تستضيف الخرطوم غداً الاجتماع الخامس لوزراء خارجية دول الجوار الليبي الذي يعتبره المراقبون أخطر الاجتماعات الماضية علي الاطلاق في ظل احتدام المعارك بين أجهزة الدولة الليبية والمليشيات المسلحة للوصول وفاق وطني شامل في البلاد لتجنيب ليبيا المزيد من الخراب والدمار . يشارك في الاجتماع وزراء خارجية مصر و تونس و الجزائر و النيجر و تشاد إضافة إلي د. نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية و ناصر القدرة مبعوث الجامعة الي ليبيا بدعوة من علي كرتي وزير الخارجية السوداني. تترأس مصر اللجنة السياسية الخاصة بليبيا داخل آلية الجوار الليبي وتدعو كافة الاطراف الي المصالحة السياسية وعدم حمل السلاح والتوافق الوطني وفقا للشرعية التي يفرضها المواطنون من قبل صناديق الانتخاب . الجزائر التي تترأس اللجنة الأمنية الخاصة ضمن السداسية وتعمل علي رعاية حوار بين أطراف ليبية عدة و تحويل الصراع الليبي من صراع بين ثورة فبراير وثورة مضادة إلي حرب بين تيار إسلامي معتدل وآخر متشدد انطلاقاً من تجربتها الخاصة في التعامل مع الجماعات الإسلامية المتشددة. تري الجزائر في تيار الإسلام الوسطي السياسي قدرة علي مواجهة التيارات المتشددة فكرياً وعسكرياً وفق نظرية حرب الوكلاء الدولية فيما يراهن السودان في الوقت الحالي علي استقرار الأوضاع داخل ليبيا دون دعم للجماعات المتشددة أو التدخل الاجنبي مع دعم ثورة فبراير لخلق حليف استراتيجي مهم لها في ليبيا غير متشدد . أما تشادوالنيجر فيري المراقبون انهما خاضعان لمصالح مشتركة مع ليبيا تتمثل في الدعم المادي والتداخل القبلي بينهم خاصة قبائل الطوارق والتبو التي منح نظام القذافي 400 ألف من أبنائهما خلال اندلاع ثورة فبراير جنسيات ليبية لمساعدته في القتال ودخلوا للجنوب الليبي إلا أنهم بعد نجاح الثورة لم يحصلوا علي الرقم الوطني الذي يمنحهم حقوق المواطنة كاملة ما دفعهم لتشكيل مجموعات مسلحة تدافع عن وجودهم وسط عجز تشادوالنيجر عن توفير حياة كريمة لهم. الدكتور ابراهيم نصر الدين أستاذ النظم السياسية بمعهد الدراسات الافريقية يري أن لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي و السوداني عمر البشير في القاهرة ادي الي تفاهمات كبيرة حول الملف الليبي أهمها تشكيل جبهة موحدة للتعامل مع الحدود المشتركة مع ليبيا لوقف دخول الاسلحة والتمويلات المالية و الافراد التي تغذي المليشيات والصراع المسلح هناك . أوضح أن الصراع في ليبيا الآن بين المليشيات المسلحة التي تتصارع علي امتداد نفوذها وبين هذه المليشيات و الحكومة الليبية المنتخبة و الجيش الوطني الليبي الي حد الانهاك لكل الاطراف وهذا يعني انه جاء وقت ايجاد الحلول السلمية بعيداً عن حمل السلاح والدخول في مفاوضات . دعا دول الجوار لتأمين الحدود لتجفيف منابع الأسلحة و التمويلات الخارجية وانتقال الافراد المدربين علي حمل السلاح وتكثيف الجهود في الفترة الحالية والسيطرة الكاملة علي الحدود للوصول الي حلول بعيدا عن التقاتل و حمل السلاح . السفير الحسن أحمد الحسنين نائب رئيس البعثة السودانية بالقاهرة يري أن آلية اجتماعات دول الجوار تعمل منذ فترة طويلة مع مساعدة الأشقاء في ليبيا و التنسيق مع الأجهزة التنفيذية بها لتجاوز الفترة الانتقالية مشيراً إلي أن الحكومة السودانية قدمت مبادرة للتعاون مع الحكومة الليبية بأن يتم عمل حوار لجميع الفصائل الليبية للتوصل الي حلول ومن المتوقع ان تحدث استجابة كبيرة طالما ان هناك مبادرات مطروحة والية دولية للمساعدة علي انجاحها . قال إن الصراع في ليبيا أصبح في حاجة الي تدخل سياسي من دول الجوار للمساعدة ولتقديم المبادرات والتنسيق مع جميع الاطراف الليبية للوقوف علي امكانيات العيش السلمي والتراجع عن حمل السلاح والدخول في الحلول السياسية مشيراً الي ان اجتماعات دول الجوار الليبي معتمدة من قبل الجامعة العربية و الاتحاد الافريقي و المجتمع الدولي لذا فهي قد تكون احد الاطراف الفاعلة في تحقيق التوافق الليبي . يري المراقبون أنه في كل الحالات سيكون من الصعب الفصل بين الملفات العسكرية والأمنية والسياسية خلال الاجتماع الوزاري وسيكون لزاماً مشاركة المسلحين والسياسيين الليبيين في المفاوضات علي اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم لأنه لن يكون بإمكان ليبيا تجاوز محنتها بدون تنازلات من كل الأطراف وبدون تضحيات لمن شاء تجنيب بلاده الأسوأ وتفادي السقوط في فخ التفكيك والتقسيم . مهما صدقت النوايا ومهما كانت الإرادة السياسية للوسطاء من دول الجوار أو غيرهم فان الليبيين لن يتجاوزوا أزمتهم قبل أن يتجاوزوا حساباتهم الضيقة وقبل أن يضعوا حدا للعبة المصالح المرتبطة بالعائدات النفطية الضخمة التي تحولت الي نقمة وليس الي نعمة علي الليبيين الذين بات نصفهم مهجرين يبحثون عن الاستقرار والأمن.