هاتفني أحد الشباب الذي يصارع الحياة ليل نهار. ليحصل علي قوت يومه تخرج في إحدي الكليات الجامعية. رضي بأي عمل التحق به. عمل في مجالات مختلفة لا تمت إلي دراسته بصلة ومنها بائع فاكهة لدي أصحاب أكشاك الفاكهة المتناثرة علي الأرصفة في مدينة طنطا وأعمال أخري سابقة ولاحقة لا تزيد أهمية عن هذا العمل.. حدثني وهو يتقطع خجلاً ويذوب ضياعاً قال: إن شقيقته تعاني أمراضاً متعددة ولأنها طالبة بالمدرسة استطاعوا بمعونة أشخاص يدلون علي الخير ويعاونون فيه استطاعوا أن يحصلوا علي علاج من التأمين الصحي كل شهر. إلا أن الدواء المنصرف لا يكفي المدة التي صرف من أجلها بذلك يتعين عليهم استكمال العلاج بما يوازي مبلغ ستمائة جنيه شهرياً. يعلم الله وحده كيف يدبرون هذا المبلغ مما اضطرهم إلي بيع أشياء لديهم لمقاومة أعباء علاج ابنتهم المسكينة. حدثت من لهم صلة بالعلاج والتأمين الصحي أخبرني أحدهم بأشياء تبعث الحزن والألم في نفس كل مستمع وقارئ لديه ذرة من الإنسانية. إن العلاج الذي يصرفه التأمين الصحي يخضع لميزانية ضئيلة لا يمكن بها مواجهة الحالات المرضية بين الفقراء. ولا يمكن تغطية كل النفقات اللازمة. فيضطر المسئولون عن العلاج إلي صرف جزء منه فقط حتي يمكنهم الصرف لأكبر عدد من المرضي مما يجعل الدواء المنصرف غير كاف أو مفيد. ومن ثم يظل المريض مريضا. كان الله في عونه في تناول كميات دوائية لا تشفي إن لم تكن تضر لتلقي المريض علاجاً ناقصاً يحشو به أمعاءه بلا فائدة. وغير مناسب لمقاومة الأمراض التي يعاني منها. فضلاً عن ذلك ولا أستطيع أن أجزم بصحة هذه المعلومة إن الشركات التي تقوم بتصنيع الدواء وتوريده إلي التأمين الصحي والمستشفيات الحكومية حسب شروط المناقصة التي تجريها الدولة تقتصر منه كمية من المادة الفعالة فتقل فائدته بسبب ذلك. وإن صح فتلك مصيبة كبري وأرجو ألا يكون ذلك صحيحاً وللقارئ أن يتخيل لو صح ذلك القول إن المريض يصرف دواء أقل من المطلوب لعلاجه فيضطر المريض الفقير أن يكمل علاجه علي نفقته الخاصة إن كان لديه مقدرة وإلا فعليه رحمة الله. ليس ذلك فقط بل إن الدواء الذي يقوم بصرفه به كمية ضئيلة من المادة الفعالة التي لا تؤتي أثرها في العلاج وبذلك يضيع المريض وضياعه مؤكد. وياليت المسئولين يتحققون من صحة ذلك أو عدمه لتدارك الأخطار ومعالجتها. ماذا تفعل أسرة لديها طفلة ساق إليها القدر مرضا لا تقوي علي نفقات علاجه وهم ذو دخل محدود تخرج ابنهم في الجامعة ولم يجد سبيلا إلي طريق الحياة سوي أن يقف بجوار معلم الفاكهة يناوله كيسا أو يزن للعميل طلباته وأحياناً يقوم بتوصيله إلي حيث يريد. إهانة بالغة للعلم والمتعلمين. رضي الشاب بما قسم له مولاه مؤمناً بأن تتغير الظروف الاقتصادية ويتحسن حاله وحال أمثاله من الشباب. هذا الشاب يستحق التقدير والمعاونة ذلك بأنه لم يستسلم للبطالة ولم يتكبر علي ما يرتزق من ورائه رزقاً حلالاً طيباً ولكن المشكلة في المريضة التي تؤرق حياتهم وتنغص عليهم الأيام والليالي. إن الأستاذ الجامعي في كليات الطب علمته الدولة وأعانته حتي صار أستاذاً مرموقاً يفخر بعلمه وانتسابه لأساتذة كليات الطب ينبغي أن يقدم خدمة لمجتمعه وزكاة لعلمه. لا نقول نحرمه من نشاطه الخاص وعيادته التي يستقبل فيها مرضاه محدداً الأجر الذي يستحقه إنما عليه واجب هام. فأستاذ طبيب في بلد فقير يعاني صعوبة النهوض ومقاومة الفاسدين والمخربين يجب أن يحدد لنفسه أو تحدد له الجامعة وقتاً كافياً يستقبل فيه مرضاه في المستشفي الجامعي يشرف علي علاجهم ويجري لهم جراحات إذا لزم الأمر ولا يترك المريض يعبث به طلابه ويذاكرون علي مرضه دون فائدة تعود علي ذلك المريض. كثير من أساتذة كليات الطب يؤدي دوره في مستشفي الجامعة ويسهم في علاج حالات حرجة بحب شديد وشعور بالمسئولية. ولا يذهب إلي عيادته الخاصة إلا بعد أن ينهي عمله الأساسي بمستشفي الجامعة ولكن الكثير أيضا ينشغل بعياداته الخاصة ومشاريعه الطبية دون النظر إلي ما يجب عليه من علاج الفقراء المساكين الذين يعانون أمراضاً لا يقوون علي نفقات علاجها.. كان الله في عون المصريين.