كانت مصر بمقتل "شيماء الصباغ" عضوة "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي" اليساري التوجه عشية الاحتفال بالذكري الرابعة لثورة 25 يناير المجيدة علي موعد مع حدث جلل لطخ الثوب الأبيض لهذه المناسبة العظيمة بالدم. وفتح بوابة جديدة لاستنزاف الجهد والطاقة فيما لا طائل من ورائه. وأحدث شرخاً خطيراً في العلاقة بين مكونات "جبهة 30 يونيو" كنا أبعد ما نكون حاجة إليه ونحن نخوض حرب وجود ومصير. في مواجهة جماعات إرهابية عميلة علي رأسها جماعة "إخوان الشيطان" التي حولت هذه المناسبة إلي فرصة لإشاعة الخراب ونشر الدماء واستخدمت كل أساليب العنف والقتل. لتحويلها من لحظة للفرح والاستبشار إلي مناسبة للحزن والإحباط فحرقت وسائل المواصلات العامة وروعت المواطنين الأبرياء وأشاعت الفوضي والخراب في مناطق عديدة من البلاد. ويعرف دارسو الاستراتيجيات العسكرية أن واحداً من الدروس الأساسية في هذا المضمار التي يتلقاها كل قائد هو أن من الواجب تجنب خوض أكثر من معركة في وقت واحد. لأن هذا يشتت الجهود ويمنع تركيز القوة في مواجهة "العدو الرئيسي" كما يتعلمون درساً لا يقل خطورة. يشير إلي ضرورة التمييز بين معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء. فضلاً عن أهمية توقيت كل خطوة بدقة متناهية. وقد خالف ما حدث يوم 24 المنصرم كل هذه الأساسيات اللازمة لكي تكسب المعركة. علي النحو التالي.. أولاً: الشهيدة "شيماء" تنتمي إلي حزب معاد بحكم أيديولوجيته لكل جماعات الإرهاب والتطرف والتكفير وهو علي هذا حليف موضوعي لا يجب خسارته وإلا ساعدنا عدونا مساعدة كبيرة دون داع أو مبرر وقد شارك هذا الحزب في كل المعارك الوطنية علي امتداد الفترة الماضية بقوة تجعل من تصويب الرصاص إلي صدر مناضليه خطيئة كبري. ثانياً: خرج عشرات معدودة من أعضاء هذا الحزب في مسيرة سلمية يحملون الورود لوضعها علي نصب الشهداء في ميدان التحرير لم يكن أي منهم يحمل سلاحاً ولا زجاجات مولوتوف ولا حتي حجراً. تبرر هذا العنف الذي مارسته أجهزة الأمن في مواجهتهم كان يكفي التوجه إليهم بطلب الانصراف فينصرفوا دون إراقة دماء بريئة بلا أدني مبرر. ثالثاً: هناك "مدونة سلوك" لقوات الأمن تفرض اتخاذ تدابير متصاعدة لمواجهة أي تجمع جماهيري. خاصة إذا كان تجمعاً سلمياً قبل استخدام الرصاص أو الخرطوش القاتل. منها التحذير الصوتي ثم استخدام المياه.. وهكذا. قبل اللجوء للقوة وهذا لم يحدث بل تم استخدام العنف دون إنذار. وفي وقت توجه قادة المسيرة للتفاهم مع قادة قوات الأمن ودون أدني استفزاز أو خروج علي مقتضيات اللياقة. رابعاً: يقدم جهاز الأمن الذي يدفع ضريبة مواجهة الإرهاب يومياً. هدية مجانية لجماعات الإرهابة. باصطدامه مجدداً بقطاعات الشباب. الذين رفضوا قانون التظاهر وآثارهم سجن زملاءهم من الشباب الذي اعترض سلمياً علي قانون التظاهر. بينما تم تبرئة وإطلاق سراح كل رموز عهد مبارك بما فيهم هو نفسه ونجليه وأحمد عز وغيرهم كما يستفزهم بشدة بروز الوجوه القبيحة لفساد هذا النظام في صدارة المشهد مرة أخري وهذا الوضع يسبب قطيعة خطيرة بين النظام الحالي وقطاعات واسعة من الشباب الذي شارك في صنع الثورتين. ما تقدم يوجب علي جهاز الأمن أن يتصرف بأعلي درجات المسئولية حتي لا يتسع الخرق ويصبح عصياً علي الرتق بين النظام من جهة وبين الأحزاب والشباب وقطاعات متزايدة من المجتمع من جهة أخري وينبغي بأسرع ما يمكن تقديم القاتل الحقيقي إلي العدالة للقصاص منه. إذا كان من جهاز الأمن كما يقول أعضاء المسيرة أو من خارجه كما تقول الأجهزة. وفي مثل هذه الحالة لن يفيد بأي شكل اتباع الأساليب التقليدية المعتادة. التي تم اللجوء إليها في الماضي. والتي أدت إلي هروب كل المجرمين المسئولين عن قتل الشهداء جميعاً. الخطأ وارد في مثل هذه الظروف العصيبة التي تخوض فيها مصر معركة حياة أو موت. لكن الاعتراف بالخطأ ومعاقبة الجاني الفعلي أمر ضروري للحفاظ علي الظهير الشعبي ملتفاً حول الدولة وأجهزتها. ولعزل أعداء الوطن من جماعات الإرهاب. حتي يمكن القضاء عليها قضاء مبرماً. أما إذا لم يحدث هذا فسيتحول الخطأ إلي خطيئة قد ندفع ويدفع الوطن ثمنها دون أدني.