باتت الرقابة علي المصنفات الفنية تمثل أزمة في مواجهة الإبداع حيث انحرفت عن اتجاه وظيفتها الرئيسية وأقحمت دورها لتلعب دور الرقيب ودور حقوق الملكية الفكرية وما بين هذا وذاك أصبحت المعوق الأول لمواصلة المسيرة الإبداعية. حيث تطلب من المؤلف تنازلاً عن مؤلفه ومن المخرج عن رؤيته الإخراجية وكذلك الملحن ومهندس الديكور وكل هذه الأشياء تصبح ملكاً لجهات الإنتاج بموجب "عقد" والعقد شريعة المتعاقدين وحال نشوب خلاف يلجأ الجميع للقضاء ودون الدخول في تفاصيل وفيما يخص "المسرح" كيف يري المسرحيون القضية؟! يقول المخرج المسرحي القدير والكبير حسام الدين صلاح: الرقابة لا علاقة لها بحقوق الملكية الفكرية.. بس هي سبوبة عملها الراحل حمدي سرور زمان علشان يصرف علي الرقابة وهي كانت في البداية "الملحن" فقط في حالة الغنوة دون سياق درامي وبعدين أصبحت في الأفلام والمسرحيات والفيديو ثم مؤلف النص والمخرج ومهندس الديكور واحتمال الممثلين والجمهور قريباً واعتبر الفنانون إنها مفيدة في حالات سرقة الإبداع ولكن مع حدوث مشاكل حول نص أو رواية مثل "الغيطي" و"الطوخي" اتضح إنها لا تلعب أي دور سوي تحصيل مبلغ مالي للسادة موظفي الرقابة.. هي دي الحقيقة!! ويقول الكاتب المسرحي د. كمال يونس: من حق الرقابة أن تساهم في تقديم منتج فني يليق للعرض العام علي الجمهور. وهي حماية للمجتمع من شطط العملية الفنية. ودورها الأساسي مع المؤلف وما يطرحه وبعد ذلك تمتد لجميع أبعاد ومكونات العملية الفنية. أضاف أما حقوق الملكية الفكرية فهي خاصة بالمؤلف في الأساس وبعد الموافقة علي الكلمة ينتج العمل وهنا المخرج هو المايسترو وهو المسئول عن الحفاظ علي حقوق إبداع كل المشاركين في العملية الفنية بما يخدم العمل ويعزز الدراما ورسالة العمل الموجهة للجمهور. وقبل العرض العام يبرز دور الرقابة في تخليص العمل من أي ترهلات وسخافات وبل من التعدي علي كلمة المؤلف إن ألحق بها المخرج ضرراً بالغاً يخرج بالكلمة ورسالة العمل عن سياقها ويفسد عمل المؤلف ومع هذا هذه نقطة خلافية ايضا فالمخرج هو المسئول مسئولية كاملة عن العمل بكل عناصره.. أما عن التنازلات للمؤلف والمخرج والملحن في ظل وجود عقد فهي بيروقراطية سخيفة مملة لا جدوي منها وعبثية. ويقول المخرج الكبير حمدي أبوالعلا: "دي تهليبة" إنهم يسرقون أموالنا البسيطة بدعوي حماية المؤلف وهل الحماية هي اقتطاع جزء من أمواله القليلة بحجة الحماية. أنا أري أن مجرد التصريح وإجازة العمل في حد ذاته دون الحصول علي أي رسوم والله أعلم أين تذهب هذه الأموال. أضاف أبوالعلا: يعني وزارة الثقافة المنوط بها حماية الإبداع عليها إيجاد وسائل بسيطة بنظرية الشباك الواحد. أي أن المبدع يتقدم للرقابة علي المصنفات بنصه مرفق به اسم المبدعين المشاركين من مخرج وشاعر وخلافه ويحصل علي التصريح من شباك واحد دون إنفاق أموال بلا داع.. ده لو فيه وزارة أصلاً تبحث عن حمايتنا. يقول الكاتب والمخرج المسرحي يس الضوي: لا بالطبع. فطرق التوثيق لحقوق الملكية يضمنها كثير من الأوراق والمستندات والاستيفاءات البيروقراطية المرهقة. وليس في زيادة هذه الإجراءات سوي الزيادة فيها. ولابد من عدم إغفال إمكانية عدم خروج العمل. بمعني أن هذه الإجراءات قد يتكلف فيها المبدعون مبالغ للرسوم ثم لا تكتمل العملية الإنتاجية والأسباب الواردة كثيرة ومتنوعة.. كيف تزداد خطوات الاستيفاء والإجراءات ونحن نطالب بضغطها واختصارها لأنها بالفعل تستنفد طاقة مبدعي العمل قبل أن يعملوا. ثم وقرار كهذا لابد أن يستشار فيه المعنيون بالأمر. وهم الفنانون المطلوب سعيهم هنا وهناك لاستيفاء أوراق التعاقد.. فإن كانت هناك مشكلة إجرائية مطروحة لدي الإدارات المعنية فلابد من مشاركة الأطراف المعنية في وضع الحلول والإجراءات المناسبة. يقول الكاتب المسرحي المتميز إبراهيم الحسيني: ليس من حق الرقابة طلب تنازلات من الفنانين علي ما يقدمونه من فن. فهذا الشكل المعمول به عقيم وفيه يتم التعامل مع الفنون علي أنها شبيهة بالعقارات.. هذا بالإضافة إلي أن الرقابة أصبحت أصلاً شكلاً متحفياً في ظل الهجمة الشرسة لوسائل الاتصال وإتاحة أدوات المعرفة. فالكتاب الممنوع يلقي رواجاً كبيراً بسبب أنه ممنوع وكذا الفيلم والمسرحية والأغنية. لذا لم يعد المنع في ظل تحول العالم لقرية تكنولوجية صغيرة والإصرار علي الخطأ يأتي دوماً بنتائج عكسية.