من عجائب المرحلة التي تعيشها السينما المصرية الآن أن الأفلام الجماهيرية مثل أفلام العيد تحاول أن تبدو "نظيفة" خالية من مشاهد القتل والقبلات بينما هي مليئة بالشتائم والالفاظ الجارحة ولعل فيلم "أهواك" للمخرج محمد سامي وانتاج رنا السبكي يقع في هذا التناقض الواضح فالبطلة غادة عادل تصرخ في أحد المشاهد بأعلي صوتها "عايزة اتباس" وكان من الافضل كثيراً أن تحصل علي قبلة من البطل تامر حسني لكن وهم "السينما النظيفة" الذي نعيشه يجعلنا نقدم علي الشاشة ما هو أسوأ من القبلات والاحضان. فيلم "أهواك" هو الفيلم الثالث لمخرج الفيديو كليب محمد سامي بعد الجزء الثالث من "عمر وسلمي" و"ريجاتا" ومحمد سامي يقدم السينما كما يقدم كليبات هيفاء وهبي فهو يهتم بجمال الصورة بينما الفيلم خالي من القصة والدراما .. والحقيقة أنه خال من كل شيء إلا بعض الكوميديا المنثورة هنا وهناك واستعان بمجموعة من النجوم الذي يقبل الجمهور علي مشاهدة أفلامهم مثل تامر حسني وغادة عادل وانتصار ومحمود حميدة والشاب أحمد مالك الذي يتقدم بخطي واثقة إلي أدوار البطولة كل هذه العوامل صنعت من فيلم "أهواك" واحد من الافلام الجذابة .. والسبب الأساسي للنجاح الجماهيري للفيلم هو اعادته لجمهور الطبقة الوسطي لدور العرض هؤلاء كانوا ينفرون من أفلام البلطجية والمطاوي في الحواري والمناطق العشوائية فجاء "أهواك" لينقل المشاهدين إلي أجواء الثراء والفخامة والمنتجعات التي نراها في الإعلانات الملونة وفيلات الجونة والديكورات التي نراها في الأفلام الأمريكية بفضل مهندس الديكور إسلام البنا. المخرج محمد سامي وكاتب السيناريو وليد يوسف تأثرا بالتأكيد بأفلام المخرجة الأمريكية نانسي مايرز لأنها تقدم الكوميديا الاجتماعية الخفيفة وتستعين بنجوم كبار مثل جاك نيلكسون في "شيء ما يعطيه" 2003 وميريل ستريب في "اتعقدت" 2009 وكاميرون دياز في "الاجازة" وهي مخرجة جريئة لا تناسب علي الاطلاق وهم السينما النظيفة التي يريدها السبكي ولا اقصد بالجرأة الاباحية ولكنها صريحة في فضح نفاق المجتمع الأمريكي والاشارة إلي الأسرة التي تعيش علي الكذب والزوجة التي لم تعد تحب زوجها والرجل الذي يفعل كل شيء "في السر" وهكذا.. ومن ضمن أفكار نانسي مايرز الشهيرة تيمة الشاب الذي يقع في حب امرأة اكبر منه سناً وهي التي اقتبسها محمد سامي ووليد يوسف ولكن شتان بين المعالجتين في الفيلمين. اساتذة الطب النفسي يتحدثون كثيراً عن نموذج المرأة الوحيدة التي تعاني من الحرمان العاطفي والجنسي سواء كانت مطلقة أو لم تتزوج وقدمت انتصار دور "بهيرة" صديقة البطلة المطلقة في اطار كوميدي يخفف كثيراً من معاناة الشخصية ولكن كما هي العادة في أفلامنا نتحدث عن المشكلة ولا نقترب من الحل اطلاقاً وفيلم "أهواك" لا يمنح بهيرة فرصة للحب أو للزواج لسبب بسيط إنه جاء بها من أجل الضحك ولا يهتم بمعاناتها بالتالي يتركها وحيدة تعاني الحرمان حتي النهاية.. وبطلة الفيلم رنا "غادة عادل" لا يتعاطف المخرج مع فكرة انها تقع في حب طبيب التجميل "تامر حسني" وهي مطلقة وأم لطالبة في الجامعة بل أظهرها جامدة المشاعر لا تفكر في الارتباط بأخر وتتمني أن تعود إلي حمزة زوجها الفلاتي "محمود حميدة" ومن العجيب أن حمزة يريد هو الاخر ان يعود إليها ويجمع شمل الاسرة الصغيرة المفككة ولكن نزواته وحبه للنساء يمنعه من ذلك! كما ذكرت فإن محمد سامي كمخرج مع مدير تصويره جلال الزكي قدما صورة جميلة لامعة براقة تستحق الثناء وفي نفس الوقت ابتعد الفيلم تماماً ولم يقترب من المشاكل الحقيقية لأبطاله ..الموقف الايجابي الوحيد الذي اتخذه الفيلم هو حب أحمد "أحمد مالك" لبسنت "الهام عبدالبديع" زملاء الجامعة أو الجيل الجديد الذي يري الفيلم فيهم الامل والمستقبل السعيد وحتي لا يخدش الفيلم قيم السينما النظيفة فإن رنا الام المطلقة جامدة المشاعر لا تستجيب لنداء الحب من الدكتور شريف طبيب التجميل إلا عندما يعود حمزة إلي زوجته الشابة "رودي" ورغم ذلك يترك النهاية مفتوحة. فيلم "أهواك" خطوة كبيرة في اتجاه تغيير النمط الاستهلاكي السائد للسينما المصرية لكنها تجربة ناقصة ومكبلة بمزيد من القيود الاجتماعية والرقابية .. لقد أخرجنا "أهواك" من إطار البلطجة والعنف والاكشن إلي نوع من الكوميديا الاجتماعية لكن ليس لدينا الجرأة علي تحمل تبعات هذه الكوميديا.