هل أصبح التدخل العسكري ضرورة حتمية في ليبيا..تساؤل تطرحه حالة الفوضي الكبري التي تغرق فيها ليبيا يوما بعد يوم والتي تتمثل في فقدان الحكومة المركزية سيطرتها علي مدن كاملة في البلادو تتصارع ميليشيات متنافسة من أجل السيطرة علي مقاليد الأمور في العاصمة الليبية ومناطق أخري.وقيام حكومتين متنافستين وبرلمانين متخاصمين والغياب التام لقوات الشرطة..هذا المشهد القاتم جعل العديد من المراقبين يؤكدون أن ليبيا اصبحت مقبلة لامحالة علي حرب أهلية أو دولتين علي حد وصف صحيفة التايمز فاشلتين متناحرتين ومتعثرتين اقتصاديا في الأغلب فالميليشيات التي كانت تقاتل متحدة ضد القذافي عام 2011. أصبحت تقاتل بعضها منذ رحيله وفي العامين الماضيين شكلت هذه المليشيات تحالفات فيما بينها.. فتحالف «فجر ليبيا» علي سبيل المثال الذي يتصدر المشهد في طرابلس حاليا كلف المؤتمر الوطني الليبي المنتهية ولايته بتشكيل «حكومة إنقاذ» وطني.. يتكون من ميليشيات من مدينة مصراتة ومقاتلين من معاقل أخري لثورة 17 فبراير، ويضم أيضاً قوي إسلامية. وهي جميعا ترفض اي نوع من التدخل في الوضع في ليبيا وتواصل في الوقت نفسه بسط سيطرتها علي الكثير من المناطق في ليبيا، بعد ان احكمت سيطرتها بالفعل علي طرابلس منذ اواخرالشهر الماضي وخاضت معركة طاحنة استمرت حوالي 40 يوما ضد قوات لمليشيات تابعة للواء حفتر مما جعل الحكومة المؤقتة تدير أعمالها من طبرق.. أما التحالف الآخر فهو يخضع لقيادة ميليشيات الزنتان. معروف ان لمدينة الزنتان دور كبير في الثورة التي اندلعت عام 2011 علي حكم القذافي..هذا التحالف ابتعد عن رفاق الثورة وشارك القوي المحافظة في مواقفها، بالإضافة إلي الفدراليين في الشرق، وبقايا الجيش القديم والنخب القبلية، بما في ذلك الجماعات المقربة من نظام القذافي وانضم اليهم مؤخرا ما يسمي بالجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يحارب منذ مايو، الميليشيات الإسلامية المتواجدة في شرق البلاد وتستند قوته علي أجزاء من القوات المسلحة النظامية، وخاصة السلاح الجوي.. هذا التحالف يتبع مجلس النواب المنتخب حديثا في يونيو الماضي ويتخذ من طبرق مقراً له -1600 كم شرق طرابلس-علي غرار الحكومة الموقتة، برئاسة عبد الله الثني،بسبب أعمال العنف التي تعصف بقسم كبير من ليبيا. وتضاف إلي هذين القطبين المتنافرين قوة ثالثة وهي مجلس القبائل الليبية الذي يملك شرعية واسعة، فضلا عن أن غالبية ضباط القوات المسلحة والجنود والأجهزة الأمنية السابقة يدينون له بالولاء. وكان المجلس قد حذر في بياناته الأخيرة الميليشيات الإسلامية بالكف عن استهداف أبناء طرابلس ووقف سياسة الأرض المحروقة كما هاجم ميليشيات أنصار الشريعة التي تهيمن علي مواقع حساسة شرق ليبيا وكان المجلس في بياناته الأخيرة أقرب إلي موقف الجيش الوطني الذي يقوده اللواء حفتر صحيح ان البرلمان الليبي الجديد طالب بالتدخل الأجنبي في البلاد، إلا أن جامعة الدول العربية أعلنت رفضها للتدخل في الشأن الليبي..المشكلة ان هناك خلافا كبيرا داخل هذا البرلمان الجديد علي مسالة التدخل فالحكومة المؤقتة التي تحاول إدارة البلاد من الشرق لكنها عاجزة عن مواجهة الميليشيات التي تفرض قوانينهاو تري أن التدخل العسكري الخارجي ايا كان شكله هو السبيل الوحيد لإخراج ليبيا من دوامة العنف والفوضي التي تعيشها، ويميل جزء آخر منها إلي تفويض جامعة الدول لدول عربية بالتنسيق مع البرلمان الليبي وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر للاتفاق علي آلية الدعم للقضاء علي المليشيات الإرهابية-بينما يري طرف ثالث أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال حل سياسي يكون نتاج تفاوض جميع الفرقاء السياسيين الليبيين. ورغم ان مجلس الأمن وسع من دائرة العقوبات المفروضة علي ليبيا الاسبوع الماضي لتشمل كافة الميليشيات المتقاتلة هناك بعد أن كانت تقتصر في السابق علي أنصار معمرالقذافي وهي عقوبات تتمثل في تجميد الأموال وحظر السلاح ومنع سفرمجموعة من الاشخاص تدعم المجموعات المسلحة أو الجريمة المنظمة الا أن وتيرة العنف تتصاعد في المدن الليبية وهو ماجعل الأمم المتحد ةتحذر من وقوع كارثة إنسانية في حال استمر الاقتتال بين الميليشيات. هذا الوضع الأمني المتهور في ليبيا يثير مخاوف دول الجوار(مصر وتونس والجزائر وتشاد والسودان والنيجر) التي تخشي من انتقال عدوي الفوضي إلي داخل حدودها. وكانت دول جوار ليبيا قد عقدت عدة اجتماعات لبحث إمكانية مساعدة ليبيا للخروج من أزمتها كان آخرها في يوليو الماضي في تونس وفي اواخر الشهر الماضي في القاهرة، حيث دعت إلي وقف العمليات العسكرية وإطلاق حوار وطني ليبي وإلي نزع متدرج لسلاح الميليشيات في هذا البلد مؤكدة رفضها أي تدخل أجنبي وتعهدت بتقديم المساعدة للحكومة لتأمين الحدود الليبية.. كل الشواهد تؤكد انه ما لم يتم نزع سلاح الميليشيات المتقاتلة في ليبيا عن طريق القوة او التفاوض او يحسم الصراع لصالح احد الطرفين بمساعدة المجتمع الدولي اودول الجوار فالامور هناك قد تأخذ شكل حرب اهلية او حرب شاملة والي ان يتحقق اي من الحلول السابقة ستبقي الفوضي سيدة الموقف.