حين نرجع إلي التاريخ قليلاً نجد أن "إسرائيل" كانت الرابح الأكبر من حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي. كان ربحها وفيراً. ومتعدد الوجوه. واشتركت بدور أو آخر في إطالة أمد المعارك. واشتركت من وراء ستار في تجنيد مرتزقة للقتال إلي جانب قوات "الإمام" وضد قوات الثورة والجيش المصري.. هل نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة. خاصة أن الحرب الساخنة العربية تدور في عدة أقطار: سوريا. وليبيا. واليمن. والعراق.. وفي اليوم الأخير من مايو الماضي. اعترف صحفي إسرائيلي معروف هو "يوسي ميلمان" بأن "إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الحرب الأهلية في سوريا. ومن تهاوي الشرق الأوسط. حيث إن أعداءها يستنزفون بعضهم البعض. ولا يوجد تقريباً اهتمام بمحاربة إسرائيل". "معاريف في 31 مايو".. كان هذا قبل أسبوع تقريباً من افتتاح مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في القاهرة. الذي اختتم أعماله يوم الثلاثاء الماضي. قبل كتابة هذه الكلمات. حيث لم يتيسر للمرء معرفة نتائجه وما قد يكون قد صدر عنه من ميثاق وطني. وخريطة طريق. لا أستطيع الاعتماد علي مشروعيها. فربما تعرضا لتعديل وتغيير.. ولكن أياً كان الأمر. فإن انعقاد المؤتمر في هذه الظروف خطوة جديرة بالترحيب. خاصة إذا أسفر عن درجة معقولة من التوافق بين أطرافه. قد تفتح باباً لخطوات أخري. وصولاً إلي تحقيق هدف بتقصير أمد الحرب. وإنهائها اليوم قبل الغد. فجميع الأطراف في هذه الحرب. سواء سورية. أو عربية. أو إقليمية. أو دولية.. باتت تعلن أنه لا توجد سوي نهاية سياسية للحرب. التي استمرت أكثر من أربع سنوات. إن وقف نزيف الدم العربي في سوريا أولاً وفي اليمن وليبيا. يجب أن تكون له الأولوية في جدول العمل العربي. وها هي عجلة التسوية السياسية قد بدأت بالتحرك بالنسبة للبلدان الثلاثة ما بين القاهرة والأمم المتحدة والمغرب.. ولعل تحركها يتواصل. رؤية مصرية متكاملة في مؤتمر القاهرة. طرح السفير سامح شكري. وزير الخارجية. رؤية مصرية متكاملة. ليس للتسوية في سوريا فقط. بل لوقف الحرب ونزيف الدم والخسائر المادية الهائلة. التي تحتاج إلي عقود من السنين لتعويضها هذه الرؤية. ليست ابنة اليوم. بل هي تعبير عن سياسة مصر الأمنية في تصديها للمشكلات العربية. خاصة المشكلة السورية. بما لسوريا من مكانة تاريخية وعلاقة مصيرية مع مصر. يعرفها ويقدرها كل مصري مخلص في وطنيته. والتي يعتبر أي خروج عليها أو انحراف عنها. ضرباً من الشذوذ.. ونحن هنا لم ننس ولن ننسي عام الانحراف الإخواني الذي كاد يدمر العلاقات المصرية السورية. وبسرعة جاء الإنقاذ علي يدي شعب وقيادة وجيش مصر. في الموجة الثورية الثانية في الثلاثين من يونيه. التي أزالت الانحراف. وأعادت مصر إلي طريقها القويم في العلاقة مع سوريا. الشعب والوطن. وهنا تبدو علاقة التأثير والتأثر المتبادل بين دمشقوالقاهرة. في أدق معانيها. فلو أن سوريا الدولة سقطت بين يدي المتآمرين ضدها في 2012 والنصف الأول من 2013 لما تمكنت مصر من النجاح في إنجاز ثورة الثلاثين من يونيه. التي أسهمت بدورها وبشكل معنوي في تحصين الدولة السورية ضد السقوط.. وهذه أحداث ووقائع لن يهملها التاريخ في المستقبل. حين يكتب التاريخ الموثق لهذه المرحلة من التاريخ العربي. التي شهدت كثيراً من العبث الذي شاركت فيه أطراف كثيرة. بدأ بعض أوراقها يتساقط. كما حدث مع الرئيس التركي أردوغان الذي قام بدور خطير في تدمير سوريا.. هل ستدرك هذه الأطراف الإقليمية والدولية والعربية الأخري التي قامت بدور أو آخر في تأجيج هذه الحرب القذرة؟!.. ومتي يدرك العرب أنهم في الحساب النهائي. هم أكبر الخاسرين. وأن الفائز الأول والأكبر هو العدو الإسرائيلي.. اللهم إلا إذا كان هذا الطرف "العربي" أو ذاك. أصبح يري أن العدو ليس "إسرائيل"؟!.. ولعلنا نقرأ جيداً التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يتحدث عن هذه النقطة. خاصة قوله: "إن التغيرات التي حصلت في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة خلقت نافدة فرص معينة. سيؤدي استغلالها إلي كسر الإشكالية التقليدية التي وضعت إسرائيل خارج التحالف الإقليمي. والسماح لها بالمشاركة بصورة فعالة في هذا الصراع".. وهنا