سيسجل التاريخ مواقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله التاريخية مع الشعب المصري عقب ثورتي 25 يناير. و30 يونيه. ويظل موقفه عقب إعلان خريطة الطريق في 3 يوليو الماضي. موقفاً مهماً للجيل الحالي حينما ساند مصر ضد الجماعات الظلامية والغرب "المزدوج المعايير".. وذكرنا بمواقف أخيه الملك فيصل رحمه الله في الوقوف مع مصر بعد نكسة يونيه وخلال حرب 1973. عندما أعلن بشجاعة قطع النفط عن أوروبا كلها. مما جعل وقتها من النفط سلاحاً اقتصادياً يقف خلف جيشي مصر وسوريا خلال معركة المصير ضد إسرائيل والصهيونية. والملك عبدالله.. الذي كان لي شرف أن أكون الصحفي الوحيد الذي وجه له سؤالاً في أغسطس 2005 أثناء تواجده بمستشفي مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في زيارة للتوءم المصري. بحضور السفير محمد قاسم.. وقال لي إن زيارتي لهما زيارة أخ لأخيه.. مثمناً دور مصر العربية مع أشقائها. فكان ملكاً ذا حس عروبي وإسلامي نادرين. إضافة إلي إنسانيته وبساطته. التي خلعت عليه الألقاب "ملك الإنسانية" و"الحوار مع الأديان".. واستطاع خلال فترة حكمه أن يواصل مسيرة المملكة بعد المؤسس عبدالعزيز وأبنائه سعود وفيصل وخالد ومهند في مسيرة عطاء استطاع خلالها بحكمته أن يجنب بلاده صراعات الجوار القريب أو الإقليمي. .. والملك سلمان. الذي بويع في 24 يناير الماضي ملكاً خلفاً لشقيقه الملك عبدالله. مع الأمير مقرن بن عبدالعزيز. ولي العهد. والأمير محمد بن نايف. الذي يمثل جيل أحفاد عبدالعزيز.. ولياً لولي العهد. يُعد رجل دولة من طراز فريد. فهو الرجل الذي هندس الرياض الجديدة. وجعلها درة العواصم العربية الحديثة. التي طاف بها العالم بمعرض "السعودية بين الأمس واليوم". وكانت القاهرة إحدي محطاته في ثمانينيات القرن الماضي. ويتميز الأمير سلمان بأنه عندما تقترب من مجلسه تجد نفسك أمام رجل دولة حكيم. ومؤرخ دقيق. فعندما يتحدث عن التاريخ تجده يبحر بك بصيغة العالم الدقيق والمفكر الحصيف. ويروي بدقة وكأنه في زيارة لهذا التاريخ القديم دون لبس. أو التواء لحقائق التاريخ والجغرافيا.. وأذكر عندما أسند إليه شقيقه الراحل الملك فهد احتفالات المئوية في السعودية بمناسبة مرور 100 عام علي فتح الرياض.. تحدث في التليفزيون عبر لقاء مطول. روي تاريخ الدولة السعودية للأجيال القادمة. تعكس أنه رجل يدرك تماماً تحديات دولته "القارة السعودية" التي وحدها والده.. فحديثه مع رجال الفكر والصحافة متواصل ومتابع جيد لما يكتبون ويتفاعل معهم. ويرد إذا تطلب الأمر ذلك.. وأذكر أنه كان في حفل غداء للزعيم الفلسطيني عرفات ب"الدرعية القديمة".. والدرعية في السعودية جزء مهم من تاريخها وحول الغداء إلي درس في التاريخ منذ محمد علي إلي اليوم. والجميع ينصت. ولأول مرة أري الرئيس عرفات مستمعاً أكثر من نصف ساعة.. وكان يتحدث ويشير إلينا الصحفيين. وكان معنا الزميل المخضرم سليمان عز. الذي قال لي. وكنت حديث العهد بمعرفة الأمير سلمان.. هذا أمير الصحافة. وحبيب وصديق الصحفيين.. وأعلم أن كثيراً من مشاكل الأسرة الصحفية كانت تحل في مجلس الأمير سلمان.. وكان قبلة الصحفيين العرب. الذين يفدون إلي الرياض من الكاتب الكبير فؤاد مطر. وبلال الحسن. ونبيل خوري. وملحم كرم. وسمير عطا الله. وجهاد الخازن. وأنيس منصور.. ومجلسه لا يخلو من رجال الفكر والأدب العرب.. فهذا الرجل الذي كان له دور مهم في اتجاه السعودية شرقاً بزياراته لليابان وماليزيا والصين وروسيا وكوريا والهند.. سيواصل مسيرة المملكة في الحقبة السابعة من الممكلة العربية السعودية والسادسة بعد الملك العزيز.. وسيشهد حكم الملك السابع للسعودية نقلة جديدة في تواصل عطاء مستمر بفتح المجال لشباب المملكة الذين يمثلون 65% من سكانها لأعلي المراتب. وقد ظهر جلياً في منصبي ولي العهد اللذين أسندهما إلي الأمير محمد بن نايف. الذي يمثل جيل الوسط في السعودية من مواليد الخمسينيات من القرن الماضي. وإلي ابنه محمد. الذي تولي وزارة الدفاع. وهو شاب من جيل الشباب.. وهذا يعكس أن الملك سلمان لديه إيمان راسخ بأن الحفاظ علي الدولة ركن مهم. وأيضاً ضخ دماء جديدة من الشباب إلي الصف الأول. متمشياً مع حقائق التاريخ والعالم.. ويحسب لأمير الصحافة العربية أنه سيعيد بناء الدولة بشباب الوطن. الساعد الأساسي لبناء الدولة. .. وعربياً.. ومن واقع قربي من الرجل. لديه قناعة تامة بأهمية الوحدة الخليجية من ناحية. والوحدة العربية من ناحية أخري.. وأن مصر والسعودية هما رمانة "الميزان". في أي مشروع تعاون عربي مشترك. ولا يمكن تجاوزها.. مصر تمتلك القوي الناعمة. والسعودية التي تحتل مركزاً مهماً في مجموعة العشرين كقوة اقتصادية كبيرة.. يمكنهما معاً أن يواجها التحديات الإقليمية والعالمية في هذه المنطقة المضطربة من عالم متغير. وجوار ساخن للدولتين.. وجماعات ظلامية بفكر متشدد. تريد لهما إثارة القلاقل. ونحن نري أن الملك سلمان سيواصل. كما كان سلفه الملك عبدالله.. سياسة لم شمل وبناء القدرة العربية. وسط تحديات عالمية حادة.. فالرجل المؤمن بحقائق التاريخ والجغرافيا قادر علي قيادة القارة السعودية في وثبة ملكية جديدة. تواصل ما بدأه والده عبدالعزيز. وأبناؤه من بعده.