يتعبد للآلهة: مين، حورس، تحوت، آمون رع، وآلهة أخرى، وبه السرداب المؤدى إلى معبد دندرة وقفط، حسب روايات أثريين. يقول حارس المعبد -الذى طلب عدم ذكر اسمه- إنه أصغر المعينين من حراس المعبد الخمسة: لم أشاهد خلال عملى إجراءات حقيقية من قبل الآثار لحل مشكلة المياه التى هدمت أركان المعبد، ويأتى من حين لآخر مفتش آثار يقف أمام المعبد على الحشائش بعيداً عن المياه، وأثناء مغادرته يقول لنا «خلوا بالكم من آثار أجدادكم، دى أمانة»، وكأنه يستهزئ بنا. ويضيف الحارس أن المياه الجوفية تصل إلى ارتفاع متر فى جدران الطابق الثانى من المعبد، فى شهر أبريل وحتى شهر ديسمبر، ثم تنخفض نسبياً فى يناير، لكنها تظل تغمر الدور الأول الذى يقع فى باطن الأرض طيلة العام، موضحاً أنه كانت هناك محاولة لوضع مواسير ضخمة فى باطن الأرض لشفط المياه لكنها فشلت، لأنها تحتاج مواتير كثيرة لم تستطع الدولة توفيرها. وتابع: «كانت تأتى بعثات فرنسية إلى المعبد تقوم بتحليل الحجارة، وترميمها وتدوين الكتابات المنقوشة على الحجارة، ووضع الطوب وبعض الحجارة فى مخزن جانبى مكون من غرفتين على جانبى المعبد، كما كانت ترصد كميات المياه من وقت لآخر، ومدى تأثير تلك المياه على أعمدة المعبد، الذى يبلغ عددها 48 عموداً، منها 12 فى داخل المعبد، والأخرى بين منازل القرية ملقاة على الأرض. ويقول محمد سعيد، أحد سكان القرية، إن المعبد كانت ترعى فيه مواشى وأغنام القرية، قبل بناء السور، وكانت هيئة الآثار على علم بذلك، وكان مفتوحاً على مصراعيه، ونهبه الغرباء الذين كانوا يحفرون به ليلاً، وبعد بناء السور، حفر أحد أصحاب المنازل ومعه عدد من المواطنين والشيوخ مدخلاً من منزله إلى قلب المعبد، بامتداد 25 متراً، وبعد ظهور عمليات الحفر، طلب عدد من الأهالى الشرطة، وتم إلقاء القبض على 15 شخصاً، وسلمتهم القوات إلى شرطة الآثار، وتمت محاكمتهم، مطالباً بفتح تحقيق حول سرقة الآثار من المعبد. وقالت الدكتورة ثناء راشد، رئيسة قسم الآثار المصرية بكلية الآثار، جامعة جنوب الوادى، إن الآثار المصرية معرضة للدمار بسبب المياه الجوفية، كما هو الحال فى معبد أبيدوس فى سوهاج، ويربى الحراس الأسماك فى المياه، وتحت أعين الأثريين والدولة، لكن قلة الحيلة فى حل تلك المشكلة من جذورها سوف تدمر تاريخ مصر القديم، مطالبة وزير الآثار بتفعيل الأبحاث التى تعالج أثر المياه الجوفية، أو نقل المعبد فى مكان مفتوح، أو ترميم ما تلف من الحجارة. من جانبه، اعترف الدكتور مصطفى وزيرى، رئيس منطقة آثار قنا، بأن المعبد تغمره المياه الجوفية، وأن الوزارة وضعته فى خطتها، لإنقاذه مع معبد هابو، ومعبد إدفو، ومعبد دندرة، ضمن المعونة الأمريكية، لكن القول إن المعبد يتعرض للدمار كلام عار من الصحة، وبشأن الحشائش قال: «الحمد لله أنها تعمل على شفط المياه فى الوقت الراهن». وأضاف: «ظروف الدولة لا تحتمل ترميم كل ذلك، فالقرية كلها أثرية ولا بد من إزالة جميع المبانى ونقل سكانها وتعويضهم وإعطائهم مساكن وأرضاً ومالاً من قبل الدولة، لكن الإمكانيات معدومة»، وأكد أن وزارة الآثار مدينة ب3 مليارات جنيه. الجدير بالذكر أن «شنهور» قرية لها جذور تاريخية عريقة. اسمها الفرعونى «شاحور»، حيث كانت إقليماً من أقاليم مصر وحواضرها فى العهد الفرعونى، واسم شاحور اختلف فى مدلوله ومعناه، إذ قيل إن هذا الاسم يعنى المعبد السابع أو مكان العبادة السابع للإله حور، حيث إن لفظ «شا» يعنى العدد سبعة مختصراً من كلمة «شان»، وحور هو معبود المصريين القدماء المعروف، كما قيل إن هذا الاسم يعنى بحيرة الإله حور، حيث إن لفظ «شا» يعنى أيضاً بحيرة. أما اسمها المقدس «شان هور» أو «شان حور» فهو يعنى المعبد السابع للإله حور، الذى كان له معبد آخر فى قوص، أما اسمها القبطى «شنهور»، فهو تصحيف للاسم الرومانى «شان هور»، الذى ظل متداولاً طيلة العصر الرومانى من بعد العصر الفرعونى، حتى وقتنا هذا.