تنتهي حدود الكلام المتاح.. واسلمي يا مصر. "جولة الكتب" .. تحية إلي جلال السيد 1⁄4 هذه كلمات تأخرت شهوراً عن موعدها. كان من المتوقع أن تكتب في يناير الماضي. ذكري رحيل صديق العمر الأستاذ جلال السيد. الذي رحل عن عالمنا في 20 من يناير عام 1996. فترك في حياتي فراغاً لم يُملأ. وأظنه لن يُملأ. حتي لو امتدت السنوات. ثم جاء معرض القاهرة الدولي للكتاب. فأصبح الحديث عن "جولة الكتب" ضرورياً. حتي لو كانت حصيلتي من الكتب الجديدة محدودة. وإن كان من بينها ما يستحق القراءة والعرض والمناقشة. أكثر من كتاب يتناول موضوعاً واحداً. أو يتحدث عن شخصية واحدة. مثل الرئيس السوري السابق "حافظ الأسد" الذي قدم لنا اثنان من مقربيه كتابين مهمين. ومثل المفكر السياسي الكبير إلياس مرقص. كما أتحفنا الأستاذ عبدالغفار شكر. المناضل والكاتب المعروف بكتاب عن "الطليعة العربية" ليكمل حلقة مهمة. وذلك بعد كتابه عن منظمة الشباب الاشتراكي.. عن التنظيمات السياسية "الناصرية".. هذه الكتب وأمثالها كانت تحظي باهتمام فوري من جلال السيد في "جولة الكتب" التي كانت ركناً أساسياً في العدد الأسبوعي من صحيفتنا الغراء. التي كانت سباقة في فتح صفحة كاملة للكتب شهرياً. كان يحررها بالطبع جلال السيد الذي كان يضفي علي الكتاب الذي يعرضه ما يزيده أهمية. وخاصة كتب التاريخ. فقد كان رحمه الله مؤرخاً بين الصحفيين. وصحفياً بين المؤرخين. وكانت موسوعيته وغزارة مادته في الشئون العربية. والفلسطينية بشكل خاص سبباً أساسياً للثقة الكبيرة التي كان يحظي بها بين الكُتاب والقُراء والباحثين. الذين كانوا يستشيرونه في كثير من القضايا. ولم يكن يضن علي أحد بأي كتاب من مكتبته الثرية بأهم الكتب وأكثرها نُدرَة. وكان يتذكر جيداً أسماء الذين استعاروا كتبه. والمواعيد التي حددوها لإعادتها إليه.. ربما لم أره غاضباً كما رأيته يوماً بسبب أن زميلاً استعار كتاباً منه وطالبه به عدداً من المرات وفي كل مرة يعد ويخلف وعده. إلي أن فوجئ جلال به يقول له: "أنا سأستفيد من هذا الكتاب أكثر منك"!!.. تبرير سخيف وغير لائق. لن أحكي عن جلال. فقصتنا وعلاقاتنا معاً طويلة. سواء هنا في داخل بلادنا أو في سنوات عملي في أبوظبي. أو في زيارات لبلاد أخري. ولكن. أغتنم هذه الفرصة لحديث عابر عن "جولة الكتب". وصاحبها. ومن أسف أني لم أعد أتذكر تحديداً الزملاء الذين تولوا تحرير الجولة بعده. وقد كان من بينهم الزميل الأستاذ سعد هجرس. رحمه الله. كان جلال دقيقاً بشكل غير عادي في تحديد المساحة التي يستحقها أي كتاب. فهذا يستحق خبراً. وذاك يستحق عموداً. وثالث يستحق مقالاً. وكانت قيمة الكتاب هي التي تفرض ذلك. أو القضايا التي يثيرها الكتاب. مثل قضايا "السرقة" والسطو غير المسلح علي كتب الآخرين. "الحقيقة الإسلامية" إلي أين؟!! 1⁄4 وابتداء من اليوم. ولعدة أسابيع ستتحول هذه "الخواطر" إلي "جولة الكتب" تحية لاسم صديق عزيز. وأمامي كم كبير من الكتب التي أنوي تناولها في سطور أو فقرات أو صفحات تبعاً للطريقة التي كان يتبعها جلال السيد.. والبداية اليوم مع كتاب الدكتور محمد حسين أبوالعلا عن "مستقبل الحقيقة الإسلامية.. جدليات الصدمة والصحوة". وهو يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من الإجابات المختصرة والمركزة. والتي يستحق كل فصل منها أن يكون كتاباً قائماً بذاته. بحيث يكون هذا الكتاب مجرد مقدمة وفاتحة لهذه الكتب التي تحتاج إلي تخطيط وإلي فريق عمل من المتخصصين في شتي فروع "المعرفة الإسلامية" إن صح هذا التعبير. ومهما يحاول المرء أن يكتب فإنه سيقف عاجزاً عند أي مسعي جاد لتلخيص هذا الكتاب الذي يكفي القول إنه يرد الاعتبار إلي "الاستشراق" بعرض جهود مخلصة لعدد من المستشرقين. وإلي التصوف الإسلامي. وعلي الرغم من الوحدة الموضوعية لهذا الكتاب. إلا أنه يبدو قد كتب فصولاً متفرقة. ولكن بناء علي تصور محدد مقدماً. ومن شواهد ذلك أن المؤلف يشير إلي كتاب معروف هو "من يتحدث باسم الإسلام".. ويقول إنه صدر في هذا العام.. علماً بأن ترجمته العربية صدرت قبل سنوات. فأي عام يعني؟!.. ومثل هذه الهنات لا تنال من قيمة وعمق هذا الكتاب. الذي كان المرء يتمني لو أنه تضمن المعلومات الببلوجرافية لكل كتاب ذكره المؤلف. ولعله يستوفي هذا في طبعة مقبلة.