أثناء دراستي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وبالتحديد في السنة الأولي شغفت بتعبيرات سياسية عديدة مازالت الذاكرة تحتفظ بدلالاتها القوية وخاصة أثناء محاضرات د. خيري عيسي أستاذ العلوم السياسية رحمه الله. وأتذكر جيداً حجم الدهشة التي أصابتني وأنا أسأله ذات مرة عن أقصي أنواع الفساد التي يمكن أن تعصف بدولة.. فأجاب بهدوء شديد.. أن يتم اعتقال الدولة من جانب فئة معينة داخل هذه الدولة.. فهذا يعد أقصي أنواع الفساد.. وكأن د. خيري يقرأ المستقبل وبوضوح. فالعبارة تحققت بكل حرف فيها.. فقبل ثورة 25 يناير تم اعتقال مصر من زمرة رجال الأعمال الذين أعلنوا سنة 2000 الزواج الكاثوليكي بين رأس المال والسلطة.. وقفزت علي الساحة أسماء ذوي الياقات البيضاء من كبار المسئولين فاحشي الثراء ومعهم رجال الأعمال محدثي السلطة والكل لعب دور البطولة المطلقة في إفساد الحياة السياسية علي مدي عشر سنوات فضاعت مقدرات مصر السياسية والاقتصادية بعد أن وضعوها بين أيديهم مستمتعين بمعدلات النمو التي وصلت إلي 7%.. ولم يصل للمواطن البسيط واحد في الألف من هذا المعدل الخطير.. تناسوا 90 مليون مصري وحقهم في الاستمتاع بخيرات بلدهم.. استمتاع إيه.. أقول حقهم في لقمة عيش كريمة.. وحق 20 مليون شاب أن يحلم ويجد بصيصاً من الأمل في فرصة عمل وحياة كريمة.. ولكن هيهات بعد أن تحول سوق العمل للاقتصاد العائلي وثقافة الاحتكار حزمت السوق لصالح الذين قاموا بالاعتقال. وقامت الثورة.. وتنفست الصعداء واعتقدت أن مصر انتهي زمن اعتقالها.. وإذا بالنخب السياسية وغير السياسية تمارس نفس اللعبة ولكن بطرق جهنمية ليتوه الناس وتختلط لديهم المفاهيم والمقاييس.. ووقعت مصر مرة أخري في أسر الاعتقال النخبوي لصالح الإخوان في محاولة للهروب من التوهان الذي خلفته النخبة. وقامت ثورة 30 يونيو.. وتحررت مصر للمرة الثانية من أسر الاعتقال النخبوي والإخواني معاً بعد أن تم كشف النقاب علي أن معظم من صنفوا علي أنهم النخبة عملوا وفق أجندات متعددة ليصل الإخوان للحكم. والآن أخشي وبشدة أن يتم اعتقال بلدي مرة ثالثة بأيدي إعلام تحركه رءوس أموال أصحابه وإعلام رسمي متخاذل أمام سطوة إعلام فضائيات تعمل لصالح من يمتلكها.. إعلام ليس لديه أي إحساس بالمسئولية بل يصل إلي حد التآمر بوضع السم في العسل بالتشكيك تارة في قرارات الحكومة وبنشر الشائعات والترويج لأفكار هدامة تارة أخري. إعلام دفع القيادة السياسية لمناشدته أكثر من مرة أن يلتف حول الوطن الذي يخوض معارك شرسة ضد الإرهاب في الداخل والخارج وضد الفقر.. وجعتني جداً كلمات الرئيس وهو يعلن ثقته الكاملة في إعلامنا سيثبت من جديد أنه علي قدر المسئولية في معركة الوجود التي تخوضها الدولة والشعب ضد الإرهاب مستشهداً بدور الإعلام في قدرته علي الحشد خلف الوطن في معركة المصير التي خاضتها ثورة ..1952 وأخيراً إذا كان ربنا أهدي مصر عبدالناصر في 52 فها هو يكرر كرمه ويهدينا مرة أخري السيسي.. ألا يستحق أن نقف بوعي معه..